الموت يغيب الشاعرة لميعة عباس عمارة

إبراهيم الخليل

 

غيب الموت الشاعرة العراقية المعروفة لميعة عباس عمارة (1929- 2021) يوم الجمعة 18 حزيران بعد صراع مع المرض. ويذكر أنها من مواليد بغداد، وكان جدها صائغا معروفا في العراق كله، وقد درست في مدارس بغداد ثم التحقت بدارا لمعلمين، وتزامن ذلك مع وجود أربعة من رواد الشعر العراقي في مقدمتهم بدر شاكر السياب وعبد الوهاب البياتي وعبد الرزاق عبد الواحد ونازك اللائكة وهي خامس هذا الفريق الذي احتدمت بين أفراده المنافسة فكان لهم بسبب ذلك أن أحدثوا جديدا في الشعر لا في العراق حسب بل في الشعر العربي كله، لذا لا عجب أن وجدنا الدارسين يختصمون في أي الشعراء من هؤلاء يظفر بفضل ريادة الشعر الحر. وبعد التخرج عملت لميعة في التدريس ببغداد في مدرسة دار المعلمات ولكنها لم تقم على هذا بل بادرت للعمل في مديرية الثقافة والفنون في الجامعة التكنولوجية ببغداد، وشغلت منصب المديرة وشغلت أيضا منصب نائب المندوب العراقي الدائم في منظمة اليونسكو بباريس.
وكانت لميعة قد نشرت أول قصيدة لها في مجلة السمير التي أنشأها إيليا أبو ماضي في سنسناتي بالولايات المتحدة ونوه لتلك القصيدة متوقعا للميعة مستقبلا رائعا في الشعر. وصدر أول دواوينها عام 1960 أي بعد 13 عاما من صدور أزهار ذابلة للسياب وديوان عاشقة الليل لنازك الملائكة. والديوان الذي صدر عام 1960 كان بعنوان الزاوية الخالية ثم تبعته مجموعة شعرية بعنوان عودة الربيع 1963 وأخرى بعنوان أغاني عشتار 1969 ورابعة بعنوان يسمونه الحب 1972 وخامسة بعنوان لو أنبأني العراف 1980 وصدرت من هذه المجموعة الأخيرة طبعة ثانية في الكويت عن دار كاظمة، وأخيرا المجموعة الموسومة بالبعد الأخير 1988.وللميعة كتب أخرى منها كتاب عن الطعام لدى الصابئيين وآخر بعنوان الخطاب الأنثوي في الشعر المعاصر.
وتقديرا لعطائها الشعري والنثري ونشاطها في الميدان الثقافي والفني والاجتماعي قررت الحكومة اللبنانية تكريمها في حفل خاص، إلا أن الشاعرة لم تتمكن من الحضور، ولا من استلام الوسام التكريمي بسبب الحرب الأهلية، وقد نقل عنها القول أي صدر ذلك الذي يزدان بالوسام ولبنان جرح في القلب لا ينام..
على أن الشاعرة لميعة عباس عمارة تمثل اتجاها مغايرا عن رفاقها الأربعة، فقد كان لكل منهم توجهه؛ فالسياب شغل بالاقتراب من الشيوعيين، ثم ابتعد عنهم مقتربا من التيار القومي تارة، ومن تيار عبد الكريم قاسم الانقلابي تارة، والبياتي تجذر في التيار التقدمي المحسوب على الشيوعيين، وعبد الرزاق عبد الواحد وظف شعره في التعبير عن إيديولوجية البعث إذا صح التعبير، و نازك الملائكة هي الأخرى جنحت للتيار الوحدوي الناصري، أما لميعة فيبدو أنها ظلت على نمط البدايات رومانسية الاتجاه، تتغنى بالعواطف الذاتية، والمشاعر الجياشة التي يغلب عليها موضوع الحب والشوق، فهي لا ترى ما يستحق أن يشغلها إلا الحب :
لو أنبأني العراف
أن حبيبي
سيكون أميرا فوق حصان من ياقوت
شدتني الدنيا بجدائلها الشقر
فلم أحلم أني سأموت
وفي شعرها الذي وقع بين اليدين لا تمجد شيئا بقدر ما تمجد الحب، فكل شيء قابل للتغيير، قابل للفناء، والذهاب، اللهم إلا الحب وحده هو الذي يحظى بالبقاء، والخلود:
حين تمر فصول العام
تتبدل ألوان الأشجار
وأوزان الأشعار
وأحوال الرؤساء
ويظل الحب هو الخالد
ولأن الشاعرة تنقلت في المدن، والأقطار كثيرا فقد تجلت في قصائدها المشاهد التي تعبر فيها عن افتتانها بالأماكن التي زارتها أو أقامت فيها، مثل باريس وطنجة وبيروت وغيرها. على أن لميعة هذه هي التي عناها بدر شاكر السياب في شعره، وتغنى بجمالها النادر، مدعيا حبها له، وحبه لها، وهي التي قصدها بمطلع أنشودة المطر على رأي بعض الدارسين، والإشارة التي تؤكد هذا ما ورد في قصيدته « أحبيني « التي خاطب فيها زوجته إقبال، يقول ملمحا لمن تظن أنها الشاعر لميعة :
وتلك وتلك شاعرتي التي كانت
لي الدنيا وما فيها
شربتُ الشعر من أحداقها ونعست في أفياء
تنَشّرُها قصائدها عليَّ، كلّ ماضيها
وكلّ شبابها كان انتظارا لي
على شط يهوّمُ فوقَهُ القمرُ
وتنعَسُ في حماه الطيرُ
غذ نعاسَها المطرُ (شناشيل ابنة الجلبي، بيروت، ط3، 1967 ص 61 )
ومن آثارها الأخرى كتاب أنا بدوي  بدمي. والشاعرة لميعة عباس عمارة لم تحظ بالكثير من المقالات، والدراسات، ولعل في هذه الكلمة الموجزة عنها إحياءً لذكراها ما يشجع المهتمين على اتخاذ شعرها موضوعا للبحث، والدراسة العلمية الشاملة. لا سيما وأن دواوينها موجودة، ولها مؤلفات تروي فيها الكثير من أخبارها، وسيرورتها مع الأيام، وسنوات العمر، وجولاتها في فضاءات بعيدة ككتابها عراقية. رحم الله الشاعرة لميعة، ولترقد روحها بسلام.

 

عن (الدستور) الأردنية