نُصّ نصيص

الرواية: قال اللّه وقال خير(1)
الحضور: خير ان شااللّه

كان يا مكان في قديم الزمان، كان في هالزلمه، متجوّز نسوان ثنتين، وحده منهم بنت عمه والثانية غريبة، والثنتين بِحْبلنش(2). قال بدي أروح على هالشيخ(3) بَلْكِي(4) على الله إنّه يعطيني دَوَا لهالنسوان.
راح الزّلمه عالشيخ وقالّه: "بدّي منك دَوا بِخلّي نسواني يحبلن." قالّه الشيخ: "بتروح على الجبل الفلاني بتلاقي هناك غول، بتقولهّ: (بدّي حبتين رمّان(5) أطعمهم لنسواني على شان يحبلن)، وشوف شو بقولّك."
راح الزلمه، اجا على الغول، دغري هدّ عليه(6) حلقله لحيته، وقصقصله حواجبه، وقالّه: "السلام عليكم". قالّه الغول: "عليكم السلام. لولا سلامك(7) سبق كلامك كان خلّيت أخوي الّلي في الجبل الثاني يسمع قرط عظامك. شو بدّك؟" حكاله. قالّه الغول: "روح على الجبل الثاني بتلاقي اخوي الكبير بتسأله، بِدلّك."(8)
راح عالجبل الثاني، لاقى هالغول وعمل مثل ما عمل لأخوه وقالّه: "السلام عليكم". قالّه الغول: "وعليكم السلام. لولا سلامك سَبَق كلامك كان خلّيت أختي اللّي في هظاك(9) الجبل تسمع قرط عظامك. شو بدّك؟" حكاله. قالّه: "روح عند أختي علي هظاك الجبل بتدِلّك."
راح، لاقاها رادّه بزازها على ظهرها(10)، وقاعدة بتطحن. قدّم، مصّ مِن بزّها اليمين واليسار ولَهَم(11) حفنة من طحيناتها. قالتله: "مصّيت مِن بزّي اليمين، صرت أعز من أخوي اسماعين، ومصّيت مِن بزّي اليسار، صرت أعزّ من اخوي نصّار. ألهمت(12) من طحيناتي، صرت أعزّ من وليداتي. هلقيت(13) شو بدّك؟". قالّها: "بدّي حبتين رمّان أطعمهم لهالنسوان على شان يحبلن." قالتله: "بتنزل على هظاك البستان بتلاقي غول نايم، ذان(14) فرشة وذان غطا. بتقطع حبتين رمّان وبتشرُد."(15)
سَوّا(16) الزلمه زي ما قالتله الغولة، وروّح. أهوتِه(17) في الطريق، جاع، قال: "بدّي أُوكل من حبّة بنت عمّي لأنها بتزعلش عليّ ابتقبل مني نصّ حبّة." فَلَق حبة وأكل نصّها. لـمّـا روّح عالدار أعطى المره(18) الغريبة حبّة رمان، وأعطى بنت عمّه نصّ حبة.
حبلن الثنتين مع بعظ(19). المرة الغريبة جابت توم اولاد، سمّى واحد "حسن" وواحد "حسين". وبنت عمّه جابت نصّ بني آدم سمّاه "نص نصيص". وكبروا الولاد. يوم قالوا لأبوهم: "بدنا نسرح عالصيد والقنص." حسن وحسين قالوا بدّهم كل واحد فرس وبارودة. وافق أبوهم وأعطاهم. نص نصيص قال: "بدّي سخلَة جربة، ومقحار(20) طابون." جابوله زيّ ما طلب.
وسرحوا. صاروا حسن وحسين يطخوا في البارود وما يصيدوش ولا إشي. نص نصيص ينام عالأرظ(21) ويخلّي الغزال وهو ماشي ويظربه (22) على أجريه يكسّر له ايّاهم. إخوته قالوله: "اعطينا الغزلان اللّي صدّتهم تنروّحهم(23) ونقول احنا صدْنَاهِم". قالّهم: "على شرط، بَسخّن الختم تبعي وبختم على طيز كل واحد علامة." قالو له: "طيّب". روّحوا عالدار وأعطوا الغزلان لامهم. امهم طبخت ورمت عظامهن باب دار نص نصيص.
صارت أم نص نصيص تعيّط(24). شافها نص نصيص. قالّها: "ليش بتعيّطي؟" قالتله: "بحّر(25)، إخوتك حسن وحسين بصيدوا الغزلان وانت لأ". قالّها: "وهمَّ اللّي بصيدوا؟ روحي شوفي ختمي على طيز كل واحد." فرحت امّه وشافت الختم.
ثاني يوم، سرحوا عالصيد. غابت عنهم الشمس وهمَّ(26) بعَاد عن البلد. اجوا على هالبلد مالقوش فيها إلاّ هالغولة بتطارد(27) ورا ديك. لمّن شافتهم صارت تقول: "أهلا وسهلا يا ولاد أخوي." ربطت خيلهم وهالسخلة في باب هالدار وفوّتتهم وعملتلُهم عَشَا وعشّتهم. قالتلهم: "شو بوكلن(28) خيولكم؟" قالولها: "شعير محسّك(29) وحليب صافي." حطّتلْهم. قالت لنصْ نصيص: "شو بتاكل سخلتك؟" قالّها: "نخالة وميّة عجين". حطّتلها.
فرشتلهْم ميشان(30) يناموا. حسن وحسين ناموا عالمصطبة. نصّ نصيص قالّها: "أنا بقدرش أنام عالمصطبة. في قرطلّة(31) معلّقة في سقف البيت. قالّها: "أنا بدّي أنام في القرطلّة، بس اعطيني كبشة فول وقربة مي." خزق هالقربة خزق زغير(32) وعلّقها فوق راسه، صارت تنقّط على راسه وقعد بهالقرطلة وصار يقرش بالفول. الغولة فكّرتهم نايمين. صارت تقول: "يا اسناني امظين، امظين،(33) على حسن واخوه حسين." عاد(34) نص نصيص فايق وسامعها. صار يقول: "كيف أنام وكيف أنام، وبطني خالي من الطعام؟" قالتله الغولة: "شو بدّك توكل؟" قالّها: "بدّي ديك محشي، أوكله وانام."
سوّتله هالديك، أكله، وراح ينام. رجعت الغولة تقول: "يا اسنيناتي امظين، امظين، على حسن واخوه حسين." قام نص نصيص قال: "كيف أنام وكيف أنام، وبطني خالي من الطعام؟" قالتله: "شو بدّك تُوكل؟" قالها: "بدّي خروف محشي محمّر ومقمّر، أوكله وانام."
ما سوّت الخروف وخلّصت، الاّ هي الشّمس طالعة. قالولها: "بدنا ميّ ميشان نغسّل." راحت تجيبلهم ميّه، وهو قالّهم: "ولكم قوموا، هذي غولة." قاموا، ركبوا، وشردوا. لما رجعت لقتهم شاردين، لحقتهم. يوم ما شافتهم صارت تقول: "يا حليب روب روب واربط إجرين خيلهم في الدروب!" أوقفن خيلهم، اعيين يمشين(35). دشّروهن وركبوا ورا أخوهم نص نصيص على السّخلة العرجة. وصار نص نصيص يظرب هالسخلة بهالمقحار ويقول: "يا صوّان اقدح، اقدح، ويا نخلة طيري، طيري." طارت سخلته وأوصلتهم لدارهم، والغولة لحقت الخيول وأكلتهن.
انبسط أبوهم من نص نصيص اللّي أنقذ اخوته من الغولة. قالّهم نص نصيص:
"واللّي يجيبلكم الغولة لعندكم؟" قالوله: "إذا بتقدر، بنقرّ وبنعترف إنك أشطر من اخوتك الاثنين."
راح نص نصيص اشترى هالحمار وحمل عليه هالصندوق، وملاّه حلاوة مطاطة. يوم ما وصل دار الغولة، صار ينادي: "هاي الحلاوة! هاي الحلاوة!" طلعت الغولة، قالتله: "بقدّيش؟" قالها مثل ما تقول: "الأوقية بقرش". أكلت أوقية، أوقيتين، ثلاثة. ما شبعتش. قالّها: "شو رأيك تطيحي في الصندوق وتوكلي قد ما بدّك وبعدين بنتحاسب؟" وافقت وعبرت في الصندوق. أهُو قام سكّر باب الصندوق بهالحبل ومكّنه، وصار يمشي تنّه(36) وصل بلده والغولة ملتهيه في الأكل. يوم ما أوجه(37) على بلده صار ينادي: "اوقدوا النار وعلّوا شعالها، جبتلكم
الغولة بحالها! واللّي يحب النبي يجيب حزمة حطب وبصّة نار!"
قالتله الغولة: "شو بتقول؟"
قالها: "بقول: 'افردوا حرير وظبّوا حرير، جبتلكم الأميرة بنت الأمير.'" يوم ما صارت النار كبيرة دبّوها(38) هي والصندوق في النار وتخلصوا من شرّها.
وطار الطير، وتتمسّوا بالخير.


(1) الراوية: امرأة في الخمسينات من عمرها، من قرية عين يبرود في منطقة رام اللّه.
(2) الافتراض هنا أن الرجل كان تزوج بابنة عمّه أولاً، لكن عندما تبين أنها لا تستطيع أن تحمل تزوج من المرأة الأخرى. وهنالك الكثير من الأمثال الشعبية والَمَقُولات التي تدل على أهمية الزواج اللحمي (الزواج من ابنة العم)، ومنها نذكر المثل القائل: "ابن العم والعباه، والغريب يلعن أباه". أي ابن العم، حتى لو لم يملك شيئاً سوى عباءته، يُفضل على الغريب؛ وأيضا المثل القائل إن لابن العم الحق في أن يُنزل ابنة عمّه عن ظهر الفرس حتى لو كانت في طريقها إلى الزواج من شخص غريب: "ابن العم يطيح عن الفرس."
(3) كان الشيخ في الماضي هو الذي يمارس الطب الشعبي، ولم يكن الفلاحون يميزون بين كل من الطقوس المستخدمة لطرد الأرواح الشريرة واستخدام التعاويذ والأحجبة والعلاج النفسي الشعبي والطب الشعبي المتمثل في المداواة بالأعشاب، فتلك الممارسات جميعها كانت من اختصاص رجل الدين.
(4) بلكي: لربّما، أو علّ وعسى
(5) يُعرَف حَبّ الرمّان كرمز للخصوبة
(6) هدّ عليه: اقترب منه
(7) "لولا سلامك..." هذه هي الصيغة التي يستخدمها الغيلان في الحكاية الشعبية الفلسطينية لمخاطبة مَن يفد عليها طالباً منها أن تُقدهِم له معروفاً. (تؤدي الغيلان أدواراً متعددة بالغة الأهمية في هذه الحكايات، كما في غيرها من الحكايات الشعبية العربية. وبما أن الهيئة الخارجية للغيلان توحي بالإهمال وبالوحشية، فعلى البطل أو مَنْ له طلب منها أن يُهذّب منظرها بحلق اللحيّة وقص الشّعر، وخصوصاً حواجب العينين).
(8) بدلّك: يدلّك
(9) هظاك: ذاك
(10) رادّه بزازها على ظهرها: مُلقية ثدييها خلف ظهرها
(11) لَهَم: التهم
(12) ألهمت: التهمتَ أو أكلتَ
(13) هلقيت: والآن
(14) ذان: أذن
(15) بتشرد: تهرب
(16) سوّا: فعل
(17) أُهوتِه: وهو
(18) المره: المرأة
(19) مع بعظ: معاً، أو مع بعضهما
(20) مقحار: محراك النار
(21) عالأرظ: على الأرض
(22) يظربه: يضربه
(23) تنروّحهم: كي نعود بها
(24) تعيّط: تبكي
(25) بحّر: انظر
(26) وهمَّ: وهُم
(27) بتطارد: تطارد أو تركض وراء
(28) شو بوكلن: ماذا تأكل
(29) محسّك: مقشّر
(30) ميشان: لكي
(31) قرطلّة: سلّة
(32) زغير: صغير
(33) امظين: من "يمضي" بمعنى يسنّ أو يشحذ
(34) عاد: على أنّ أو غير أنه
(35) اعيين يمشين: عجزت الخيل عن السير
(36) تنّه: إلى أن
(37) يوم ما أوجه: عندما وصل
(38) دبّوها: رموها