أم زكي .. لميعة عباس عمارة

إبراهيم الزبيدي

 

لا أنسى تلك الأيام والليالي الفريدة التي كانت تثريها أم زكي بأشعارها وذكرياتها وطرائفها التي لا تنتهي.

الدكتور أبوفريد عراقي كلداني مسيحي شيوعي من الناصرية المسلمة الشيعية الواقعة في جنوب العراق، وهذه أولى طرائفه. هرب إلى إيران ومنها إلى روسيا على إثر إعدام يوسف سلمان يوسف “فهد” مؤسّس الحزب الشيوعي العراقي ورفاقه أعضاء اللجنة المركزية في مارس 1949. وتزوج من الروسية أم فريد، وحصل على 3 شهادات دكتوراه في اللغات والنقد، كما أتذكر.

هاجر أبوفريد إلى المغرب، وسكن مدينة القنيطرة التي تبعد عن الرباط العاصمة 30 كيلومتراً، واختار أن ينشئ مدرسة خاصة تتخصّص في تقويم الأحداث المطرودين من المدارس الحكومية، ذكوراً وإناثاً على السواء، وقد اختار لمدرسته اسم الشاعر الفرنسي “لافونتين”.

ومن عرف الراحل أبوفريد يوافقني القول بأنه كان عميد الضاحكين والفكهين والباحثين عن الطرفة والكلام الجميل.

ورغم بعد المسافة عن الرباط والدار البيضاء، كانت مدرسة أبوفريد ملتقى العراقيين، رسميين وغير رسميين، مقيمين وزواراً.

وأذكر أن الراحلة لميعة عباس عمارة نزلت في إحدى غرف المدرسة، ورفضت الإقامة في أحد فنادق العاصمة رغم أنها كانت ضيفة على الحكومة المغربية، وذلك طمعاً في أيام مرحة لا تعوَّض في مدرسة “أبوفريد”، فأطلقنا على الغرفة التي استقرت فيها اسم “هيلتون أبوفريد”.

ولا أنسى تلك الأيام والليالي الفريدة التي كانت تثريها أم زكي بأشعارها وذكرياتها وطرائفها التي لا تنتهي، برقّتها الشهيرة ودقة ملاحظاتها وسرعة ردودها الأنيقة الراقية التي لا تصدر إلاّ من سيدة مجتمع عالية الجناب.

بعد الظهر بقليل من كل يوم، خصوصا في أيام الصيف، يأمر أبوفريد بعض تلاميذه برشّ الفناء بالماء ورصف الكراسي حول الشجرة الوحيدة التي تتوسّط الفناء استعداداً لاستقبال الضيوف.

وفي كل ليلة تتولّى أم فريد إشعال النار في منقل كبير، وتقطع اللحم والدجاج، ثم تنادي على زوجها “أبوفريد قوم خط اللخم عالفخم”. فيضحك أبوفريد ويقول “انظر إلى هذه الكارثة، أربعون سنة وما زال اللخم على الفخم”. كان من المستحيل على أم فريد الروسية أن تلفظ الحاء حاءً بدل الخاء.

ولميعة، أم زكي، الفراشة الرقيقة ترش على المكان وعلى السمّار المتحلقين حول أبوفريد عطورها التي تنعش القلب وتجدد الروح.

 

عن جريدة (العرب)