الشاعر الاردني عمر ابوالهيجاء في مجموعته "بلاغة الضحى" يأتي بشعر جيد وغالبا ما يأتي بهذا الشعر حين يكون مخلصا لقصيدة النثر ويتخلى عن ان يشرك فيها تقفية هي اقرب الى السجع في النثر.
ويبدو للقارىء شعر عمر ابو الهيجاء جيدا ذا شخصية ونسيج خاصين به عندما يكتب قصيدة النثر العادية لكن مستوى هذا الشعر يتآكل حين يفرض الشاعر على نفسه التزام قافية مفتعلة لا معنى لها بينما هو في عالم قصيدة النثر التي لا تتلاءم مع التقفية.
فالقصيدة التقليدية تقوم على التزام القافية والوزن معا.. لكن التخلي عن الوزن والإبقاء على القافية يخل بكل من القصيدة العمودية وقصيدة النثر اذ يشذ عن نظام الاولى ويدخل على الثانية ما لا ينتمي اليها.
قصائد الشاعر التي تنتمي الى قصيدة النثر ناجحة من حيث كونها تصويرية ورمزية وتتسم في صورة خاصة بما يوصف بأنه "موسيقى داخلية" مما يشعر القارىء بحسرة لفقد هذه السمات او جلها عندما ينتقل الى "لزوم ما لا يلزم". فالشاعر عندما يخرج الى حال التقفية المصطنعة انما يأتي بنتاج ليس هنا وليس هناك ويجعلنا نواجه سجعا يوقعنا في النثرية بينما يحاول هو الاتيان به شعرا. وعندما يصل القاريء الى هنا يجد أنه يفتقد قصائده الناجحة الاخرى.
وعمر ابوالهيجاء شاعر وصحافي اردني. وقد وردت مجموعته الشعرية في 208 صفحات متوسطة القطع وصدرت عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر في بيروت وعمان.
على غلاف المجموعة كتب الناقد الاردني الدكتور ابراهيم السعافين كلمة مكثفة فيها قدر كبير من الانصاف لشعر ابو الهيجاء خاصة حديثه عن الايقاع في شعر الشاعر. ويأتي قوله هذا في موقعه حين يكون الحديث هو عن قصيدة النثر الخالصة التي لم تقحم فيها القافية او بالأحرى السجع.
يقول السعافين "يبني الشاعر عمر ابوالهيجاء ديوانه "بلاغة الضحى" على ايقاع لا نكاد نظفر به كثيرا في شعر قصيدة النثر اذ يتبدى لون من الايقاع المنتظم فثمة تراوح في قوافي بعض السطور الشعرية وثمة سطور كاملة لا يغيب عنها ايقاع التفعيلة مثلما يبدو غنى الايقاع في نسج القصيدة معلما بارزا".
اضاف "في هذا الديوان تتكثف اللغة وتتوتر الايقاعات والصور وتتحطم العلاقات اللغوية ويشيع جو المفارقة على ان المعنى... يظل في افق النص لا يغيب".
وتابع "يصنع الشاعر لغته المتوهجة على عينه ولا يفارق لغة عصره وجيله في آن معا وإذ تتوحد اللغة اليومية بلغة الشعر العليا يبدو مصورا ورساما وصوفيا تشيع في شعره لغة التصوف والحب والشهوة والفظاظة والقسوة ويبني مفرداته على المبالغة في حديثه عن بناء القصيدة نفسها".
تحت عنوان رئيسي هو (سماء تقهقه بالرعد) وهو يفترض ان يكون قصيدة واحدة كتب الشاعر ما يمكن وصفه بأنه قصائد مختلفة وإن بدت متكاملة. في قسم من الاقسام كتب يقول "دمع على مفترق الحارات/ سماء تقهقه بالرعد/ اقدام تسير على الرماد/ وأيد تلوّح/ ترسم شارات النصر/ وأفواه البهجة تشكل التاريخ/ تهتف عاليا/ ارحل/ يا ايها الوطن الذبيح/ اعرني دمي ثانية/ لأعيد اليك الندى/ ما عاد جندك يتقنون/ غير اصطياد/ فراش البيوت."
وتحت عنوان (الجهات مؤقتا) يقول الشاعر "الجهات خليج الشظايا/ انكسار الملوحة في كأس الحياة/ انفصال صور العائلة عن خرائط/ الليل والنهار/ الجهات مريضة بالراحلين/ عن وضوح الجب/ الجهات تصفر خوفا/ عند انكشاف الالم."
وفي تصويرية وموسقة تطل بهدوء يقول "حين تمرين/ اقرأ التفاصيل الخجولة/ على ابواب القلب/ اعيد سؤال الروح/ وشحوب الاوراق بين يدي/ كل شيء لدي/ يدل عليّ/ يدل على وضوح فمي/ حين يهمس بك."
وفي مجال اخر يقول بتصويرية ومجاز موح في قصيدة من قصائد تحمل عنوان (كأني خفة الصوفي) "اطلق في كف الوقت العصافير/ اشد وثاقي بأغنيات حبيسة/ ارنو لملامح وجه سرقته دفاتر الحياة/ جسدي لم يعد يتسع/ لرقص جديد/ والارض مصابة باليباس."
يشعر القارىء بضرورة المقارنة بين هذه الموسيقى النابعة من طريقة ابراز النص نفسه وتلك الناتجة عن قافية باردة مملة تفيض بالافتعال. يقول "اطل من الشرفات/ القلب يفر مثل طفل تأكله الذكريات/ اطير كرف حمام في حزن المفردات/ هل يحفظني ريشي المنتوف على وجع الكلمات/ يأت لقلبي المتكاثر في الشظايا/ كل المرايا تقرصني من طرف القصيدة/ وشرفاتي تئن من تكاثر دمي في الجهات/ انا نثر الصبايا/ ونثري ماض في الحياة."
ويتبع النهج نفسه في مجال تال اذ يقول "مزيدا من الخسارات/ مزيدا من دمنا المراق في الطرقات/ مزيدا من الرحيل في الرحيل/ مزيدا من غرف الغاز على مساحة الجسد القتيل/ مزيدا مزيدا من رقصنا في الحلبات/ مزيدا من لغة العشق/ تتبعها ميجانا جرحنا للممات".