سؤال القطيعة في «بنية العقل العربي» لمحمد عابد الجابري

محمد الدوهو

إلى ذكرى محمد عابد الجابري

 

"حيثما تكون هناك سلطة تكون هناك مقاومة، ومن ثمة فإن هذه ليست أبدا في موقع خارجي بالنسبة للسلطة..."

ميشال فوكو: "أين السلطة"، ضمن "الفلسفة الحديثة. نصوص مختارة". اختيار وترجمة ذ/محمد سبيلا وذ/عبدالسلام بنعبدالعالي. إفريقيا الشرق،2001. ص319.

 

هناك رأي يقول إن السلطة هي السلطة في كل زمان ومكان، ولكي تستمر لابد أن تنتج معرفة حول الأفراد الذين يخضعون لتوجيهاتها وسيطرتها في الزمان والمكان. فلا معرفة دون سلطة ولا سلطة دون معرفة، كما يرى ميشال فوكو(1)، لأن هذه الأخيرة تملي على الأحياء ما يتعين ويتوجب التفكير فيه و ما لا يتعين ولا يجب التفكير فيه.

هذه مسألة من الأهمية بمكان لكل باحث يسعى إلى الحفر والنبش في العلاقة القائمة بين السلطة والمعرفة في الصيرورة التاريخية لثقافة ما، لأن المسألة هنا ترتبط بالبنية العميقة للثقافة وتوليفاتها. فكل ثقافة تملي على من يعيش داخلها، في إطار هذا الترابط القائم بين الفرد والجماعة، نمطا من التفكير أو لا شعورا ثقافيا يتيح له إمكانيات من التفكير لا يستطيع تجاوزها في إطار العقد الاجتماعي المبني على المصالح. فكل فرد ينكتب داخل ابيستيمي هو نتاج لفرديته والمجتمع الذي ينكتب داخله ومن ثم تطرح أمام الفرد اللجوء إلى إمكانيات محدودة في تواصله مع المجتمع.(2)

بطبيعة الحال، للمسألة هنا ارتباط بما يمكن تسميته مع فوكو ميكروفيزياء السلطة، إنها هذا الحاضر الغائب المتوغل في كل مناحي الحياة وكافة المؤسسات إنها تتمظهر وتتجلى في سلطتها الثقافية والتي تجعل من الابستيمي مركز سلطتها المعرفية، بحكم أنه هو الذي تتمرأى فيه سلطة الثقافة وتنتج وتعيد إنتاج نفسها. إنها أي المعرفة تتحول إلى سلطة تقوم على التمثُّل (Représentation) والمسرحة(théâtralisation)  بحكم أنها، أي السلطة، تقوم على مسرحة خطاب يتعين على المسيطَر عليهم أن يمثلوا الدور الذي يتوجب عليهم لعبه.(3).

يجرنا الحديث عن مسألة إعادة الإنتاج إلى فكرة أساسية ونحن نلج مشروع الدكتور محمد عابد الجابري "بنية العقل العربي". كتب الكثير عن بينة العقل العربي، لكن ما لم  ينتبه إليه هو أن مشروع الجابري يطرح براديكم (Paradigme) نقدي جديد في تاريخ الثقافة العربية (4)، والمهم هو أن ننطلق من حيث انتهى الجابري، لأن مشروعه ينفتح على عدة أسئلة منها "باراديكم" القطيعة في تاريخ الثقافة العربية. التفكير مزدوج في هذه الحال، من حيث المنهج. كيف يسعى الجابري إلى التنظير للقطيعة من داخل الثقافة وسلطتها المعرفية والسياسية والأخلاقية، ثم، وهذا هو الأهم، إنه وبعد حفرياته في بنية العقل العربي على كافة المستويات الثلاثة يسعى إلى تبيان تجليات هذه القطيعة داخل الثقافة العربية؟

إذا ما أردنا أن نقرأ العقل العربي، في خطاب الجابري، من حيث السلط التي تحكمت في إنتاجه وإعادة إنتاجه، وجدنا بنيته ثلاثية الأبعاد تتكون من لاشعور معرفي ولاشعور سياسي ولاشعور قيمي. كل بينة من هذه البنيات الثلاث المشكلة للعقل العربي تتضمن بنيات. أما البنية المعرفية فتتكون من ثلاثة أنظمة معرفية: نظام البيان ونظام العرفان ونظام البرهان. ولكل نظام من هذه الأنظمة الثلاثة قوانين معرفية تضبطه. أما البنية السياسية للعقل العربي فهي بدورها كبنية تتكون من ثلاثة مكونات ظلت تحرك في الخفاء تفكير العرب السياسي: وهذه المكونات هي "العقيدة، والقبيلة والغنيمة. ثلاث بنيات سياسية لاشعورية، تتداخل فيما بينها لتشكل اللاشعور السياسي الذي ظل يؤثث المخيال السياسي للعرب. أما البنية الأخلاقية للعقل العربي فقد ظلت محكومة هي الأخرى بهذا اللاشعور الأخلاقي الذي كرسه مفهوم الواحد أو ما يسميه الجابري "الملك الغضوض".

حاصل القول إذن أن حفريات الدكتور الجابري تسعى إلى تدشين القطيعة داخل الاستمرارية. وينبهنا ميشال فوكو بهذا الصدد قائلا: "ينبغي تفتيت كل ما ينتج لعبة الاستمرارية والألفة المغرية... إن التاريخ سيصبح فعليا وحقيقيا إذا ما أدخل مفهوم الانقطاع داخل كينونتنا بالذات... ذلك أن المعرفة لم تخلق للفهم، وإنما للحسم والقطع."(5).

لكل خطاب مقصدية. ومقصدية الخطاب، عند الجابري، تتمثل في كون العقل العربي ظلت به سلطة المعرفي والسياسي والأخلاقي تتحكم، ليس فقط في الزمن الثقافي العربي، ولكن أيضا في الزمن السياسي والأخلاقي. يكفي أن نضيف مفهومي السياسي والأخلاقي إلى قول الجابري، لتتضح الصورة. يقول: "والحق أن التاريخ الثقافي (والسياسي والأخلاقي) العربي السائد الآن هو مجرد اجترار وتكرار وإعادة إنتاج بشكل رديء لنفس التاريخ الثقافي (والسياسي والأخلاقي) الذي كتبه الأجداد تحت ضغط  صراعات العصور التي  عاشوا فيها."(6).

إذا ما أردنا أن نقرأ القطيعة على ضوء مفهوم الاستمرارية في صيرورة العقل العربي، أمكننا القول إن تاريخ الثقافة العربية ظل في صيرورته محكوما بميتافيزيقا المركز. والمركز في هذه الحال هو الأنظمة التي اكتشفها الجابري. وبعبارة أوضح، إن الحديث عن بينة العقل العربي حديث عن مركز–سلطة ظل في صيرورة الثقافة العربية يتخذ عدة تمظهرات واستعارات. وكما ينبهنا إلى ذلك جاك دريدا، فإن المركز هو دائما لا-مركز (7)، إن حقيقته كحقيقة تجد مضادها المعرفي في الجانب الآخر من الصورة والذي لم تسمح السلطة بالتفكير فيه. إنه وبعبارة أوضح صوت الاختلاف الذي ترفض السلطة العربية الإنصات إليه بعد أن وصل خطابها على كافة المستويات الثلاثة، المعرفية والسياسية والأخلاقية، إلى حالة الإشباع Etat de saturation)). الحديث عن مرحلة الإشباع يجرنا إلى حالة التكرار. وبعبارة أوضح، إن هذه السلط الثلاث ظلت حسب الجابري تنتج وتعيد إنتاج نفسها إلى درجة الإشباع، مما يطرح مسألة حالة التحول، وذلك بالقطع معها.

لنبدأ من حيث انتهى الجابري، وأقصد "العقل الاخلاقي العربي". يرى الجابري أن العرب والمسلمين لم يحققوا النهضة المطلوبة لأنهم لم يدفنوا بعدُ في أنفسهم "أباهم". هذه مسألة وكما نعلم لها امتدادات فيما يسميه الأنتروبولجيون وعلماء الاجتماع البنية البرطرياريكية أو الأبيسية، والمقصود المجتمع الذي تهيمن فيه سلطة الأب وما ينتج عنها من علاقات معقدة على المستوى السياسي والاجتماعي(8). لكنها أيضا مسألة تحكي الجانب الآخر من المسألة الحضارية، خاصة عندما نعلم أن الكاتب والروائي الشهير دوستويفسكي حسم نهائيا مع الأب عندما قتله في تاريخ الثقافة الغربية(9).

من يكون هذا الأب في العقل السياسي العربي. إنه "الملك الغضوض" الذي دام أكثر من 1380 سنة". بطبيعة الحال لم يصمت المثقف العربي عن هيمنة هذا الواحد، بل وُجد من المثقفين العرب القدماء من أجهر بصوته في وجه الباطل. لكن لهيمنة "مبدأ طاعة السلطان من طاعة الله" هيمنة شبه مطلقة على الساحة العربية. والذين لم يأخذوا هذا المبدأ على أنه يعبر عن حقيقة ما يقرره الدين قبلوه كضرورة تدفع لحضور الفتنة. والحق، يضيف الجابري، أن الضمير الديني في الإسلام الذي هو أصلا متحرر من وزر "الخطيئة الأصلية"(خطيئة آدم)، قد حمل نفسه وزرا آخر هو وزر "الفتنة الكبرى". إن الرغبة في اتقاء الفتنة قد قرر على الدوام قبول العيش باستكانة، تحت الحكم الذي أصله فتنة، فكانت النتيجة الحكم في الإسلام وعلى الدوام قبول العيش باستكانة وهيمنة نظام سياسي يرتكز سلطويا على "وحدانية التسلط فكانت مدينتنا إلى اليوم مدينة الجبارين". ومن ثم لتحقيق النهضة لابد من إزاحة "الملك الغضوض" من مركزيته ويتعين دفنه وإلى الأبد.(10).

هذا على المستوى الأخلاقي. فماذا عن المستوى السياسي؟

كما سلف الذكر يتكون العقل السياسي العربي من لاشعور سياسي ثلاثي الأبعاد: "العقيدة"، و"القبيلة" و"الغنيمة". إنها، وكما يقول الجابري، محددات ثلاثة حكمت العقل السياسي العربي الماضي وما زالت تحكمه بصورة أو أخرى في الحاضر. لا يعني هذا أن هذه الثوابت السياسية ظلت تتجلى بشكل واضح في الخطاب السياسي العربي وعوامله السياسية (Actants politiques)، بل إنها اختفت بمجرد تعرض الدولة العربية للإصلاحات الهيكلية والسياسية التي فرضها الاستعمار على الدولة السلطانية العربية. والنتيجة "ظهور تيارات إيديولوجية ونهضوية ومعاصرة سلفية علمانية وليبرالية وقومية واشتراكية، وقامت أحزاب ونقابات وجمعيات، كما غرست (أي الحداثة) بنيات تنتمي إلى الاقتصاد الحديث فتعرضت المحددات الثلاثة (القبيلة، والغنيمة والعقيدة) إلى نوع من القمع والإبعاد وأصبحت تشكل المكبوت الاجتماعي أو السياسي." كان الطموح النهضوي العربي كبيرا، يرمي أساسا إلى تجاوز تلك المحددات الموروثة وإقرار محددات جديدة عصرية، لكن العرب لم يستطيعوا تجاوزها وإقبارها بشكل حاسم ونهائي، نتيجة لأسباب وعوامل كثيرة منها الاختراق الإمبريالي للدولة العربية، أضف إلى ذلك الهزائم، خاصة هزيمة 1967، وفشل الدول العربية في تعميق أسس الدولة الوطنية المبنية على المصلحة والمنفعة العامة وتعميق ما يمكن تسميته بدولة الرعاية.. والنتيجة، كما يرى الجابري نكسات وإحباطات وهزائم، مما فتح الباب على مصراعيه لعودة المكبوت والمتمثل في "ظهور وطغيان مفعول المحددات الثلاثة المذكورة بعد أن كاد العرب يعتقدون أنهم تخلصوا منها والى الأبد. وهكذا "عادت العشائرية والطائفية والتطرف الديني والعقدي لتسود الساحة العربية بصورة لم يتوقعها أحد من قبل. لقد عاد المكبوت ليجعل حاضرنا مشابها لماضينا ويجعل عصرنا الإيديولوجي النهضوي والقومي وكأنه حلقة استثنائية في سلسلة تاريخنا فأصبحت القبيلة محركا للسياسة، و"الريع" اقتصادا عندنا وأصبحت العقيدة تبريرية وإما "خارجية" (نسبة إلى الخوارج) (11).

وبما أن العرب مدعوون إلى القطع مع هذا المكبوت السياسي وبدء عصر سياسي عربي جديد، فإن تجاوز التفكير القبلي يمر أولا عبر تحويل القبيلة إلى لاقبيلة، أي تحويلها إلى تنظيم مدني وسياسي واجتماعي وأحزاب ونقابات وجمعيات حرة، مؤسسات دستورية وأيضا إلى دولة حق وقانون تحد من سلطات الحاكم.

ثانيا:   تحويل الغنيمة إلى اقتصاد ضريبي، أي تحويله من اقتصاد ريعي إلى اقتصاد إنتاجي.

ثالثا:  تحويل العقيدة إلى مجرد رأي، "بدلا من التفكير المذهبي الطائفي المتعصب الذي يدعي امتلاك الحقيقة يجب فتح المجال لحرية التفكير لحرية المغايرة والاختلاف وبالتالي التحرر من سلطة الجماعة المغلقة دينية كانت أو حزبية أو إثنية. إن تحويل العقيدة إلى رأي معناه التحرر من سلطة عقل الطائفة والعقل الدوغمائي دينيا كان أو علمانيا وبالتالي التعامل بعقل اجتهادي".(12).

نصل الآن إلى جوهر المسألة والتي أسالت الكثير من المداد، والمقصود النظام المعرفي في الثقافة العربية، كما تناوله الجابري، بحكم أنه يجسد المستوى الأسمى للقطيعة المُجهَضة في تاريخ الثقافة العربية. ودون الدخول في تفاصيل التحليل البنيوي العميق الذي قدمه محمد عابد الجابري للأنظمة العربية الثلاثة التي تحكمت في تفكير المثقف البياني والمثقف العرفاني والمثقف البرهاني (13)، يمكن القول إن تحليل نظم المعرفة العربية، خاصة الجزء الثاني، جاء كنتيجة منطقية في الحفر العميق وإعادة التفكير في ما طرحه كتاب "نحن والثراث"(14). قد يعود هذا إلى إقحام مفهوم له أهميته في ميدان تاريخ الأفكار وحفريات المعرفة ،والمقصود المفهوم الإبيستيمي كما صاغه ميشال فوكو. وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أن مشروع الجابري جاء بعد سنوات طوال من البحث والحفر في نصوص الفسلفة في الثقافة العربية. لا نريد في هذا الإطار الخوض في ما يطرحه مشروع الجابري في تحليله لنصوص الأنظمة المعرفية الثلاثة. ما يهمنا هو كيف يكتمل على المستوى المعرفي، إلى جانب المستوى السياسي والأخلاقي، سؤال القطيعة في مشروع الجابري.

لندع الجابري يتكلم في مقطع طويل نسبيا، يلخص تاريخيا وفلسفيا ما نطمح إلى تبيانه في هذا الإطار. يقول: "إن انصرافنا إلى الجانب الإبستمولوجي وحده، إلى البنية الداخلية للثقافة العربية جعلنا نتبين طبيعة الحركة داخل هذه الثقافة" ولأن الحركة داخل الثقافة العربية هي أقرب أن تكون حركة "اعتماد" منها إلى حركة "نقلة" وذلك بناء على كون العلوم العربية الإسلامية، اللغوية والدينية قد ولدت كاملة في عصر التدوين لم وتضف إليها العصور اللاحقة أي جديد يستحق الذكر"، وعليه يضيف الجابري قائلا: "وبناء أيضا على أن خشبة المسرح الثقافي العربي "الخالدة" ما زالت تضم شخصيات من مختلف العصور وأن الجمهور العربي "المثقف" لا يشعر بأية مسافة زمنية تفصل هذه الشخصيات بعضها عن بعض أو تفصله هو عنها... وباسثتناء التجربة الأندلسية التي كانت مذهلة حقا لطرق آفاق جديدة بسبب ما حققته من "قطيعة" مع علم الكلام واشتقاقاته ومع الفلسفة السينوية وميولاتها الإشراقية وأيضا مع المذاهب الفقهية وقياساتها، باسثثتناء هذه التجربة التي سرعان ما اختفت فلم يتردد لها أي صدى داخل الثقافة العربية، فإن الزمن الثقافي العربي، إذا ما نظرنا إليه ككل أي من خلال مظهر العام فيه قد ظل هو هو  منذ عصر التدوين، يجتر نفسه ويتوج في ذات اللحظات حتى انتهى به الأمر إلى الركود والجمود على التقليد في كافة الميادين"(15). واضح إذن أن الجابري يتكلم عن قطيعة مُجهَضة في تاريخ الثقافة العربية. إنها تجربة ابن رشد وابن خلدون وهي تجربة تجد لها امتدادات معرفية في الفكر الظاهري لابن حزم الأندلسي.

متى بدأت هذه الأزمة والتي يسميها الجابري بأزمة الأسس؟ ابتدأت في القرن الخامس للهجرة مع حجة الإسلام أبو حامد الغزالي، والذي تكرس معه معرفيا وإيديلوجيا ما يسميه الجابري "التداخل التلفيقي" ويقصد به "التداخل بين بنيات لا بنيات مستقلة بنفسها محصنة بقدرتها على استعادة توازنها الذاتي، كلما دعت الحاجة إلى ذلك، بل بوصفها بنيات فقدت هذه القدرة وصارت مفككة أو قابلة للتفكك عند أي محاولة."(16). وقد انعكست هذه النزعة في فكر الغزالي، في شكل أزمة روحية وتاريخية انعكست في خطاب أبي حامد الغزالي. والواقع أن الغزالي "أصبح عبارة عن ظاهرة فكرية وعبارة عن "ملتقى طرق" انتهت إليه النظم المعرفية الثلاثة فالتقت عنده التقاء بنيويا، صداميا وكانت نتيجة هذا اللقاء على صعيد الغزالي كفكر وكعقل هي الأزمة الروحية التي عانى منها، أزمة الشك اللاإرادي وليس المنهجي، وكانت نتيجته على صعيد الغزالي كإنتاج فكري هي ذلك التداخل "التلفيقي... وباختصار شديد حصلت ابتداء من الغزالي تداخلات بين الحقول المعرفية الثلاثة البيان والعرفان والبرهان وكان البرهان هو الضحية."(17). لقد أدت النزعة التلفيقية بالعقل العربي إلى أن أصبح محكوما بسلطات النظم المعرفية الثلاثة "لا بوصفها نظما معرفية مستقلة، بل بوصفها نظما مفككة تداخلت سلطاتها المعرفية وأصبحت تشكل ما يمكن أن يطلق عليه اسم البنية المحصلة"(18).

أين تتجلى القطيعة المجهضة في خطاب الجابري؟ إنها تتجلى في المشروع الثقافي الذي طرحته المدرسة الأندلسية كبديل ثقافي، مع كل من ابن حزم، وابن رشد، والشاطبي وابن خلدون، الذين ينتمون  إلى"مشروع  فكري واحد قوامه تأسيس البيان على البرهان". وهو المشروع الذي سجل ابن حزم  بطرحه لحظة  جديدة  في تاريخ الثقافة العربية الإسلامية، اللحظة التي بدأت تعطي ثمارها مع ابن رشد ثم مع الشاطبي وابن خلدون"(19). لكنه  "فشل" في ضمان  استمراريته في الصيرورة المعرفية للعقل العربي. قد يختلف هؤلاء المثقفون حول ما يقررونه من وجهات نظر في هذه المسألة أو تلك، فهذا لا يهم. إن ما يهم، يضيف الجابري، "هو طريقة التفكير  والمفاهيم الموظفة وكيفية توظيفها، إن ما ينشد العرب اليوم من تحديث للعقل العربي وتجديد للفكر الإسلامي لا يتوقف فقط على استيعاب المنجز العلمي والمنهجي الكوني، ولكن هذا التحديث  يتوقف على مدى قدرة العرب على استعادة نقدية ابن حزم وعقلانية ابن رشد وأصولية الشاطبي وتاريخية ابن خلدون."(20).

بدأت مع هؤلاء المثقفين الأربعة مرحلة إعادة التأسيس لمفاهيم العقل العربي، والتفكير في الممكن الثقافي المغيب في العلاقة القائمة بين المثقف والسلطة العرفية. ويعبر الجابري عن ذلك قائلا: ".. ما نعنيه بعبارة "تأسيس البيان على البرهان" التي جعلناها عنوانا لذلك الاتجاه الفكري التجديدي، العقلاني النقدي، الذي عرفته الثقافة العربية الإسلامية في الأندلس والمغرب، ابتداء من ابن حزم وانتهاء بابن خلدون أن الأمر يتعلق فعلا بلحظة جديدة تماما في تاريخ الفكر العربي لحظة تميزت بنقد الأساس الإبستملوجي الذي قام عليه الحقل المعرفي البياني منذ عصر التدوين واقتراح أساس جديد توظف فيه المفاهيم الإبستملوجية المؤسسة لعلم عصرهم، مفاهيم البرهان كمنطق وطبيعيات بصورة خاصة، توظيفا يرتفع بالممارسة النظرية في الحقل البياني إلى مستوى الممارسة العلمية البرهانية"(21). لكن الرياح تجري بما لا تشتهيه طموحات المدرسة الأندلسية، إذ ظل هذا الاتجاه التجديدي يقاوم، لمدة ثلاثة قرون، تيار "التداخل التلفيقي" المكرس للتقليد في عالم البيان وللظلامية في عالم العرفان وللشكلية في عالم البرهان. إن هذا الاتجاه النقدي، يضيف الجابري بقي يتيما في عصره. "لقد كان بمثابة لهيب الشمعة التي يتوهج لحظة انطفائها. إن رياح التاريخ، تاريخ العلم وتاريخ التقدم كانت قد تحولت إلى أوروبا فبقي العقل العربي محكوما بنفس السلطات التي أفرزتها عملية البناء الثقافي العام، التي شهدها عصر التدوين والتي كرستها "بنية محصلة" عملية التداخل التلفيقي التي دشنها الغزالي واكتملت مع الرازي وما زال مفعولها قائما إلى اليوم"(22).

لا مجال للتذكير أن الجابري يعي طبيعة الإشكال على مستوى الزمان وتحديدا الزمان الثقافي العربي. فللمسألة هنا علاقة بإشكال آخر أثاره الجابري، في الجزء الأول من مشروع نقد العقل العربي، ويتعلق الأمر بزمن اللغة العربية. فالمثقف العربي سواء كان بيانيا أو عرفانيا أو برهانيا، كان يفكر بواسطة وداخل لغة قننت خصائصها البنيوية على مستوى كلماتها ونحوها وتركيبها منذ عصر التدوين، إنها لغة الأعرابي صانع العالم. وباستثناء المثقف البرهاني-الفيلسوف- الذي "فرض" على اللغة العربية لغة أرسطو، فإن اللغة العربية "ربما كانت اللغة الحية الوحيدة في العالم التي ظلت هي هي في كلماتها ونحوها وتراكيبها منذ أربعة عشرة قرنا على الأقل. إذا ما وعينا ذلك، يضيف الجابري، "أدركنا مدى ما يمكن أن يكون من تأثير لهذه اللغة على العقل العربي ونظرته إلى الأشياء، تلك النظرة التي لابد أن تتأثر قليلا أو كثيرا، بالنظرة التي تجرها معها اللغة العربية منذ تدوينها أي منذ عصر التدوين"(23).

إذا ما نحن سلمنا بسلطة اللغة العربية على العقل العربي، أمكننا أن نفهم مضمون ما يسميه الجابري بالسلط الثلاث التي مارست قوتها الإبستملوجية على العقل العربي: سلطة اللفظ، سلطة الأصل، سلطة التجويز. ويلخص الجابري مضمون هذه السلط قائلا: "إن العقل العربي عقل يتعامل مع الألفاظ أكثر مما يتعامل مع المفاهيم، ولا يفكر إلا انطلاقا من أصل وانتهاء إليه أو يتوجه منه، الأصل الذي  يحمل معه سلطة السلف إما في لفظه أو في معناه، وإن آليته، آلية هذا العقل في تحصيل المعرفة، ولا نقول إنتاجها-(هي المقاربة أو القياس البياني) والمماثلة (أو القياس العرفاني) وإنه في كل ذلك يعتمد التجويز كمبدأ كقانون عام يؤسس منهجه في التفكير ورؤيته للعالم"(24). أما التجويز فيقوم على أن "لا مكان للسببية بمعنى الاقتران الضروري بين السبب والمسبب، إذ هو يقتضي أن أي تأثير لا بد أن يكون صادرا عن فاعل حر قادر يفعل ما شاء وبالصورة التي يشاء"(25). ما علاقة هذه السلط الثلاثة بالحاضر، حاضر الثقافة العربية ولاشعورها المعرفي؟ الجواب هو أنها ما زالت مستمرة تؤثث مخيال العرب الثقافي. إنها ما زالت حاضرة في قطاعات ثقافتنا وفروعها المختلفة.(26). كيف يمكن القطع معها؟ البديل الثقافي الوحيد يتمثل في الانتظام الواعي في فكر ابن حزم والشاطبي من أجل ممارسة التجديد في التراث الفقهي، وفي إطار معارك جادة  تفتح المجال لزعزعة تلك السلط الثلاث سلطة اللفظ وسلطة السلف وسلطة القياس، من الميدان الذي نشأت فيه وهو ميدان الشريعة، والمطلوب  هو تأسيس ابستملوجيا فقهية تشكل من أوائل العلوم العربية الإسلامية الأولى في علم أصول الفقه. وتبقى سلطة التجويز من أخطر وأصعب السلط لأنها ترتبط بالعقيدة. والبديل المعرفي الإبستملوجي للقطع مع  التصور الذي كرسته العقيدة الجبرية، التي تكرست مع الأمويين والفكر الأشعري، هو ابن رشد وابن خلدون.

يرى ابن رشد "أنه بدلا من الانطلاق في بناء الصرح النظري للعقيدة من وضع الإرادة الإلهية المطلقة كشيء يناقض إرادة الإنسان وقوانين الطبيعة"، بدلا من ذلك يرى ابن رشد، وكما يقول الجابري، أنه "ينبغي الانطلاق من النظام والترتيب اللذين في العالم بوصفهما تجليات للحكمة والعناية الإلهيتين، ودليلا عليهما وبالتالي دليلا على وجود الله ذاته. وفي هذه الحالة لن يكون هناك أي تعارض بين العقيدة الدينية وبين القول بالسببية والطبائع واطراد قوانين الطبيعة والقول بإرادة الإنسان وقدرته في ظل الشروط التي يقتضيها النظام والترتيب اللذان في العالم بما في ذلك الإنسان نفسه"(27). أما ابن خلدون فمبدأ السببية عنده أساس علم "طبائع العمران". بدل الارتكان إلى مبدإ الجبر يرى أن السببية هي محرك التاريخ بدل النزعة الجبرية التي كرستها دولة معاوية بن أبي سفيان(28).

على سبيل الختم

قد يتساءل قارئ الجابري وهل الثبات سمة جوهرية تطبع العرب وثقافتهم؟ هذا سؤال مشروع من الزاوية المنهجية والثقافية، إذا ما نحن علمنا أنها سمة تاريخية وثقافية ألصقها الاستشراق بالعرب وتاريخهم. فالاستشراق، وكما يرى إدوارد سعيد، يرى دائما إلى أن تاريخ العرب "مرادف للاستقرار والأبدية اللامتغيرة"(29). لكن الأمور ستتخذ منحى آخر، عندما نقرأ مستويات انعكاس سمة الثبات في وعي المثقف العربي كذات كاتبة ومفكرة، سواء أكان فيلسوفا روائيا، رساما، سينيمائيا... إن مطلب القطيعة أصبح مطلبا تاريخيا عند المثقف العربي، القطيعة ليس فقط مع المكرس المعرفي والسياسي والأخلاقي كما يطرحه الجابري، ولكن أيضا مع المكرس النفسي والأنتربولجي وغيرهما من الطابوهات التي تعرقل مسار التقدم العربي. لم يكن القصد من هذه القراءة التحليل الفلسفي والنقدي لما ورد في مشروع الجابري، فتلك مهمة قام بها آخرون (30). ما يهم هو أن مشروع الجابري جاء ليعمق النقاش حول "باراديكم" القطيعة، الذي أصبح القاسم المشترك بين كل المثقفين العرب، من أجل تحقيق الاستقلال التاريخي التام للذات العربية في صيرورة التاريخ الكوني.

حاصل القول، يأتي مشروع الجابري ليؤكد أن مفهوم القطيعة أصبح بمثابة البديل المعرفي الإبستملوجي والتاريخي في وعي المثقف العربي في نقده وتفكيكه لبنية الواقع العربي خاصة بعد1967 وإلى يومنا هذا، بدايات القرن الواحد والعشرين. إنها دعوة إلى اعتبار مفهوم القطيعة مفهوما يساهم في فهم نسق المثقف العربي سواء كان فيلسوفا، روائيا، مسرحيا، سياسيا... ما علينا سوى أن نبحث عن تجليات هذه القطيعة في خطاب الكاتب العربي، واعتبارها مدخلا معرفيا وتاريخيا لفهم وتفسير خطابه على كافة المستويات الكتابة فلسفة أو رواية أو مسرحا، سينيما...

 

باحث وناقد من المغرب

 

المراجع

1-   ميشال فوكو"Surveiller et punir. Naissance de la prison. Gallimard. 1975. p.p 34-36

2-A.J.Greimas. Les enjeux des contraintes sémiotiques en collaboration avec F.Rastier.

in Du sens. Ed. Seuil. 1970. p153.

3. إدوارد سعيد: الاستشراق : المعرفة، السلطة، الإنشاء. ترجمة وتقديم كمال أبو ديب. المؤسسة العربية للدراسات والنشر، ط2، 1984، ص101.

4. بالمعنى الذي يطرحه تومس س. كوهن، ويقصد ب"الباراديكم" الاكتشافات العلمية التي تحظى بإجماع كافة العلماء وتحدد لجماعة الباحثين نوعية المشاكل والحلول لفترة ما، ويرى كوهن أنه "... حينما يقترح فرد ما أو جماعة ما، لأول مرة في لحظة ما من لحظات تطور علم ما من علوم الطبيعة، تصورا شموليا، قادرا على إجماع غالبية الاختصاصيين من الجيل اللاحق... ينطوي "الباراديكم" الجديد على تعريف جديد، وأكثر دقة لمجال البحث."

للمزيد من المعلومات انظر تومس س. كوهن "بنية الانقلابات العلمية"، ترجمة سالم يفوت، دار الثقافة، ط1، 2005. ص14-15.

5-أورده فرنسوا دوس في تحليله التفصيلي لفكر ميشال فوكو، "عالم فوكو"، مجلة "المنار" ع2، فبراير-شباط، 1988، ص151.

6-د. محمد عابد الجابري، "تكوين العقل العربي"، مركز دراسات الوحدة العربية، جماعة الدراسات العربية والتاريخ والمجتمع، ط9، 2006. ص 46.

7-جاك دريدا، "الكتابة والاختلاف"، منشورات سوي، طبعة فرنسية، 1967. للمزيد من التفاصيل يراجع المقال المهم في تاريخ العلوم الإنسانية وفكر الاختلاف والمعنون ب"البنية، العلامة واللعب في خطاب العلوم الإنسانية" من ص 409 إلى ص 429.

8-أحيل في هذا الإطار إلى بوعلي ياسين، "الثالوث المحرم-دراسة في الجنس والدين والصراع الطبقي"، دار الطليعة، ط4، 1984، ص64. وأيضا هشام شرابي، "النظام الأبوي وإشكالية تخلف المجتمع العربي"، مركز دراسات الوحدة العربية،1992 .

9-دراستنا "صورة الأب بين "الإخوة كارامازوف" لفيودور دوستيوفسكي و"الخبز الحافي" لمحمد شكري صدرت بالملحق الثقافي "فكر وإبداع"، جريدة الاتحاد الاشتراكي، المغرب. السبت-الأحد 30ينيو-1يوليوز 2007. ع8598.

10-د/محمد عابد الجابري "العقل الأخلاقي العربي-دراسة تحليلية لنظم القيم في الثقافة العربية"، مركز دراسات الوحدة العربية، ط2،  2006، ص630. يكتب د-علي أومليل بهذا الصدد قائلا: "..من هنا نفهم  لماذا ارتبط تأسيس المفهوم الديمقراطي الحديث لنظام الحكم بنقد المفهوم الأبوي للسلطة، والذي قام به جون لوك (1633-1704) المؤسس الحقيقي للفكر السياسي الليبرالي الحديث، والقسم الأول من  كتابه موضوعه نقد المفهوم الأبوي للسلطة. وبحسب هذا المفهوم الأبوي للسلطة، فإن الناس قاصرون، والحاكم هو وحده الراشد. من هنا نفهم المعنى العميق لهذا التعريف الذي أعطاه كانط لروح "الأنوار" من أنها خروج الإنسان من طور الحِجر إلى طور الرشد، متحررا من كل وصاية على فكره وعلى إرادته السياسية..". انظر كتابه "السلطة الثقافية والسلطة السياسية"، مركز دراسات الوحدة العربية، ط2، 1998، انظر هامش ص128.

11- د/م.ع.الجابري: "العقل السياسي العربي، محدداته وتجلياته"، مركز دراسات الوحدة العربية، ط4، 2000، ص374.

12- نفسه، ص.374.

13- للمزيد من التفاصيل حول الأنظمة المعرفية الثلاثة التي اكتشفها الجابري يراجع الجابري 1986 من ص9 إلى ص523.

14- د-محمد عابد الجابري، "نحن والثراث –قراءات معاصرة في تراثنا الفلسفي"، المركز الثقافي العربي، ط6 ،1993.

15- د/م.ع الجابري "بنية العقل العربي-دراسة تحليلية لنظم المعرفة في الثقافة العربية"، المركز الثقافي العربي، ط1، 1986، ص562.

16- الجابري، 2006، ص334.. للمزيد من التفاصيل يراجع القسم الرابع من الكتاب المعنون ب"تفكك وإعادة تأسيس"، وهو قسم في تقديري الشخصي من أهم فصول الكتاب بحكم أن الجابري  يضع اليد وبشكل مفصل ودقيق على تجليات القطيعة التي دشنتها المدرسة الأندلسية. ص499 وما يليها.

17- الجابري، 1986، ص501.

18- الجابري، 1986، ص576.

19- الجابري، 1986، ص566.عن أهمية ابن حزم الإبستملوجية يقول الجابري: "... وبينما كان القشيري (ت465ه) يعمل من جهته على إضفاء المشروعية السنية الاشعرية على التصوف بتأكيد التزام المتصوفة بمبادئ وأصول المذهب الأشعري، وأخيرا وليس آخرا بينما كان عبد القاهر الجرجاني (ت471ه) يحلل أسرار البلاغة ودلائل الإعجاز القرآني ويشرح مكن المزية والفضيلة في المجاز والاستعارة والكناية، بينما كان هؤلاء المعاصرون لبعضهم البعض بعضا يتوجون، كل في ميدانه، البناء الثقافي العام الذي انطلق في عصر التدوين الذي كانت تفصلهم عن بداياته أزيد من ثلاثة قرون، كان هناك في الأندلس معاصرٌ آخرُ لهم يرفع صوته بإلحاح وحدة وباصفرار ضد ما انتهى إليه "التدوين" في المشرق من أداء وآراء ونتائج مبرزا التناقضات والمجالات واضعا أصبغه على مظاهر الأزمة مكامنها، الأزمة التي كان أولئك الكبار من معاصريه في المشرق يعلمون على التحقيق من حدتها.إنه أبو محمد علي بن حزم الظاهري" (384-456ه). (الجابري 1986، ص 327).

20- الجابري، 1986،ص566.

21- الجابري، 1986،ص565.

22-الجابري،1986 ،ص576.

23-الجابري، 2006، ص76.هذا سؤال-"باراديكم"- آخر بدأ الفكر العربي المعاصر يطرحه في إطار العلاقة القائمة بين اللغة العربية والسلطة. وليس غريبا أن يعنون أحد الباحثين العرب المعاصرين كتابه بعنوان له دلالته "التاريخ الفكري لأزمة اللغة العربية"، تأليف د. صادق محمد نعيمي، إفريقيا الشرق، 2008.

24- الجابري، 1986، ص582.

25- الجابري، 1986، ص581.

26- الجابري، 1986، ص586.

27- الجابري، 1986، ص588.

28- الجابري، 1986، ص589.

29- إدوارد سعيد، المرجع نفسه، ص247، حاولنا إثارة هذا الموضوع في دراستنا "الاستشراق في أرض السواد لعبدالرحمان منيف". ضمن كتابنا "حفريات في الرواية العربية: الكتابة والمجال"، دار الورزازي للنشر، 2005. الرباط.

30- أخص بالذكر هنا جورج طرابيشي "نقد نقد العربي- إشكاليات العقل العربي"، دار الساقي، ط3، 2007.