قصيدتان
1 ـ حنانك غزّة كُلُّ ما في دمي من أنينْ كُلُّ ما في دمائكِ ملءَ الدجى من ربيعٍ مُضاءْ قليلٌ على ما تُعِدِّينَ من حكمةٍ للبرابرةِ القادمينْ قليلٌ على ما تُعِدِّينَ للظالمينَ من الشِعرِ والجمرِ هذا البهاءْ قليلٌ ندى النرجسِ الجبليّْ قليلٌ شذى النَفَسِ الملحميّْ قليلٌ على كثرةِ الحُبِّ وردُ الجليلْ قليلٌ دمي في عروقِ النخيلْ وتحتَ جنازيرِ دبَّابةٍ صارعَتْ حلمَ قلبي وراءَ الصباحِ الخضيلْ قليلٌ بُكاءُ مخيِّلتي الراعفة بنيرانها أبداً نازفة تحتَ طائرةٍ قاصفة هاجمت زهرَ قلبي بمثلِ الرصاصِ المُذابِ وعصفِ الذبولْ
كُلُّ من ذهبوا لم يموتوا.. وأشجارهُم واقفة فوقَ صدرِ الزمانِ المُخنَّثِ والكوكسونيلْ الزمانِ الذي صارَ ألعوبةً.. صارَ أعجوبةً.. محضَ أضحوكةٍ فوقَ قارعةِ المُستحيلْ
كلُّ ماءِ الحنينِ قليلٌ على عطشِ الحُبِّ فيكِ وكلُّ دمي.. كلُّ ما فيَّ من لهفةٍ كُلُّ ما في عروقِ القصائدِ في الأرضِ كلُّ رؤى العالمَينْ كلُّ ما في الصباحِ من النُبلِ والانعتاقِ.. قليلٌ على ما تُعدِّينَ من حكمةٍ للبرابرةِ القادمينْ وألفُ قليلٍ دمي في الخوابي على كُلِّ هذا البهاءْ
حنانَكِ غزةُ.. كُلُّ قصائدنا.. كلُّ أسمائنا وتواريخنا وشعاراتنا كلُّ فرساننا والخيولْ لنجدةِ طروادةِ العصرِ.. أمِّ النبييِّنَ.. تعلكها النارُ.. تعلكُنا.. ثمَّ تبصقُنا خلفَ أسوارِ هذا الزمانِ الذليلْ
أنتِ فوقَ الصليبِ تلمِّينَ جرحَكِ أو تلثمينَ الصبيَّ يسوعَ بصبحِكِ يا أطهرَ القابلاتْ
فيكِ أروعُ ما هوَ ماضٍ وآتْ فيكِ أبلغُ ما في حنيني إلى ما تقولُ اللُغاتْ فيكِ حنَّاءُ شمسٍ شتائيَّةٍ قد تلقَّفَتِ الأسهمَ العاتية فيكِ أشواقُ أحلامنا سبَحَتْ في لهيبِكِ عاريةً عارية
حنانَكِ يا أمَّ روحي ويا شعلتي الباقية حنانَكِ.. كلُّ الذينَ بفضِّيةٍ سلَّموكِ سينتحرونَ قبيلَ صياحِ الديوكِ ثلاثاً صباحَ النَدَمْ
كلُّ من يرقصونَ على حبلِ موتكِ أو يشربونَ على نخبِ قتلَكِ أقداحَهم وهيَ دمعٌ ودمْ كلُّ من يسقطونَ عن السِدرةِ الحُرَّةِ العالية كلُّ من قتلوكِ ومن صلبوكِ على هامةِ الشمسِ ليلاً وهم في الحقيقةِ لا يَعْلَمونْ كلُّ من حقنوكِ بنارِ الجنونْ وهم في الحقيقةِ أعرابُ لا يفقهونْ كلُّهُمْ عدمٌ في عدَمْ عدَمٌ في عدَمْ
أسمِّيكِ هاجرُ فارتْ أصابعُها بالدماءْ أسمِّيكِ ما لا أسمِّي جحيمَ السماءْ أسمِّيكِ قابلةَ الأنبياءْ ومهدَ الكلامِ الجميلِ على غيمةٍ من حمامْ أسمِّيكِ أندلسَ الشهداءْ وحاضرةً للوفاءِ المُراقِ على جسدِ الأرضِ.. فوقَ براءةِ أطفالها وأكُفِّ النساءْ
عذابُكِ أسطورةٌ كجحيمِ الخيالِ ونارُكِ لا.. لم تذُقها إرَمْ عذابُكِ في كُلِّ قلبٍ مُقيمْ يُذَكِّرُنا بانتصارِ الألمْ يُذكِّرُنا باندحارِ العَدَمْ
مطالع يناير 2009
2 ـ لماذا تسكبينَ دمي على الشطآنْ؟ حروفُكِ في فمي شُعَلُ أُقبِّلُها وتحرقُني.. فتذبَلُ في دمي القُبَلُ
ويغفو الليلكُ المحمومُ في آفاقِ عينيكِ وبسمتُهُ تضيءُ دجى سمائي أو تهزُّ قصائدي هزَّ النخيلِ.. تُساقطُ الرُطبا على وجعي بظلِّكِ أنتِ يا ناري التي أحبَبْتُ مثلكِ والتي أحببْتِ ترفعُ في فضاءِ الكونِ بيرقَ لهفتي وتمدُّ هاويتي من النجمِ المعلَّقِ في السديمِ إلى ضبابٍ فوقَ كفَّيكِ وتجعلُ من شفاهكِ.. من شفاهي في الهوى حطَبا
صُراخُكِ في المدى المعزولِ آجرَّةْ أراكمُ لونَ أزهاري عليها.. ثمَّ تسحقُني خُطاكِ العابثاثُ بكُلِّ ما أهوى فهل حملُ الهوى بإرادتي أو غيرِها صخرةْ تفتِّتُ عظمَ أحلامي.. وتُنبتُ من دمي زهرة؟
وراءَكِ من حقولِ العاجِ شمسٌ لا تُصادقُني ولي ثغرٌ يذوبُ من الجليدِ كأنَّهُ شمعةْ تمدُّ إلى أقاصي الروحِ خضرةَ نارها.. فكأنَّها دمعةْ تسيلُ على عبيرِ الأرضِ فوقَ شفاهِ شمسٍ لا تصادقُني
على قُربٍ من البحرِ المُعذَّبِ كانَ قلبُكِ نابضاً كعروقِ بلّوْرٍ ومُرجانِ وكنَّا والرمالُ غطاؤنا كالغيمِ.. والأوراقْ تبعثرُها الرياحُ.. وكانَ وجهُكِ خائفاً كالكوكبِ المقرورِ يخفقُ ملءَ شرياني ويفتحُ وردةَ الإشراقْ
وكنتُ وراءَ عوليسَ الغريبِ أحثُّ أحلامي بلا جهةٍ.. وأتركُ ألفَ بنلوبٍ ورائي.. حُبُّها دامِ نما عُشبُ التشرُّدِ في أساريري وتنفخُ بي بناتُ البحرِ مثلَ النفخِ في الصورِ وأغلقُ دونَ بحرِ رؤاكِ بحراً.. وجهُ قاتلَتي يحدِّقُ منهُ بي ويرفُّ في كفِّ الأساطيرِ
يداكِ سفينةٌ غرقى يدايَ سفينةٌ غرقى تشُدُّ خيوطَ فجركِ من شراييني ولا يفنى بها شوقي البدائيُّ.. النهائيُّ الذي قد صيغَ من طينِ فمن ظلماتِ أيَّامي يشعُّ سناهُ مشبوحاً كرؤيايَ التي قُتلَتْ وكانتْ مرَّةً عذراءَ في ماضيَّ تسقيني بماْ الوجدِ والإدراكِ يقطرُ من أنامِلها كبرقٍ أنثويٍّ.. آهِ لم أعرفْ يديها كيْ أُسائلها لماذا بتُّ كالنجمِ السقيمِ كأنني أهوى بلا سببٍ لأجلكِ أنتِ وحدكِ كلَّ ما في الأرضِ من بشَرٍ ومن حَجَرِ؟
وأمسِ رجعتُ من تيهِ الحياةِ.. وجدْتُ جسمَ حنينكِ المقتولَ تحتَ شُجيرةٍ في كرمِ زيتونِ هنا في كُلِّ ضلعٍ من فلسطيني كما شمسي يُخضِّبها ترابُ أنايَ أو قمري القديمِ ينامُ تحتَ القطْرِ ألبسُ حزنَهُ العاري ويلْبسُني وأذكرُهُ ويذكرني وراءَ برازخِ النسيانْ
كأنِّي صرتُ قيسَكِ أعشقُ الشكوى إلى القَمَرِ وأشعرُ أنَّ ظهري من سياطِ النارِ يا حوريَّتي أقوى أُحبُّ الناسَ.. كلَّ الناسِ فيكِ أُحبُّهم حتى ولو أهدوا إلى قلبي سياطَ النارِ والطعَناتْ أنا المصفوعُ باللعَناتْ ومطعونٌ بسيفٍ من قوامِ وصيفةٍ لعناتْ
وأنتِ كسحرِ طيرٍ طالعٍ من ثوبِ أشعاري يحُطُّ على دمي يبكي فتبكي في الدجى نَجمةْ ويقطرُ من فمي وردُ أأخرجُ من رمادِ الحُلمِ عنقاءا؟ أأصرخُ عبرَ آمادٍ من السنواتِ ملءَ الروحِ أطياراً وأنداءا؟ أتحملُني بحارٌ من نوارسَ تشعلُ غابةَ الليمونِ والأضلاعِ.. تجعلُ كُلَّ أقواسِ الحمامِ عليكِ حمراءا
رأيتُ الشمسَ أمسِ وكيفَ صارَتْ مُهرةً تعدو بلا رسَنٍ رأيتُ البحرَ والأزهارَ والأطفالَ يتحدُّونَ في غَيمةْ
لماذا يا ربيعَ العُمرْ لماذا يا فتاةَ الطُهْرِ أسلَمَنا الغيابُ إلى الغيابِ ولم نعُدْ من تيهِنا العربيِّ ثمَّ تفرَّقتْ في قلبنا حطِّينْ؟
لماذا تسكبينَ دمي على الشطآنِ منذُ سنينْ؟ لماذا تسكبينَ دمي على الشطآنْ؟ لماذا تسكبينَ دمي؟ لماذا..؟!