«قال ما تبتغيهِ يبدو محالاً....... قلتُ: إنّ المحالَ من مأمولي»
فريد الدين العطّار
أنا من أعراق فارس
أرضعتْني شيرازُ عسَلاً
من نحْلٍ يمرحُ في مغانيها
سقتْني معينَها العذبَ لَبَناً رائقاً
أطعمتْني حَبّاً سُكَّراً نباتاً
جناحاي يتخايلان بين خمائلَ
أزهى من شِعْبِ " بوان "
فقوادمي أقوى من الريحِ العاتية
وخوافيْيِّ أكثر نعومةً من الحنان
لستُ طيراً كاسراً ذا مخالبَ جارحة
وجهي تعلوهُ المهابةُ والوداعة
تاجي مرصّعٌ بالجمال الآسِر
لم أكن يوما ثلاثينيا كما يُخيّلُ إليكم (*)
فأنا أتطيّرُ من عقودِ الأزمان
لم ألدْ من قحّ بيض
لكني خُلِقْتُ من ريشةٍ مغمسةٍ بألوان السماء
بيدِ ساحرٍ لايتقنُ سوى البدائع والأعاجيب
أبهرَ الملأَ بأناملِهِ
لأنها خُضِّبتْ بحنّاء الملائكة
وهي تتبركُ بهِ
ومُزِجت بزرقة السماء والبحر سويّةً
أما رياشي فقد أنبتَها اللهُ بمحيط جسدي
وسقاها عطرَ جنانِه
لم يكنْ لي كفواً أحد
لا من الفينيق الطالع من الرّماد
أو مارجِ النارِ ، أو سموِّ اللهب
لأني جمرٌ زرادشتيّ الهوى
ولَهَبٌ يتعالى على التراب
توسّلَ القوسُ قزح واستعار بعضاً من ألواني
فوهبْتهُ حزمةً منها
ثمّ أقبلت الفسيفساءُ وقبّلتْ جناحيّ طائعةً
ارتحلتُ في مخيلتِكم مراراً
ونصبتُ شباكي مصائدَ للعيونِ الساحرة
تتطلعُ طيور الحُبِّ الجميلة الملوّنة نحوي
تستأذنني لِتغنِّي تسبيحَ الغروب
وتمدّ رقابَها انبهاراً بي
لكنني لستُ نرجسيا مختالاً فخورا
أتبخترُ كالطاووس
ربما يكون شبيهي في الألوان
بيدَ انه أحمقُ القدَم ، بأصابعَ مقززة.
كثيراً ما أجولُ في أساطيرِكم
طائراً في أجواءِ قصصِكم
متألقاً كالشمسِ في رسوماتِكم
غير أني لاأتراءى في قصائدِكم
ولاأبدو جميلا وضّاحا في أشعارِكم
ولأني مغامرٌ دؤوب يأنفُ الاستكانة
ليس يكفيني أن أكونَ مرأىً جميلا لعيونِكم
ولا أقنعُ بان أبهرَ من يشدّ انتباهي
تراني أرتقي في أرواحِكم
وأزيلُ ما يعكِّر صفْوَها
وأنسلُّ كالضوء في بصَرِكم وبصيرتِكم
ولا أموتُ كفراشةٍ تعشقُ ألقَها
أحبُّ أن أكونَ دواةً في أوراقِكم...
أهيمُ في وديانِكم المترعةِ ...أيها الشعراءُ
أحبّ أن أصهرَ في أفرانكم ...أيها المثّالون
أحكي معكم كلَّ الحكايات المشوّقة
كم شعراً سمعتُ
كم لوحةً رأيتُ
كم قمراً تطلّعتُ في الليالي
كم نجمةٍ راودتني عن نفسها فأبيت
لأني طاهرُ القلب...السماءُ أحبّتني
الينابيعُ روتْني
الأرضُ أنضجتني
الحقولُ أخذتني بأحضانِها
الجبالُ منحتْني كبرياءَها
البحارُ أهدتْني سخاءَها
لكنّما الشِّعرُ أبى أن يطاوعَني
يحيدُ بوجهِه عني
ويشحُّ بصرَه كلما رآني مقبلا نحوه
فاتحاً صدري لعناقِهِ
كيف السبيلُ إلى إقناعه
وتهدئةِ نزقهِ ؟!
أرشدوني أيها المبصرونَ العرّافون
أكادُ أسخطُ عليكم غضَباً
مللْتُ الوقوفَ في وادِيَّ العشقِ والحيرة(*)
فأنا أبغي الهيامَ بصحبتِكم
أسامرُكم في حلِّكم وترحالِكم
أشحذُ أقلامَكم نصاعةً
أهزّكم من غفلةٍ أو سكرةٍ
تذهبُ بكم بعيدا
تطيحُ بكم بغتةً
فيقظتي وسعت الآفاقَ كنجمٍ يأبى النوم
يوماً ما ستأتون إليَّ طائعين
تفرشون لي كلماتِكم ؛ مباهجَكم
أنتقي أحلاها ، أصدقَها وصفاً
أحيطُها حولي كوصائفَ حول مَلِكتِها
يوما ما ستركعون تحت قدَميَّ
طالبين المغفرة والصفحَ عن نزواتكم
سأقبلُ اعتذاركم لأني أحبّكم
مهما تذمّرتم مني وأدرتم ظهورَكم جفوةً
سأفرشُ بساطي احتفاءً
انتظارا لِلَيلةِ قدومِكم
سلاماً هي حتى مطلعِ اللقاء
jawadghalom@yahoo.com
__________________________________________
*) السيمورغ : طائر أسطوري الملامح تخيّله الكاتب والفنان الفارسي فريد الدين العطّار وكتب عنه وفقاً للنهج المثنوي في الأدب الفارسي وبمنحىً صوفيٍّ بارز
*) السي مورغ: تعني لغوياً الثلاثين طائرا بالفارسية
*) واديا العشق والحيرة ؛ من الوديان السبعة كما يراها الصّوفيون