عالم بشير مهدي المكتظ بالرؤى

علاء حسن

وسط حدود مكانه ذي الازقة والبيوت الواطئة، أنشد بصره نحو تلك البناية الهرمة، ذات السور المتهاوي ليكشف ويتفحص مجموعة الخيول في باحة تلك البناية. يراقب حركتها ليملأ دفتره بمجموعة من التخطيطات لحركات الخيول.. وربما كان وجود الخيول في بيئة الفنان بشير مهدي حافزا أول للبدء بتمرين صعب، سيصل إلى ذروته القصوى في امتلاك الفنان وسائل تقنية جعلت منجزه يمتلك مقومات تشكيلية متفردة. عززها الفنان بمسيرة وجهد دءوب وبحث متواصل. بدأ منذ تأثره بالفنان - فائق حسن -. وامتد ملازما له حتى قرر السفر إلى إيطاليا، عادة ما تكون مواضيع الفنان - بشير مهدي - عن مكان مستل من لحظة حلم أو رؤيا. فعالم اللوحة هو نقطة لإلغاء محدودية الأمكنة. فهو في لوحاته يلغي الشبابيك والأبواب مستفيدا من الأقواس كنغمات موسيقية. تساوق مساحات اللون الشاسعة في اللوحة. وفي عالمه المتخيل نجد السرير عنصرا دلاليا. عادة ما يكون شاغرا غادره أصحابه وتركوا فيه لجة أحلامهم ورغباتهم. تتخذ شكل ملاك طائر أو لوحة على جدار. الفنان في تكراره هذه المفردة يريد أن يجسد أمكنة مفترضة غير مشروطة بحدود الجغرافيا وتضاريسها.. إنه حلم يتجسد في اللوحة فقط، ينفذه الفنان باستعارة كلاسيكية ويريدنا أن نعيش معه الحلم ذاته، مجردين النفس من الهواجس والاضطراب للدخول في عالم آخر افترضه الفنان بشير مهدي بديلا لعالم يعج بقعقعة الأسلحة وأصواتها الصاخبة.

يمتلك الفنان بشير مهدي المقدرة على التلوين ويهتم بالتفصيلات الدقيقة جدا، وغالبا ما يأتي اهتمامه هذا ليؤكد خبرة معرفية وفنية وحسية استطاع الفنان الكبير أن يكتسبها عبر تجربة امتدت سنوات عديدة جعلته يفاجأ المتلقي من اللحظة الأولى لفعل المشاهدة، بتحقيق حالة من الإبهار القصوى تجعله ينشد ببصره نحو اللوحة متفحصا عالمها المفترض، متنقلا بين أروقتها وأقواسها نحو أمكنة أخرى صاغتها وأوجدتها فرشة مقتدرة، يقف وراءها حيال خصب.