إن التعبير السردي للفن يعني هو التصور المنطقي الذي يولد الإحساس بذلك التطور الفسلجي الطبيعي لعلم الجمال، ذلك التصور الجمالي الغيبي الذي يتطبع (بالفيزيقية) في أحيان كثيرة، فهو في النهاية افرازات ذاتية في (زمكان) معين. هذا الوعي الإيقاعي في الجمال يتطور عبر جوانب تجريبية فلسفية على يد النوابغ من الأفراد وهم يؤلفون أعماقا وقيما حوارية بالألوان مستندين في ذلك إلى الخلفية الاجتماعية الاستقرائية، والأسس السيكولوجية الابتكارية للحس الفني. والفن يعطي اكتشاف وبناء لإقامة أنماط جديدة من الأشكال التي توفر جملة من العلاقات والصيغ العقلانية، لتتحول في المقابل إلى قوى ومحركات نحو المنحى العقلاني.
وأمامنا فنان مبدع عاش وطر كبير من حياته خارج العراق أكثر من ربع قرن متنقلا بين روما وباريس، إنه الفنان بشير مهدي. استطاع بفرشاته أن يعبر عن مفهوم تقني حديث للفن، من خلال منطق الرؤية في الفن الحديث وضمن خصائص تحديثية وتنغيم دقيق ضمن وحدة بصرية متأثرا بجماعة الحس (بدوك) وبنظرية الشكل والرواية المتعاملة على مستوى اللوحة والحضور المتفرد بالموضوع واللون. والفنان بشير يعد حضورا كبيرا للعلاقة بين الداخل والخارج للوحة التشكيلية، والملاحظ في مجمل لوحاته التي تفردت بالإيهام المتعلق باللون والبصيرة المعجونة بقاموس الألوان من خلال الانتقال بمجسات لونية تعبر عن مشهد انتقالي يطغي عليه اللون الأزرق، وهو اللون المبرز في مجمل لوحاته، تحركه في ذلك فضاءات كنائسية من العصر القوطي إضافة إلى عقيدة المكان عند الرسام في التفرد اللوني في الكرسي الفارغ أو الكرسي والرداء الذي يعبر عن جملة في فن التصوير وشفافية في الضربات اللونية.
الفنان بشير يحاول ابتكار مساحة كبيرة للتأويل سواء على مستوى الموضوع أو اللون، واللوحة على ما تبدو عنده تتكون من عملية التوزيع لعناصرها بأبعاد تؤكد المنظور في عملية (المحور والإظهار). فالفنان بشير يحاول أن يؤكد مقولة (اللامرئي) في الأشياء الغائبة من خلال الكون وحرقة المكان وما تنطوي عليه هذه المداخلات الشفافة في حركة اللوحة. فالمكان عنده مستمد من حركة الأشياء الغائبة، لوحاته أشبه بحلم المكان الغيبي، وهذا ما نلاحظه في حركة الأشياء داخل اللوحة، في أكثر لوحاته سحرية وحركة، الحضور الجنسي في الثمار في واحدة من لوحاته، إضافة إلى حضور الحس بشيء ينمو ويتطور داخل اللوحة ثم يأخذ مساحة واسعة من المكان والزمان ثم يعطي ما سبقه من أبعاد في اللوحة ثم تبدأ بعملية التجريد لـ(الزمكان) داخل اللوحة ثم نشاهد الحركة المستمرة في المكان دائما، كأن يكون بقايا أثار لحركة الملابس أو الأواني.
عند بشير هناك هجرة في الألوان إلى ضفاف يسكنها الطلاء اللوني الجميل، هناك تضاد إشكالي في موضوع اللوحة، وهذا طاغ على مجمل لوحاته. من جانب آخر استفاد الفنان من فن العمارة وفضاءها الداخلي إلى جانب تأثره بأكثر المدارس الفنية التشكيلية خاصة الرمزية حصرا(غوستاف مور) في رأس أرفوس، والفنان بشير يجمل التضاد في الألوان، وهو الغالب على لوحاته، إضافة إلى براعته بالظل والضوء. بين اللوحة والجدار هناك مسافة تعبر عن زمن اللوحة ومكانتها حيث تنتفض الفرشاة لتتنزه وتتسكع بين أرجاء اللوحة لتفصح عن عناصرها الأولية.
هناك حالات من الوعي المطلق في اللوحة وهو يأخذ أبعاد تجريبية في العزلة – الموت - الأواني – الأقداح - الشال الملقى على الكرسي، هي العناصر الرئيسية عند الفنان بشير. هناك مشاهد حسية وزمكان مطلق يحيط بالفنان، وإشارة إلى قدرة في التأمل والتأويل ليستزيد في إحساسه بالحياة كما يعبر عن ذلك (نيتشه)
الفنان بشير لم يلغِ عنه التراث والفلكلور الشجي فهما من موجودات لوحته وهو شيء مميز سواء في اللون أو المعنى، إضافة إلى أنه يؤكد على الزخرفة الغريزية في اللوحة والتي تشكل الموضوع الآخر في الصياغة عبر اللون والإفصاح عن الموضوع بانجذاب متناه.