لميعة عباس عمارة شاعرة عراقية بامتياز، فهي تنحدر من سلالة اتخذت من الماء – وهو أصل الحياة – مكاناً لعبادتها وحياتها، وقومها من تلك الأقوام الموجودة بالعراق قبل أن يكون العراق عراقاً، ولأنها جنوبية فهي مترعة بالحنان الذي تستمده من بلل مياه الأهوار وهي شاعرة حلقت في فضاء طويلاً كطيور الماء في بلدتها الأولى
تعود أصول الشاعرة لميعة الى ميسان في جنوب العراق حيث أنشأ السومريون حضارتهم، لكنها فتحت عينيها في بغداد حتى صار التبغدد جزءً من حياتها تتمثله وتدافع عنه، فكان انتماؤها الى بغداد قوياً، بعد أن اغترب أبوها الرسام بعيداً عن العراق، وحين سعت إليه أدركته لكنه مات بعد شهرين من ذاك اللقاء، فعاد انتماؤها الى العراق أقوى فصار هو الأب والأم والحبيب .
تشاء الصدف أن تنتزع هذه الشاعرة الرقيقة من العراق كنخلة اجتثت من أرضها، وهي اللصيقة بها حد الوله، لتنبت في أرض غير أرضها وناس غير ناسها وسماء غير سمائها.
تقيم الشاعرة لميعة اليوم وقد تجاوزت السبعين، ويا للمفارقة في أمريكا التي دمرت مدينتها الأثيرة بغداد، تعيش مثل نبت بري، فتتذكر بغداد ولياليها فيها وأيامها مع السياب الذي كناها بوفيقة في قصائده حسب ما تعترف هي بذلك، ويبدو أنه سلك طريقة الشعراء القدامى في عدم الإفصاح عن اسم الحبيبة. بدأت الشاعرة كتابة الشعر في وقت مبكر من حياتها منذ أن كانت في الثانية عشرة، وكانت ترسل قصائدها الى الشاعر المهحري (ايليا ابو ماضي) فهو صديق والدها المغترب هناك ،
ونشرت لها مجلة السمير اول قصيدة وهي في الرابعة عشر من عمرها وقد عززها ايليا ابو ماضي بنقد وتعليق مع احتلالها الصفحة الاولى من المجلة اذ قال (ان في العراق مثل هؤلاء الاطفال فعلى اية نهضة شعرية مقبل العراق..) وتحقق توقع الشاعر وصارت تلك الطفلة شاعرة كبيرة فيما بعد.
عندما درست الشاعرة في دار المعلمين العالية – كلية الآداب – صادف أن اجتمع عدد من الشعراء في تلك السنوات في ذلك المعهد، السياب والبياتي والعيسى وعبد الرزاق عبد الواحد وغيرهم، وكان التنافس الفني بينهم شديداً، وتمخض عنه ولادة الشعر الحر الذي لا تكترث الشاعرة كثيراً في مسألة الريادة فيه. بدأت بنشر قصائدها في الصحافة العراقية والعربية وكان اسمها يتردد بين شعراء تلك المرحلة.
وممن أشاروا الى شاعريتها المستعرب الفرنسي البروفسور (جاك بيرك) فذكرها في كتابه الذي صدر بفرنسا عن الشاعرات العربيات فذكرها ونازك الملائكة وفدوى طوقان.. فقال: لميعة عباس عماره شاعرة الرقة والجمال والانوثة التي لاتنتهي لاتخلو قصائدها من لذعة.
وهي حقاً كذلك كما انها تتميز بالذكاء وسرعة البديهة، فحين كرمتها الحكومة اللبنانية بوسام الإرز تقديراً لمكانتها الادبية- لم تتسلم الوسام (لان الحرب الاهلية قائمة) وكتبت تقول:-
على أي صدر احط الوسام
ولبنان جرح بقلبي ينام
هنا نتوقف عند ظاهرة لافتة للنظر، وهي أن بعض الشعراء العراقيين يكتبون باللغة العربية الفصيحة ويكتبون كذلك باللهجة الدارجة، كما هو الحال عند مظفر النواب، أو انهم يضمنون قصائدهم الفصيحة بشعر عامي كما هو الحال عند سعدي يوسف، وهي ظاهرة تستحق الدراسة. الشاعرة لميعة عباس عمارة أحد هؤلاء الشعراء، فقد كتبت الشعر الفصيح فأجادت فيه، وأصدرت سبع مجاميع شعرية، مثلما أجادت في الشعر العامي وأصدرت مجموعة واحدة. أحبت الشاعرة لغتها العربية وتخصصت بها ومارست تدريسها فتعصبت لها أكثر دون أن تتنكر للهجتها الدارجة فوجدت نفسها في الأثنين معاً.
إن لميعة ترى في اللغة العربية الفصيحة وسيلتها للتواصل مع الآخرين الأوسع، لكنها تجد في لهجتها العراقية (العامية) ما يقربها من جمهورها المحلي الذي استعذب قصائدها فتحول بعضها الى أغنيات يرددها الناس.
من يقرأ قصائد الشاعرة لميعة يتوقف عند ملمحين أساسيين، الأول سعيها للتعبير عن أنوثتها أمام الرجل بوصفه صنوها لا عدواً لها تحاول استفزاز رجولته وإثارته، والثاني هذا الاعتزاز بانتمائها العراقي الواضح بعيداً عن المزايدات الوطنية، إنه التعبير عن ذلك الارتباط الروحي بأرض تعرف مدى عمقها الحضاري وأصالته، وكثيراً ما تغنت ببغداد، فبغداد هي العراق، تقول:
لان العراقة معنى العراق
ويعني التبغدد عزا وجاها
ولتعلقها بلهجتها العراقية تستهل أحدى قصائدها بمفردتين محليتين هما “هلا” و”عيوني” فتغني لقرى العراق ومدنه وناسه وتجد كل شئ جميل فيه، حتى قمر بغداد ترى أن له خصوصية وإن كان مشتركاً بين الجميع، أما سبق لحبيبها القديم الشاعر السياب أن قال “حتى الظلام هناك أجمل فهو يحتضن العراق” . تقول لميعة:
(هلا) و(عيوني) بلادي رضاها
وازكى القرى للضيوف قراها
بلادي ويملاني الزهو اني لها انتمي وبها اتباهى
لان العراقة معنى العراق
ويعني التبغدد عزا وجاها
اغني لبغداد تصغي القلوب
والفي دموع الحنين صداها
وان قلت بغداد اعني العراق الحبيب
بلادي باقصى قراها
من الموصل النرجسيه ام الربعيين
والزاب يجلو حصاها
الى بصرة الصامدين نخيلا
تشبث من ازل في ثراها
واسكنت نفسي اقصى البعيد
وقلت غبار السنين علاها
فما نستني عيون النخيل
ولا القلب والله يوما سلاها
واعرف انه قمر للجميع
ولكنه قمر في سماها
وهكذا تغدو بغداد هي العراق لذا فالشاعرة تعشق كل ما فيها من أرض وجو وبشر، فأحبت ملايينها العشرة وحين تضطر لمغادرتها تحملهم في قلبها تتذكرهم وتتذكرها وتغني لهم وقد مر قطار العمر سريعاً، ورغم اتساع الأرض يبقى الهوى بغداد (شعر عامي):
عشر الملايين الهواهم ولا لي عوض ،
فاركتهم بالرغم فرض علي انفرض
وما صاحبي بعدهم غير التعب والمرض
والدمعتين التنام بشعري تالي الليل
اكول خلصت وثاري الخلص
بس الحيل أدري جبيرة الأرض
بس مالي بيهاغرض
ولفرط حبها لبغداد ومعالمها تغني لجسرها المعلق الذي يربط بين جانبي الكرخ والرصافة في أجمل مناطقهما يقول مطلعها:
لِمها الرّصافةِ في الهوى سِفْرُ
لعيونها يتفجّرُ الشِعْرُ
وبعد أن تستذكر أبا نؤاس وغيره تقول في حيرة ممزوجة بالحب لا يدركها إلا من أحب وطنه بصدق، فيتحول هذا الجسر الحديدي الى روح متحركة تشعر بنا مثلما نشعر به:
يا ثِقْلَ (كرخِيَّ) نُجاذِبـــهُ
لُطفَ الهَوى ووِصالُه نَزْرُ
مُتَرَدِّنٍ بالزَهـــوِ، أعْجَبَهُ
أنَّ الأحبــةَ حَوْلَهُ كُثــرُ يدنو،
فتَحْسَبُ أنتَ لامسـهُ
ويغيبُ ليس لليلـهِ فجرُ
ويقولُ: “مشتاقٌ” وفي غَـدِهِ
يتمازجانِ:الشوقُ والهجرُ
ونُريدُهُ، ونُلِــــحُّ نطلبهُ
فيجيئُنا مِنْ صوبهِ عُـذِرُ
ويظَلُ هذا الجسرُ يُفصــلنا
وكأنَ دَجلةَ تحتهُ بــحرُ
خُلقَتْ جسـورُ الكـونِ موصــلةٌ
إلا “المعــــلقِ” أمرهُ أمــــرُ
ورواية أخرى
خلّفتُ جسورَ الكونِ موحلةً
إلا “المعلقَ” أمرهُ أمــرُ
تضرب أمريكا العراق بعد غزو الكويت في التسعينات فيجثو الجسر المعلق في نهر دجلة كجمل ضخم أناخ بعد طول سفر، وتخرج النساء يلطمن الجسر ويبكينه في مشهد لا يمكن وصفه، هذا الجسر الذي حملهن أطفالاً وفتيات وشهد مواعيد الهوى الأولى، وتأبى الشاعرة إلا أن تشارك في هذا الحدث، فتنفلت الكلمات من الشاعرة هذه المرة باللهجة العراقية حزينة موجعة:
يا جسر المعلق … أويا أحله جسر
يحزام دجلة ايلالي حدره الماي ويوج العصر
يمصافح الصوبين مامل الرصافة الكرخ
من وكت الزغر
ظلعي احسه المنكسر … موش الجسر
ياجسر المعلق … ويا أحلى جسر
الشاعرة لميعة تكاد تنفرد بطبيعة علاقاتها بالآخرين، وهي تروي ما حدث بينها وبين الشاعر محمود درويش معترفة بجماله وشاعريته معاً ، تقول أنها جلست بجانب ياسر عرفات وكانت تنظر في وجه درويش دون قصد ففاجأه بالسؤال لماذا تحدقين في وجهي، فما كان من ياسر عرفات إلا أن رد على الفور: وهل تريدها أن تحدق في وجهي؟ ثم تتحدث في مقال لها كيف أن درويش قال وهو يلتقط صورة معها (أنا أقف الآن بجانب أنانا). تكثر اللقاءات بينهما ، تقول ” وفي لقاء سريع مثل هذا قال لمن معه وهو يستفزني:
– لميعة لو تكتب على باب غرفتها: Please disturb me في المرة الثالثة حين رأيته يجلس في صالة الفندق مع مجموعة ناولته قصاصة غير مهذبة من مسودة أبيات وجدتها بين أوراقي وفيها: (إلى محمود درويش:
أزح يا حبيبي نظارتيك قليلاً لأُمعن فيك النظر
فما لونُ عينيك؟ هل للغروب تميلان أم لاخضرار الشجر
أُحبهما، تتعرى النجومُ بغير سحابٍ أريد القمر
فو اللهِ من أجل عينيك محمودُ أصبحت أعشقً قصر البصر
قرأها محمود بسرعة وناداني قبل أن أغيب: تعالي..
قلت: – خير..
قال: – لماذا تنادينني (يا حبيبي) وأنت لا تقصدينها؟
قلتً: – هكذا أنادي كل أولادي. وضحك الحاضرون فاشتفيت بمحمود. ”
هذه الشخصية اللطيفة في شاعرة عربية هي خليط بين التمرد الحلو والالتزام الذي نحبه في المرأة تقول الشاعرة لميعة عباس عمارة في إحدى قصائدها:
” تدخنين؟ لا أتشربين؟ لا أ ترقصين ؟ لا
ما أنت ِ ؟ جمعُ لا ؟
أنا التي تراني، كل خمول الشرق في أرداني
فما الذي يشدُ رجليك إلى مكاني ؟
، يا سيدي الخبيرَ بالنسوان
أنّ عطاء اليوم شيء ثانِ
، حلّقْ ! فلو طأطأتَ …لا تراني ” .
وصف الشاعر السوري شوقي بغدادي الشاعرة لميعة بأنها شاعرة الرجال، فقال إذا كان نزار قباني شاعر النساء فإن لميعة شاعرة الرجال.
إن هذا الوصف لها، صف ماسب جداً لسيدة الشعر لميعة فهي مولعة بالرجل تصف شغفها وتعلقها به دون تردد ، وتحاول استفزاز رجولته حين بكون غير مكتر، تقول لميعة:
مازلت مولعة ، تدري تولعها
مشدودة لك من شعري ومن هدبي
من دونك العيش لا عيش ، وكثرته
درب طويل . فما الجدوى من النصب
وهي تفصح عن هذا الغائب الحاضر الرجل ، وهو هنا ربما كان حبيباً أو أباً لكنه الرجل:
عد لي صديقا ، أخا ، طفلا أدللـه
عد لي الحبيب الذي كم جد في طلبي
عد سيدي ، تلك دون الشمس منزلة
أحلى المناداة عندي سيدي وأبي
وفي توظيف لرموز دينية وتاريخية واضحة تشكو عذاب الحب ببوح جميل يقترب من الديالوج الداخلي لجرأة مفرداته كما في قصيدة (رهينة الدارين):
يعلم الله أنني أتعذب
رهبة من مشاعري أترهب
لا تقل لي ( أحب)
هذا بعينيك اشتهاء
ونزوة سوف تذهب .
لست أيوب ،
لن تطيق وصالي
هو شيء من الخرافة أقرب
أن تراني وحشية التوق للحب
وتبقى معي الرفيق المهذب
أبعد الشعلتين _ كفيك _ عني
لا تلامس هذا الكيان المتعب
أنا رهن الديرين
أنساني الحرمان جسمي
ولذتي أن أصلب
تعمدت الشاعرة بمياه دجلة حيث ولدت في بغداد وترعرعت على مياه الفرات وبين هذين النهرين العظيمين أشادت مجدها الشعري، وقد كانت شاعرة تمتلك من الجرأة والتمرد ما سبق عصرها وهي التي أكملت الجامعة في الخمسينات، تعيش هذه الشاعرة غريبة في الولايات المتحدة تلوك غربتها وحدها، وكلما زارت بلداً عربياً قالت هذه فرصة أن لا أموت في أمريكا، هذه السومرية التي ما زالت تتميز بصوت أنثوي يمنح ألقاءها سحراً أخاذاً.
لم تستطع الحياة الغربية التي عاشتها الشاعرة لميعة بما فيها من جمال وسحر ان ترتفع الى افياء ذاكرتها وتقول في احد اشعارها وهي في المغرب تراقب وهي وحيدة من شباك غرفتها الالاف على ساحل البحر يسبحون..
الاطلسي
وحيدةً على شواطي الاطلسي
ليس سوى ذكرك كان مؤنسي
فليست غرفتي بل محبسي
ارقب من شباكها الاحياء
ملء الشاطئ المشمسِ
عيد لكل اثنين في مثل جموحِ الفرسِ
مجردين غير خيطين بقايا ملبسِ
***
من غرفتي احكي عن الحب انا
وعن هوى لم المسِ
كفيلسوف يصف الخمر التي لم يحتسِ
***
عبر شطوطٍ لا جسر عليها
عشاق لا اعرفهم يطربهم ذكري
وانا جسد مدفون في الثلج
ليظل جميلا معشوقا ابد الدهرِ
قصائد مختارة للشاعرة لميعة عباس عمارة
لماذا اعشقك انت..؟
لم اخترتك بين امجادك الزاهره؟
ومثلك يحلم كرم الجنان
يسيل على كفه العاصره
* *******
لماذا جعلت طريقي انتهاء
والغيت قدسية الذاكره ؟
اكان اكتمالا لمجدك ان سيقال
……وهامت به الشاعره
*******
لماذا يحط المساء
حزينا على نظرتي الحائره
وفي القرب اكثر من معجب
واني اكثر من قادره؟
انا طائر الحب
كيف اختصرت سمائي
بنظرتك الآسره ؟
لو أنبأني العرّاف
أنك يوماً ستكونُ حبيبي
لم أكتُبْ غزلاً في رجلٍ
خرساء أًصلّي
لتظلَّ حبيبي
لو أنبأني العراف
أني سألامس وجه القمرٍ العالي
لم ألعب بحصى الغدران
ولم أنظم من خرز آمالي
لو أنبأني العراف
أن حبيبي
سيكونُ أميراً فوق حصانٍ من ياقوت
شدَّتني الدنيا بجدائلها الشقرِ
لم أحلُمْ أني سأموت
لو أنبأني العرّاف
أن حبيبي في الليلِ الثلجيِّ
سيأتيني بيديهِ الشمسْ
لم تجمد رئتايَ
ولم تكبُرْ في عينيَّ هموم الأمس
لو أنبأني العراف
إني سألاقيك بهذا التيه
لَسْتُ غـَيْرَى..
سيـّدي..
طِفلي..
تـُرى أين قضيت الليلَ..؟؟
ليلَ الأحدِ,
مثقلا بالشغلِ..؟!
أم بين ذراعَي أغيدْ..؟
يا نديّ الثغرِ، ثغريْ عطشٌ
لم يبردِ،
كم تمنيتكَ بالأمسِ..
فما نعمت عيني، ولا ضمت يدي؛
أنا خوفٌ مزمنٌ تجهله,
وحقولٌ مرّة لم تـُحصدِ،
يائسا ترجعُ من وصلي
فأن قرب الشوق وسادا
أبعد..
لستُ غيرى
أنت إن أحببتني
عانق الأرض،
ونمْ في الفرقدِ
كلـّه حبٌ
فصدري صدرها,
وبها منيَ لينُ المسندِ
وبها من حُرَقي أروعُها
رعشة ُ النارِ، وحضنُ الموقدِ
ليسَ حُبي الطوقُ..
أفدي عًنـُقا
هيَ عندي قطعة من كبدي
ساعةٌ منك تغطي عُمرا
وتـَرُدُ الماءَ للنهر الصّدِي
أيها الطفلُ الذي أعشقه
أطلِ اللهوَ, لتبقى ولدي..
عشْ كما شئت,
فراشا ،بلبلا ،نحلة, أشركْ معي, أو وحِّدِ..
أنا أهواكَ كما أنتَ ..استرحْ
لا تبادرني بعذرٍ في غدِ
شهرزاد
ستبقـى، ستبقـى شفاهـي ظمـاءْ
و يبقـى بعينـيَّ هــذا النــداءْ
ولـن يبـرح الصدرَ هـذا الحنيـن
ولـن يُخرسَ اليـأسُ كـل الرجـاء
* * *
سيبقـى لكفـيَ هـذا البـــرودْ
و لـن تعـرف الـدفء حتى تعـود
عنــاق الأكف أثــار الدمــاء
و علمنـي كيف يُنْسـى الوجــود
* * *
ستبقـى دمائـي لظـىً واحتـراقْ
و تبقـى ضلوعـي منـىً و اشتيـاق
فكـل حياتـي هـوىً يـائــسُ
لقـاء قصيـر المـدى، فافتــراق
* * *
لعينيـكَ أنـتَ يلـذّ العـــذابْ
و يستعـذب القلـب مـُرَّ الشـراب
ففيـك عرفـت الحبيـب الوديــع
و مـا كنـت أعـرف إلا ذئــاب
* * *
هـوانــا و أشواقنــا الخالــدهْ
و ثــورة أرواحنــا الحـاقــدهْ
لأعجــز مـن أن تمـدّ يـــدا
تمــزق أسطــورة بـائـــده
* * *
أسـاطيـر نمّقهـا الخـادعــونْ
وأشبـاح مـوتـى تجـوب القـرون
لتخنــق أجـمـل أحـلامنـــا
و تُبعـث فينــا، فيـا للجنـون !!
* * *
ستمضي، فمن لـي بـأن أمنعـكْ ؟
ستمضـي، فهـل لـي أن أتبعـك ؟
فقلبي، وشعري، وعمـري سـدى
إذا لــم أُمَتَّــعْ بعيشــي معــك
* * *
سأهـواك حتـى تجـف الدمـوعْ
بعينـي، و تنهـار هـذي الضلـوع
مـلأتَ حياتـي، فحيـث التفـتُّ
أريــج بذكـراك منهـا يضــوع
* * *
سيبقـى هـواي لظـىً مضرمــا
و لـن أعـرف اليأس لـن أسأمــا
سيبقـى انتظـاري يذيـب السنيـن
و أعلــمُ أنــك لــن تقـدمــا
* * *
وفـي ليلـة مـن ليالـي الشتــاءْ
و قـد لَفِّنـي وفتاتــي غطـــاء
سـأرنـو إلـى البـاب مرتاعــةً
وأتلـو عليهـا ( نشيـد اللقـــاء )
* * *
سأغمـر بـالذكريـات البِعـــادْ
مُنـىً في النهـار، رؤىً في الرقـاد
و يبقـى حديـث الهـوى قصــة
أبـت أن تُتَمّمَهـــا شهـــرزاد
أنا كل النساء
لا تقلها إن لجلجت فى حناياك
و دعنى أشتفها من عيونك
و ارتعاشات هدبك الخجل الخفق
و هذى الغصون فوق جبينك
خل هذا الغموض و حيا تقيا
لصلاة ما هومت فى يقينك
و إذا الآدمى فيك تنزى
و تمطى العناق بين جفونك
فاحتضن أيهن شئت ، تجدنى
أنا كل النساء طوع يمينك
لا تقرب أنفاسك النار من وجهى
و أذنى ، و شعرى المتهافت
إن فى همسك الأعاصير و الزلزال
يجتاح عالمى ، و هو خافت
لا تقلها ، و خلنى أحزر اللؤلؤ
فى بحرى العميق الصامت
أنت لو قلتها ، تموت الأغانى
*عن مجلة سطور الإلكترونية