جميز بن يازور، شيخ الطيور(1)

كان في أب تاجر، عنده ثلث بنات. ثنتين من ام، ووحدة من ام لحالها. هاذي البنت اللّي من ام لحالها كانت الزغيرة فيهن وكانت حلوة كثير أبوها بحبها كثير كثير، ومسميها "ست الحسن"(2). يوم هالأب بدّه يروح على الحج، وسأل بناته، قالّهن: "يابا وصّين على شغلة (3) اجيبلكْن اياها معاي."
الكبيرة قالتله: "بدي سوارة ذهب"، والثانية قالتلة: "بدي ثوب مطرز بأغلي الحرير."(4) ست الحُسن قالتله: "أنا يابا بدي تجيبلي جميز بن يازور، شيخ الطيور، وان ما جبتلي اياه، ريت جْمالك ان شاالله تفرط في العقبة(5) وما تعود تقدر تمشي."
راح. حج واجا. وهو راجع، جْماله فرطن في العقبة. وقال: "آه والله نسيت أجيب جميز بن يازور، شيخ الطيور."(6) رجع ودار في هالبلاد يسأل عن جميز بن يازور، شيخ الطيور. أخيراً لاقى هالشيخ العجوز، دلّه على بيت يازور وقالّه: "روح، وقِّف عالباب واصرخ ثلث مرات: 'جميز بن يازور، شيخ الطيور، بنتي طالبتك!'"
مشي، مشي، تَوِصِل البيت اللّي وصفله اياه الشيخ، وكانت الدنيا حرّ، وهو عطشان، شاف هالجرّة عالباب، مدّ إيده تَيِشرَب منها والاّ الجرّة بتقولّه: "قيم إيدك، يقطع إيدك، بتشرب من دار سيدك!"(7) خاف مسكين، ورجع لَوَرا وصاح ثلث مرات: "جميز بن يازور، شيخ الطيور، بنتي طالبتك"، وظل راجع.
بعد ما وصل على داره بثلث ليالي، والاّ هو هالطير يرفرف على شباك ست الحُسن. قامت ست الحُسن فتحتله، فات. نفض جناحه، والاّ هو قلب شبّ من أحلى الشباب. صار كل ليلة ييجي عندها، ومع الفجر يقلب حاله طير ويتركلها كيس هالذهب تحت المخدة ويطلع.
علِمِنْ خواتها. دبّت فيهن الغيرة(8). يوم اجت أختها الكبيرة، قالتلها: "اسألي جميز بن يازور شو أكثر إشي يعزّ عليه في بلاده." ست الحسن كاينه(9) بسيطة وقلبها طيب. لمّن اجا في المسا، سألته: "شو أكثر إشي يأذيك في بلادك؟" قالّها: "ليش؟ شو بدّك؟" قالتله: "هيك، بدّي أعرف." وظلّت وراه تقلّها(10) انه أكثر إشي يأذيه هو القزاز(11). اذا انجرح بقزاز، بِعُدْش(12) يطيب.
راحت حكت لاخواتها. بدون علمها كسروا قزاز الشباك اللّي بدخل منّه. لَـمّـا اجا في المسا، بدّه يدخل من الشباك، جرحه القزاز. طار ورجع على بلاده.
ست الحسن استنّت يوم، يومين، أسبوع، أسبوعين. ماجاش(13). عرفت إنّه خواتها خدعنها وإنّه جمّيز بن يازور مريض. قامت اتخفّت بزيّ شحّاد ودارت في هالبلاد تدوّر. ويوم وهي قاعدة تحت السجرة(14) اجن هالحمامتين وقفن على السجرة وصارن يتحدّثن بين بعضهن. قالت وحدة: "شايفة يااختي مرة جمّيز بن يازور كاينه بدّها تقتله." قالت الثانية: "هو لو في ناس - بعيد عن ريشي وريشك ودمي ودمك - لو في ناس تذبحله حمامة وتصفّي دمّها وتخلط الدّم مع الريش وتدهن إجريه بطيب."
قامت ستّ الحُسن راحت، جابت هالحمامة ذبحتها وصفّت دمّاتها وحرقت ريشها وخلطتهن مع بعض، وحملتهن ودارت في هالبلاد تنادي: "أنا الطبيب المداوي". يوم، مرّت من قدّام هالبيت، والاّ هالبنات على الشباك يبكين. لما شافنها نادين عليها وقالن إنّه أخوهن مريض وما حد قادر يشفيه. فاتت ستّ الحسن وظلّت تدهن جروحه وتسهر عليه ليل ونهار لمدة أسبوعين. فاق من وعيه. لما فاق من وعيه، عرفها. قالّها: "يا ست الحسن اخطيتي(15) كثير بحقي." قالتله: "مش أنا. خواتي ساوين فيك هيك." قالّها: "معليش".
لـمّـا عرفن خواته إنها هاي حبيبته وإنه بدّه يتجوزها، قالولها: "ما بتتجوّزي أخونا إلاّ ما تقشّي وتكنّسي البلد كلها." صارت تبكي. قالّها: "اطلعي على الجبل، وقولي (يا هو كنّس، ويا شي قش)." طلعت عراس الجبل(16) وعملت مثل ما قالّها، وفعلاً البلد كلها تكنّست وانقشّت.
لـمّـا خواته شافن هيك، قالو لها: "ما بتتجوّزي أخونا إلاّ ما تجيبي ريش يكفّي لعشر فرشات للعرس." راحت تبكي لجمّيز، قالها: "تخافيش(17). اطلعي عراس الجبل، وقولي ثلث مرات (جمّيز بن يازور، شيخ الطيّور مات)." طلعت عراس الجبل وقالت ثلث مرات "جمّيز بن يازور، شيخ الطيور مات." ما قالت هيك إلاّ جميع الطيور اجوا وصاروا يندبوا ويبكوا وينتّفوا ريشهنّ على رئيسهن. صار الريش كوام كوام. حملت هالريش وأخذته لاخوات جمّيز بن يازور.
قالولها خواته: "ما بتتجوزي أخونا إلاّ ما تجيبيلنا طبق الغولة." راحت عند جمّيز تبكي. قالّها: "تبكيش(18). هاي هويّنه(19). روحي على دار الغولة بتلاقي الخيل عندهن لحم والأسُود عندهن شعير. بدّلي اللّحم بالشعير. وبتلاقي السنسلة(20) اللّي على دار الغولة مهدودة. بتبنيها وبعدين بتفوتي بتسحبي الطبق. بس إصحي(21) إنّه يدقر(22) بالحيط، بتفيق الغولة."
راحت عملت مثل ما قالّها وفاتت تَتوخذ(23) الطبق شافت الغولة نايمة صارت ترج(24) من الخوف واجت تَتسحب الطبق قام دقر بالحيط. اهتزت الدنيا كلها وفاقت الغولة من نومها. ست الحسن أخذت الطبق وهربت، والغولة لحقتها. قالت الغولة للسنسلة: "يا سنسلة امسكيها!" قالت السنسلة: "إلي عشرين سنة مهدودة وهي اللّي بنتني. لأ." قالت الغولة: "يا خيل امسكوها!" قالت الخيل: "صارلنا عشرين سنة ما ذقنا الشعير، وهي اللّي أطعمتنا. لأ." قالت الغولة: "يا أسود امسكوها!" قالوا الأسود: "صارلنا عشرين سنة ما ذقنا اللحم، وهي أطعمتنا. لأ."
مغدرتش(25) الغولة تمسكها.
وجابت الطبق وأعطته لاخوات جميز. لـمّـا شافن إنها عملت كل المعاجز(26)، وافقن إنه أخوهن يتجوزها، وعملوا هالعرس وتجوزت ست الحسن جميز بن يازور، شيخ الطيور وطار فيها.
وطار الطير، وتتمسوا بالخير.


الراوية: امرأة في الستينات من عمرها، من القدس.

(1) الجمّيز نوع من التين البري، ويازور هي في السهل الساحلي الفلسطيني بالقرب من مدينة يافا. وربما كان اسم البطلة "ست الحُسن" دارجاً في الماضي (كما هو الوضع مثلاً في تونس، حيث نجد "أم الزين")، إلاّ انه قد يكون نادراً الآن. وفي اللهجة المقدسية لا فارق في النطق بين "القاف" والهمزة، وكذلك بين "الثاء" و"التاء" أو "السين" (في بعض الحالات)، وبين "الذال" و"الدال" أو "الزاي" (في بعض الحالات)، وبين "الضاد" و"الظاء".
(2) يتضح أمامنا نموذج معين من الشخصيات التي تؤدي أدوار الأبطال في الحكايات. فالذكور هم عادة من الأطفال المستضعفين - كالأخ الصغير - والإناث من الفتيات المدللات لدي الأبوين اللذين يمنحانهن حرية التصرف - الخروج من الدار مثلاً، الأمر الذي يعرضهن لمغامرات ذات طابع يتعلق في نهاية المطاف بالجنس.
(3) شغلة: شيء
(4) "الثوب" المشار إليه هنا هو الثوب الفلسطيني الطويل والمطرز.
(5) العقبة: هي مدينة العقبة الأردنية المعروفة، وكانت تمر بها قوافل الحجاج من بلاد الشام إلى مكة المكرّمة.
(6) على الرغم من أن نسيان إحضار شيء ما من الحج بشكل إحدى كليشيهات السرد في الحكاية الشعبية الفلسطينية، فإن النسيان هنا يتطابق والسياق الثقافي. فالأب يحب ابنته كثيراً ويود أن يلبي رغبتها، لكنه إن فعل ذلك يكون قد انتهك أكثر الموانع الثقافية قُدسية في المجتمع، فيما يختص بشرف المرأة أو عرضها. ولذا فإن النسيان من جانب الأب يعد نوعاً من تناقض المشاعر تجاه ابنته.
(7) إن هذا الحادث يعكس بنوع من السخرية ممارسة كانت سائدة خلال الفترة العثمانية عندما كان بعض الأتراك المقيمين في البلاد العربية من غير أصحاب السلطة يضع جرتين ملآنتين بالماء كي يشرب منها المارة، لكن إذا اقترب أحد من إحدى الجرتين ليتناول الماء منها صاح به صاحب الدار قائلاً: "لا تشرب من هذه الجرّة، اشرب من الأُخرى."
(8) إن الغيرة بين الأخوات أكثر حدّة مما هي بين الإخوة، ولعل ذلك بسبب المنافسة بينهنّ في شان الزواج.
(9) كاينه: كانت
(10) تَقلّها: إلى أن قال لها
(11) القزاز: الزجاج
(12) بِعُدْش: لا يعود
(13) ما جاش: لم يأت
(14) السجرة: الشجرة
(15) اخطيتي: أخطأتِ
(16) عراس الجبل: على رأس الجبل
(17) تخافيش: لا تخافي
(18) تبكيش: لا تبكي
(19) هاي هويّنه: هذه مسألة بسيطة
(20) السنسلة: جدار أو سور من حجارة مرصوفة فوق بعضها البعض
(21) إصحي: إياك (تحذير)
(22) يدقر بالشيء: يلامس الشيء ويحدث صوتاً
(23) تَتوخذ: كي تأخذ
(24) ترج: ترتجف
(25) مغدرتش: لم تقدر أو لم تستطع
(26) المعاجز: المعجزات