ترجمة محمد الشنكيطي
نشرت المجلة الفرنسية ذات التخصص في شؤون الأدب والنقد{ Magasine litteraire ع: 375 ابريل 1999} مجموعة شهادات لكتاب مغاربة [الطاهر بن جلون - عبد الكبير الخطيبي - ادمون عمران المالح - محمد شكري - محمد برادة - بنسالم حميش - محمد بنيس - رجاء بنشمسي] تحدثوا خلالها عن تجاربهم الأدبية على ضوء ذلك الزخم من القضايا والإشكالات التي تتحقق بداخلها الكتابة الأدبية المغربية بصفة عامة، نذكر منها أساسا:
ـ قضية الازدواج اللغوي وبالتالي الثقافي.
ـ قضية العلاقة بالواقع وبالفضاء العام تحديدا وطبيعة الحيز المخصص لهموم الذات في بعدها الفردي، مع ما تفرزه هذه الأخيرة من أسئلة خاصة.
ـ قضية التخييل في الكتابة الأدبية وما تثيره من إشكالات على مستوى التلقي·
مجموعة قضايا تقف عندها هذه النصوص/الشهادات المفعمة بالجرأة والعمل كدعوة ضمنية من هؤلاء الكتاب للقراء إلى نهج قراءة ناموسها "العود على البدء" كشرط ضروري للنفاذ الى الطروس القابعة تحت هذه الشهادات·
ليست الكتابة ضربا من التجريد كما أنها ليست مفهوما يمكن أن نحدده وفق خطاطات عامة· فهي كل شيء ولا شيء في نفس الوقت· تكون لا شيء كلما أخلينا مكان تحققها الفعلي· هناك شيء ما انكتب، مشهد نطوفه بأبصارنا فنشير إليه بمسميات عدة: النص والكتاب والأثر والرواية والحكاية والقصيدة· إننا نخبط خبط عشواء فنصطدم بهذه المفاهيم المضيئة. نفطن، بمجرد ما نتجاوز وهم "يقينيات القراءة"، أن هذا الحضور الآمن وهذا الجسد العضوي الذي ينمو وفق قوانينه الخاصة، يتم الحديث عنه دون أن يبوح بقوة تشييد حتفها الخاص· غالبا ما يتم الضغط عليك للحديث عن هذه الحقيقة التي يتم اعتقالها بحضورك مادام أنك كاتب، وبالتالي مؤلف وسيد وأب أعترف - بضم الهمزة - بقدرته على الإمساك بهذا الكائن الزئبقي المنفلت من قبضتنا باستمرار: الكتابة· قد اغتبط ككاتب لهذا التبجيل والتشريف الذي لا يعدو أن يكون بالونا نفخته رياح الشهرة· في حين أن الواقع ليس على النحو بتاتا· فمن كان يتصور أن زيارة خاطفة لمقبرة اليهود ستكون وراء ظهور رواية "المجرى الثابت"؟ فمن حقي والحالة هذه أن أدافع عن براءتي أوعلى الأقل عن غياب ما يسميه القانونيون بحالة سبق الإصرار· فمن الخطأ في نظري الحديث عن مشروع للكتابة ولا عن إلهام مرتبط بمكان أو ذكريات ما، إذ تبقى مرحلة ما قبل الكتابة مرحلة حبلى بالممكنات حيث كل شيء قابل بأن يرجح منحى ما على آخر· فالرغبة أو الإرادة أو المقصدية··· شيء تصعب تسميته كما لا يمكنه أن يأخذ صورة جسد ليؤكد حضوره إلا بعد أن تكون الكتابة قد أدت عملها بتأن ومثابرة، لتعمل في كل مرة على الكشف عن طبقات جديدة مختبئة في الصمت، فليس السهم هو الذي يحدد الهدف بل ما يخلفه مجراه من آثار· فقد كنت أتوق إلى المحافظة على تجربة ثمينة عشتها عبر العمل على إعادة بنائها وتشكيلها· لحظة مصيرية في تاريخ البلد جسدها النضال من أجل التحرر الوطني، حكايات أمل كبير، في وقت كان العالم يطالب بالتحرر متأثرا آنذاك بالحركة الشيوعية·
على هذا النحو كانت ولادتي الثانية لبلدي ولو أني كنت أكتب باللغة الفرنسية، فقد كنت دائم الاعتقاد بأني لم أكن أكتب بها· إنها حالة من عملية زرع لغة على أخرى (اللغة الفرنسية على اللغة العربية)· هذه الأخيرة كنار مشتعلة في دواخلي.
قيل لي مرة بأن الراوي في (إيلان أوليل الحكي) (1983) شخص بعيد الشبه مع الكاتب الفعلي، فهو يرتدي بذلة على شاكلة البذل التي كان يرتديها ماو ويلازمه كتاب أسود سطرت حواشيه باللون الأحمر الصيني ويمرر مواقفه النقدية حول أنماط السلطة السائدة وألغاز الكلمات· هنا ترسم نقط التقاطع بالذات· الكلمات والحرف والحامض المخصب إلخ·· كل ما من شأنه أن يضعنا أمام روائع الفكر الشعري عند José ANGLE VAIENTE· الصمت والصرامة. إني لأرى الأفق الذي أتموضع فيه دون أن أتبنى انتماء صوفيا ما· هذا العالم المنغمس في الكبال (KABBALE) والصوفية، من المداد المنوي إلى علم الحروف عند ابن عربي· إنها الممكنات الشعرية للغة ولغزيتها الخطية غير المستنفدة، حيث توقفت اللغة عن أن تكون أداة محايدة في خدمة التعبير عن الفكر والعواطف، معتقدا كل واحد في قدرته على التحكم فيها وتوجيهها وفق مقاصد وقناعات ما تكمن كل الطاقة الإبداعية في الكلمات حيث الحرف بمثابة مكان محير لاستقبال هذه الطاقة ومرورها·