مقاربة للتناقض بين«لغتين» عربيتين

مشروع التراث و«نقد العقل العربي» في فكر الجابري

وليد أحمد السيد

كلما رحل علم من أعلام الفكر عن هذا العالم، نتوقف دوما، مثقفين، وباحثين، وبشرا، أمام فلسفة الموت، وكأن فكرته تطالعنا لأول مرة. نستشعر رهبته من جهة، ونقف عجبا أمام أنفسنا وقد غابت عنا 'بشرية' هؤلاء المفكرين الذين خلّدتهم، أو تكاد، أعمالهم في عقولنا ووجداننا حتى لم يعد يخطر ببالنا أن يغيب عنا واحد منهم ـ ليس في دورة حياتنا الفردية على الأقل. رحيل المفكر العربي المغربي محمد عابد الجابري قبل أيام، عن 75 عاما، لم يكن استثناء من هذه الخاطرة. والرجل، بقامته العلمية والفكرية والفلسفية السامقة، أغنى من التعريف والتقديم بسطور، ففكره سبقه وقدمه للعالم العربي قبل عقدين أو ثلاثة على الأقل بالمجلدات الموسوعية ثاقبة النظر والسابقة 'بحداثتها' عصر الرجل بما مهد للبحث في آلية وبنيوية العقل العربي بأنماطه الثلاثة ـ البياني والغنوصي والبرهاني. فالرجل قدم مشروعا رائدا في منهجية غير مسبوقة لتحليل العقل العربي، والإسلامي، والسياسي، خلص فيها إلى نتائج مثيرة للجدل في الآلية التي تعمل فيها 'بالقياس' ـ قياس الغائب على الشاهد. ولم تكد الأوساط الثقافية العربية، وبخاصة في فترة 'الجابري الذهبية'، التسعينيات، يلتقط انفاسه من أطروحة للجابري حتى يعاجل بأخرى لا تقل عن سابقتها إثارة لموجات من الجدل والدهشة والعجب أو الإعجاب!

فكر الجابري، وفلسفته، طالعت عامة المثقفين وخاصتهم في مختلف ميادين الثقافة ـ ومنها ميدان الخطاب المعماري العربي المعاصر، بتقاطعاتها مع مسألة التراث والحداثة. الفكر النهضوي للتراث العربي والذي قدمه الجابري في سلسلة مؤلفات التراث والحداثة ونقد العقل العربي فتحت الباب واسعا أمام مشروع مركزي في بنية الثقافة العربية، بالمفهوم الواسع للكلمة، والتي تخطت حدود التاريخ والأدب والفكر الفلسفي المجرد لتقتحم آفاق المعضلة الأساسية التي تجابه التطور العربي بعد مرحلة ما بعد الاستقلال من الاستعمار ـ تلك هي معضلة الأصالة والمعاصرة. تقديم الجابري لهذه 'الإشكالية' الفكرية بعد تعريفه الفلسفي لترابط عواملها بين الماضي البائد وبين الواقع المتغير، كانت أطروحة غير مسبوقة مع نهاية الثمانينيات، بما شكل خامة أساسية في معادلات حل البون الشاسع بين التراث كموروث سلفي وبين المعاصرة كمعطى تطوري ديناميكي. بيد أن أشهر أطروحاته في حقبة التسعينيات كانت ثلاثية 'نقد العقل العربي' بما قدم له من براهين واستشهادات استشرافية تاريخية مهمة.

سلسلة نقد العقل العربي كانت مادة غزيرة مهمة للتأمل ودراسة الأطر التي تشكلت فيها العقلية العربية والفكر العربي. ويرى الجابري أن دور اللغة العربية في تشكيل الفكر العربي كان محوريا في توجيه آلياته وأطره ونظمه، فضلا عن كونها العنصر الوحيد المؤسس له، حيث يمكن رصد خصوصية العلاقة بين اللغة والفكر في الثقافة العربية في تشكيل بنية العقل العربي من خلال المادة اللغوية ونوع الرؤية التي تقدمها عن العالم، ومن ثم مستوى منهجية البحث العلمي وآلياته الذهنية. إذ يرى أن العقل العربي كنتاج للثقافة العربية الإسلامية تشكل على ثقافة تأسست على ثلاثة نظم معرفية هي: نظام معرفي لغوي الأصل أو بياني معتمد على اللغة، ونظام معرفي غنوصي فارسي الأصل، ونظام معرفي عقلاني يوناني الأصل انتقل إلى الدائرة الثقافية العربية مع حركة الترجمة أيام المأمون. ورصد الجابري هذه النظم المعرفية الثلاثة حيث عاشت منذ بداية تشكلها في الوعي الثقافي الشعبي في التاريخ العربي في حالة من التمايز والتصادم بما قاد لما وصفه بـ 'استقالة العقل العربي' في الثقافة العربية والإسلامية، فكل من هذه النظم له رؤية خاصة يقدمه للعالم ويوظف مفاهيم وآليات مختلفة في إعادة إنتاج المعرفة والثقافة.

وقد تطرق إليها الجابري في نقده للعقل العربي على النحو التالي. فالنظام البياني كان يؤسس الحقل المعرفي في فترة تكون ونشأة الدولة الإسلامية والخلافة الراشدة والدولة الأموية، حيث يؤسس هذا الحقل المعرفي لمفاهيم ومنهجية تعتمد على العلوم الإسلامية من نحو ولغة وفقه وعلم الكلام والبلاغة، بإطار يعتمد قياس الغائب على الشاهد والفرع على الأصل. وهو نظام يكرس رؤية للعالم تعتمد الانفصال واللاسببية، بمعنى النقل والتلقي دون إعمال العقل في مسائل مسلمة ونقلية لا عقلية. أما النظام العرفاني فقد انتقل إلى الدائرة العربية من الموروث الثقافي لما قبل الإسلام، في فترة أوائل العصر العباسي بسيادة الفكر الشيعي والفلسفة الاسماعيلية والتصوف والتيارات الإشراقية وعلوم الكيمياء والتنجيم والسحر والطلاسم وغيرها. وقوام هذا النظام المعرفي أنه يكرس رؤية خاصة للعالم تعتمد المشاركة والاتصال والتعاطف، ومنهجه في إنتاج المعرفة يقوم على الاتصال الروحاني المباشر بالموضوع والاندماج فيه في وحدة كلية. أما النظام المعرفي الثالث وهو البرهاني فقد دخل للثقافة العربية الإسلامية مع حركة الترجمة في عصر المأمون، وهو يؤسس للعلوم والفلسفة المنطقية اليونانية كما صاغها أرسطو.

وهذا النظام يقوم على رؤية للعالم تعتمد الترابط السببي ويكرس منهجية في إنتاج المعرفة قوامها الانتقال من مقدمات منطقية عقلية وصولا إلى نتائج تربط السبب بالمسبب ترابطا منطقيا. وفي إطار تتبع حالة التشظي والتمايز والصراع بين هذه النظم المعرفية الثلاثة في الثقافة والوعي الجمعي العربي الإسلامي تاريخيا، يشير الجابري إلى قيام بنية عقلية مفتوحة مطاطة أخذت تفقد رقابتها الذاتية تدريجيا مما جعلها في نهاية المطاف تتسع لكل التصورات والرؤى اللاعقلية وتمنحها تبريرها بتأويل الجانب الغيبي في الدين تأويلا سحريا بإنكار السببية بقلب الطبائع والإتيان بالخوارق. وهذا كان نتاجا لتصادم كرسه الصراع السياسي تاريخيا بين الشيعة التي تعتمد النظام العرفاني، وبين أهل السنة من معتزلة وأشاعرة وسواهم ممن يعتمد النظام البياني التلقيني مع مسحة من النظام البرهاني أحيانا. كل ذلك تبلور مع بعض عمليات التوفيق بين الفلسفة والدين أحيانا، لكن الصراع المتناقض قاد لانتصار العقل الغنوصي العرفاني لا كنظام معرفي مؤسس لأيديولوجيا سياسية أو دينية معينة بل كبديل لكل منهجية أو نظام يريد تبرير سياسية ما أو تكريس واقع سياسي معين بإحلال التصوف السني الذي نقل خطاب اللاعقل إلى أبعد من مجال البيان والبرهان إلى حيز العامة والجمهور حيث التلقي والتسليم دون مساءلة، وحيث مملكة الجمهور الأمي الواسع بما أنتج من الروابط الصوفية ونظام المشايخ والطرق، وهي الأطر الاجتماعية الثقافية السياسية التي يسري فيها ويتدفق من حولها اللامعقول بلباسه الديني لتحويل العامة إلى قوة مادية تقف أمام كل محاولات النهضة العقلية أو الحركات الإصلاحية. كل ذلك قاد بحسب أطروحة الجابري، إلى استقالة العقل العربي بنظامي المعرفة البياني والبرهاني، وسيطرة النظام العرفاني الغنوصي. وعلى الرغم من هذه الأطروحة غير المسبوقة والتحليل التاريخي لبنية العقل العربي، إلا أن الجابري مال لمقاربة أساسية يرى فيها المشرق العربي 'مشرقا بيانيا وعرفانيا' مقابل المغرب العربي 'البرهاني' ـ وهو ما أثار حفيظة الكثير من معارضي فكره وأطروحاته.

ومن الأطروحات الأساسية التي قدمها الجابري في كتاباته، مفهوم 'خصوصية الثقافة'، حيث يعتقد بقاعدة عرفية تتحدد بمرسومها الجنسية الثقافية للمفكر، بما ينسبه لثقافة ما حين يفكر داخلها فقط. بمعنى أن المفكر لا يفكر في قضاياها فحسب، بل يفكر 'بواسطتها'، وهذا يعني ضرورة التفكير من خلال 'منظومة' مرجعية تتشكل إحداثياتها الأساسية من مكونات هذه الثقافة، وفي مقدمة ذلك كله الموروث الثقافي والمنظومة والمحيط الاجتماعي. ولتتبع نقطة تشكل الفكر والعقل العربي عمد إلى ربط تشكل الفكر العربي وبنيته مع العصر الجاهلي، ولكن ليس العصر الجاهلي كما عاشه عرب ما قبل البعثة المحمدية، بل العصر الجاهلي كما عاشه في وعيهم عرب ما بعد البعثة، بمعنى العصر الجاهلي كزمن ثقافي تمت إعادة قراءته وترتيبه وتنظيمه في عصر التدوين الذي، كما يراه الجابري، يفرض نفسه تاريخيا كإطار مرجعي لما قبله وما بعده. فأهمية عصر التدوين تكمن في التوجيه الفكري، حيث نقل الفكر العربي من الأسلوب الخطابي إلى الإنشائي، وبحيث تبلورت بشكل أكبر العلاقة اللصيقة بين الفكر واللغة لضرورة اتباع منهج واضح في الكتابة يلتزم بالقواعد اللغوية بخلاف ما يتيحه الأسلوب الخطابي. ولم تنحصر عملية التدوين في حفظ الموروث الثقافي العربي الإسلامي من الضياع، وإنما كانت عملية إعادة قراءة على مستوى الدولة وبتشجيع منها، للموروث الثقافي كإطار مرجعي لنظرة العقلية العربية لما يحيط بها من بيئات ثقافية واجتماعية وتاريخية وكونية. كما أن عصر التدوين كان مؤسسا لإطار تصوري للماضي العربي وماضي الحضارات المحيطة الأخرى بما يرسخ آلية في تفاعل العقل العربي مع الموروث من القديم بآلية استنتاجية واستقرائية تعيد قراءة الماضي وبتفاعل إيجابي مع مفاهيم العصر. فحركة التدوين والترجمة تطورت لاحقا، بعد هضم المترجمات إلى أطر ثقافية حضارية لإنتاج المعرفة والحضارة.

وفي مقاربته لتحليل بنية العقل العربي، اعتمد الجابري أطروحات فلاسفة علم الألسنيات بربط الفكر باللغة ربطا لصيقا، وأن اللغة ليست مجرد أداة للفكر بل هي القالب الذي يتشكل به الفكر، حيث ربط بين اللغة والفكر وعلاقتهما وبين خصائص اللغة والأمة التي تتكلمها، وبأن كل أمة تتكلم كما تفكر وتفكر كما تتكلم. فاللغة ليست أداة فقط، أو محتوى فقط، لكنها الوعاء المحكم الذي يحوي المعرفة ويقولبها بقالبه. فاللغة تؤثر في رؤية المجتمع للعالم وبالتالي في طريقة تفكيرهم. فبالإضافة إلى قدرة اللغة على تحديد قدرة المجتمع على الكلام تحدد هي أيضا قدرته على التفكير. ولذلك فهي ترسم حدود المعرفة، فلها نظام دلالات محيطة خاصة بها يتجاوز المعاني المباشرة للكلمات وتعبيراتها ليمتد ليشمل تراكمات التجارب المجتمعية والحياتية والبيئية وسواها بما تحتمله من خطأ وصواب، وهذا ينعكس بمرور الزمن على مرونة اللغة أو جمود التجربة الاجتماعية وتحدد العلاقة بين اللغة والفكر بدرجة كبيرة، فإذا ضاق الفكر ضاقت اللغة والعكس بالعكس.

ومن هنا فقد تتبع علاقة الفكر العربي وثيقة الارتباط باللغة العربية، التي انحصر بعالم الأعراب الذين كانوا منعزلين في البادية ولم يختلطوا بالمدن أو الحضر، بما جعل اللغة العربية لا تخرج عن دائرة حياة الأعراب أو 'خشونة البداوة'. ومن هنا رصد الجابري نقاطا مهمة في 'الآلية' التي تمت بها عملية جمع اللغة العربية، أو 'صناعتها'، في عصر التدوين على أيدي الخليل بن أحمد الفراهيدي (100 ـ 170 هجرية) من خلال كتابه 'العين' الذي أسس لعلم العروض بمنهجية جمعت شتات اللغة، وما استتبعها من الرؤية الخاصة التي تقدمها اللغة العربية لأهلها عبر التاريخ حتى اليوم. فمنهجية الخليل انطلقت من أسس رياضية تعتمد أصل الكلمات المجردة المكونة من ثمانية وعشرين حرفا والتي تتكون منها الكلمات إما ثنائية أو ثلاثية أو رباعية أو خماسية فقط، وإهمال المزيد منها برده للمجرّد. وبمنهجيته الرياضية استطاع أن ينظم أصول الكلمات مسقطا ما لا معنى له أو لم يكن متداولا بين العرب 'الأقحاح' أو الأعرابي الذي لم تخالطه شوائب المدنية. لكن الجابري يرى في هذه المنهجية تحجيما وقولبة للغة بما فرض عليها تحجرا منذئذ إلى الوقت الحاضر، بحيث غدت اللغة العربية لا تعبر عن واقع فكري بل عن معطى فرضي نظري، بما فرض آلية لالتماس سند واقعي لمعطى نظري وليس العكس. كذلك يرى أن هناك خللا في آلية قبول اللغة من الأعرابي البسيط الذي قدّم تصوره البدائي لعالم الصحراء بما 'أتخم' مصطلحات اللغة العربية بمئات الأسماء المترادفة كمتراكمات تحوي فائضا هائلا من الألفاظ 'البدوية' التي تصف عالم الصحراء دون عالم الحضر، ناهيك عن وقائع تاريخية خلافية تشكك في روايات الأعراب واندفاع بعضهم للكذب واختلاق أسماء وهمية كونهم أصبحوا مرجعا في تشكيل اللغة العربية بمنهجية الخليل.

ومن هنا استتبع ذلك أن معجم لسان العرب، بالثمانين ألف مادة لغوية التي يضمها، إنما هو 'مدوّنة' أعرابي الصحراء التي تصف عالما رتيبا كل شيء فيه 'ينطق' و' يسمع' لا ينقل حتى أسماء الأدوات أو العلاقات التي عرفها مجتمعا مكة والمدينة أو مجتمعات دمشق وبغداد والقاهرة الحضرية. فالمفاهيم والمصطلحات الفلسفية العلمية التي استجدت منذ عصر التدوين إلى عصر ابن منظور صاحب لسان العرب، أضخم قاموس موسوعي في اللغة العربية، لا تخرج مادته عن حياة ونظرة الأعراب للعالم من حولهم. فبحسب مراجعة تاريخية لتطور اللغة العربية ونشأتها في إطار عالم الأعرابي البدوي، يرى الجابري في نقده للعقل العربي، أنه عقل يأبى أن يخرج بإطاره المرجعي للغة العربية عن تلك اللغة التي جمعها وصنّفها الخليل بن أحمد الفراهيدي وتابعيه من ذات الفترة، أما التطورات اللاحقة فيتم اعتبارها 'دخيلة' على لغة 'الأعراب الأقحاح' بما يتوجب تركه وإهماله! وهذا قاد طبيعيا لجمود اللغة العربية، وإلى نشوء 'لهجات عامية' أصبحت بمرور الوقت أكثر غنى واستعمالا من اللغة العربية الفصيحة.

مما قاد، بحسب أطروحة الجابري، لمعضلة رئيسية في الفكر العربي ووعي المثقف والإنسان العربي وعقليته وفكره، فالعالم المحيط به يزخر بأشياء بات غير قادر عن التعبير عنها من خلال اللغة العربية الفصيحة، التي هي بآلياتها الداخلية تتوافر فيها مقومات الكتابة والتفكير ودرجات عالية من الرقي البنيوي. وفي ذات الوقت تتبلور الإشكالية في بعد أكثر خطورة باستعمال اللغة العامية، والتي لا يستطيع أن يتعامل بها فكريا، لعدم احتوائها على الأدوات والآليات الضرورية للتفكير، لكونها ليست لغة ثقافة أو فكر. وبالنتيجة فالمثقف العربي أصبح يعيش تناقض اللغة الفصيحة كمثال واللغة العامية كواقع مستعمل. والصورة تتعقد أكثر في حالتي الأمي العربي والمثقف العربي 'المستغرب'. فالأول، وهو الأغلبية، حبيس 'عامّيته' إذ هو يتعامل مع أشياء لا يسمّيها، وإذا فعل يستعمل لها أسماء أجنبية 'مكسّرة' مما يترك أثرا عميقا في فكره وبنية عقله الفكرية. أما الثاني الذي يمارس أكثر من لغة منها لغات أجنبية فيعيش تناقض عوالم لغوية مختلفة، حيث يفكر بلغة أجنبية ويكتب بلغة أو لغتين ـ عربية فصيحة وأخرى أجنبية ـ ويتحدث في البيت والشارع والجامعة بلغة ثالثة عامّية!

شهرة الجابري في منتصف الثمانينيات ومطلع التسعينيات نبعت من مشروعه الرائد لقراءة التراث، قراءة عصرية، وتقديمه للآليات الفكرية لذلك ـ فضلا عن تعريفه وتعريته للقراءات 'الرجعية' للتراث ـ كالقراءة التراثية للتراث والقراءة التراثية للعصر. وكانت الأسس التي قدمها بمثابة منهجية للعديد من الباحثين المهتمين بمسائل التراث والحداثة في مختلف صنوف الخطاب الفكري العربي ـ وكان لها أثر خاص على كاتب هذه السطور بما نحى بأطروحة ماجستير في العمارة مع مطلع التسعينيات منحى خاصا غير مسبوق، وبخاصة مع تنامي البحث في التراث كمشروع نهضة فكرية عربية ضمن إشكالية الأصالة والمعاصرة. وقد قدم الجابري مجموعة من الكتب التي اجتاحت العالم العربي برمته، مثل نقد العقل العربي والعقل السياسي العربي والعقل الأخلاقي العربي (2001) وانخرط في مشروع تفسير القرآن ومسألة الديمقراطية التي تحمس لها ورأى أنها بجانب العقلانية تقفان ندا قويا وبديلا للعلمانية. يرحل الجابري، ولكن يبقى فكره خالدا ويبقى الباب مفتوحا للبحث ودراسة موروثه الفكري والفلسفي في مشروع التراث ونقد العقل العربي أكثر من ذي قبل!

معماري وأكاديمي ـ  لندن

sayedw03@yahoo.co.uk