في رحيل الفيتوري… هل تأخرت!

لمـيعة عباس عمـارة

 

عرفته منذ أربعين عاماً وبيننا أخوّة وصداقة. حضرنا احتفالية مرور عام على وفاة الشاعر بشارة الخوري، إذ كنتُ أمثل العراق، وكان الفيتوري يمثل السودان، وعمر أبو ريشة يمثل سوريا وسعيد عقل يمثل لبنان وحسن القرشي يمثل السعودية والشاعر عزيز اباضة يمثل مصر وعبد المنعم الرفاعي يمثل الأردن وكمال ناصر يمثل فلسطين والسقاف يمثل الكويت.
وكان الفيتوري في هذا المهرجان أبرز الشعراء قصيدةً وإلقاء.
كان الفيتوري (سودانياً) يفخر بأفريقيته وأعجب القراء العرب بديوانه «أغاني أفريقيا» واعتبر من أعمدة الشعراء الكبار في النهضة الشعرية الحديثة، ثم، وما بعد ثم، وهي أخت لكنّ، فجأة تحوّل إلى (ليبيا) وأعطي منصباً دبلوماسياً في سفارات ليبيا، وصار ملحقاً للقذافي الذي أنعم عليه ونال من كراهية العرب للقذافي نصيباً. وهكذا السياسة تحط المتفوق وترقع الهزيل بقدرة المال والمنصب.
عاش الفيتوري مُنعماً مادياً وهو ليبي، ولكنهُ تخلّف عن الفيتوري السوداني، وشمله الإهمال عربياً. وعاش بعيداً عن وطنيه الاثنين ليبيا والسودان، ملتجأً إلى المغرب، بما كان له من بقية المال، تزوّج مغربية ورزق بابنة واشترى بيتاً، وهذا زواجه الثاني، إذ الأول كان من سودانية جميلة اسمها آسيا وله منها ولد ثم طلقها.
وبقي له في لبنان أصدقاء، مثل المحامي الشاعر عبد الله الخوري نجل الأخطل الصغير، وكان له في بيت عبد الله الخوري في جونية احترام ومحبة ينام عندهم أحياناً في بعض زياراته. ومرض عبد الله الخوري، وبدأت ذاكرته تضعف، فكان الفيتوري إذا سلّم على عبد الله ولم يرد عليه بالحرارة نفسها التي كان يستقبله بها، كان يحمل في نفسه غضباً قاسياً أفرغه مرة أمامي، وكنت في ذلك الوقت أجهل أن الأستاذ عبد الله الخوري بدأ ينزل في بئر مظلم مع الأسف.
التقيت الفيتوري عدة مرات في لبنان، خاصة مع صديقنا الوفي ياسين رفاعية، الذي لم يتخل عنه أبداً أثناء زيارته لبنان. آخر لقاء كان لي مع الفيتوري في دعوة بدار الشاعر زياد ذبيان، وكان من الحاضرين الفنان الياس الرحباني والشاعرة اللبنانية باسمة باطولي وآخرون والفيتوري بكامل صحته وتألقه، ثم سمعت مع الأسف بأنه مريض، ولسنوات طويلة في المغرب بعناية زوجته المغربية وابنته. نقل لي صديقه فارس يواكيم أنه زارهُ في بيته في المغرب فلم يعرف صديقه فارس وكان متوحداً يكرر جملة بعينها كل فترة ولا ينطق غيرها.
أسفاً عليك كيف تحوّل ذاك الشاعر الملهم وسيد المنبر إلى هذا الخواء، لا تقولوا للشاعر الله يطول عمرك إن كنتم تحبونه.

 

سان دييغو