فيما كنا نقلب أنا وبشير مهدي أوراقه القديمة والمقالات المكتوبة عنه في الصحف والأوراق عثرت على هذه المقالة للناقد العراقي المعروف “قاسم عبد الأمير عجام” الذي اغتيل مع ولده في فترة الحرب الطائفية بين 2004 – 2005 على طريق الحلة – بغداد، مكتوبة بخط يده كان قد كتبها عام 1998 على أثر حصوله على صور أربع للوحات بشير اشترك فيها بمعرض جاب العالم. أخبرني بشير بأن “قاسم” قرأها قبل عام من اغتياله عندما زار العراق عقب الاحتلال الأمريكي 2003 وأقيمت له ندوة عن أعماله عرض فيها “سلايدات” لوحاته على شاشة عرض متواضعة في مقر إتحاد الأدباء في الحلة، وبعد القراءة سلم الورقة لبشير، يشير الناقد قاسم في أخر المقالة إلى أن صورة اللوحة قالت له ما كتب فكيف لو وقف أمامها حيةً؟!، وكان دقيقا في التخمين إذ وقفت أمام لوحاته العظيمة الحية قبل ثلاثة أيام حينما زرته في شقته بمدينة “أوترخت” في هولندا وقضيت ستة أيام وسط لوحاته الكبيرة جدا حتى أنها تحولت إلى رؤى في منامي إذ كنا نتحاور طوال النهار عن تكوين اللوحة لديه فاكتشفت ما تضمره هذه السطوح من رموز وكائنات مضمرة في أصغر تفصيل، طيور وأبار نفط، ومسيح مصلوب، وشهيد مذبوح، وجهنم، وملائكة تتستر في مساحات اللون في الشباك والباب والسقف والجدار والأفق لا يستطع المشاهد اكتشافها، فالهدوء الظاهر في اللوحة على بعد مسافة أمتار سيضج بكائنات الخلق التي أخفتها ريشته المرهفة في عمقها ما أن تقترب وتتمعن في بياض ستارة مثلا أو زرقة أفق أو في جدار وسقف غرفة بشير الأبدية المكررة في غالبية نصوصه البصرية المذهلة، ستة أيام من الدوران في لوحاته وفي متاحف هولندا منحتني متعة ومعرفة في كون اللوحة وعالم راسمها الخالق الذي فارقته منذ 1979 عندما ترك العراق هاربا وميمَما صوب إيطاليا حيث درس الفن وأصبح ما أصبح، قبلها كنا طلبة في إعدادية زراعة الديوانية ثم موظفين في مديريات زراعتها، وبعد ثلاثة وثلاثين عاماً وجدته ينتظرني في باحة محطة مدينته صارخاً من وسط الحشد:
ها سلام.. سلام
لنتعانق ويأخذني إلى بيته الذي تحول إلى مرسمه مع تقدم العمر
لم أنس أن أحمل معي رواياتي ومجاميعي القصصية التي فرح بها مثل طفلٍ صغير.
لغرض إلقاء الضوء على تجربته الفنية المهمة والمعروفة جدا في هولندا وأوروبا فضلا عن العراق وبالنظر لوضع بشير الصحي ثانيا جمعت تلك القصاصات والأوراق وقمت بترتيبها أنا وصديقنا الناقد نصير عواد ثم قام بصفها ثم قمت بتصحيحها وترتيبها وقام الفنان التشكيلي الصديق فارس خنطيل بتهيئة لوحات الملف بالشكل المناسب للنشر.