كشفت ندوة الرحلة العربية في الف عام - اكتشاف الذات والآخر- المنظمة من قبل المركز العربي الأدب الجغرافي (وعلى رأسه الشاعر نوري الجراح) بتنسيق مع وزارة الثقافة ومجلس الجالية المغربية بالخارج، كشفت عن إضافات كمية و نوعية أيضا لهذا الفضاء، فضاء النص الرحلي، الذي قد يدق إلى أن يصبح في حجم نقطة ماء. وقد يتسع، من ناحية أخرى، ليصبح في عرض السماوات والأرض.وفي الحالتين. فالنص ا لرحلي - في جوهره- تجربة الكائن الإ نساني في اكتشافه لذاته، وفي اكتشافه للآخر في الوقت ذاته، وأصبح من المتعارف عليه لدى الباحثين والمهتمين وبفضل النص الرحلي، أن الحديث عن الذات، هو حديث عن الآخر بالضرورة.وأن - من ناحية أخرى -النص الرحلي « نص مرأوي» ترى فيه الذات، بعد انتهاء فعل الرحلة الجسدي سواء كان واقعيا أو متخيلا، ذاتها وملامحها المكتشفة بعد فعل الكتابة. لاغرابة إذا كان أول المتلقين هو الرحالة ذاته. ومن ثم تصبح الطروس خرائط الروح - و»دلائل» الفكر- وكشافات المعرفة. و«مراوية» النص الرحلي لم تمنع- كما وقع للراوي في رواية «موسم الهجرة إلى الشمال»- من انطباع صورة مصطفى سعيد، عوض أن تنطبع صورته كما يجب أن تفعل المراة. ولعل ذلك هو الدرس البليغ للنص الرحلي الذي يقدم الذات الكاتبة ، اثناء ارتحالها في الآفاق ، مقدما في الآن نفسه، توائمها الروحية والفكرية.النص الرحلي ، إذن ، نص ذات تستظل بذوات أخرى ، سلبا أوإيجابا، مباشرة أوضمنا، همساأو صخبا ، كتابة ورسما. ماهي أهم الإضافات ، الكمية والنوعية،طيلة هذه الأيام الثلاثة؟
1- التأكيد على الجانب المعرفي للنص الرحلي ، كشفا ونقلا وتأكيدا.من هنا قدمت العديد من المداخلات، على اختلاف مواقع المتدخلين الفكرية والمنهجية، نصوصا جديدة ، من جهة، أوتأويلات لنصوص سبق الإشتغال عليها من جهة ثانية.الرحلة ، بهذا المعنى، « تا ريخ من لاتاريخ له»، بحكم موازاتها ، وتقاطعها مع التاريخ الرسمي الذي لم يتوقف ،إلا في ما ندر، عند الكائن في مساره اليومى بحميميته وغلائقه وتشابكاته المختلفة . الرحلة كتابة البصر والصيرة، الظاهر والباطن. الرحلة معادل للحياة في الرائحة واللون والطعم من خلال تجربة إنسانية تقوم على «ديمقراطية» التأليف والتلقي في ان واحد.
2- شكلت فقرة الجائزة ، جائزة ابن بطوطة للأدب الجغرافي، تقليدا هاما رسخ أساليب التعامل مع النص الرحلي في أبعاده المختلفة.واغتنت الجائزة ، فضلا عن فقرة الرحلة المعاصرة- بإضافة فقرتين متميزتين هما:-جائزة الرحلة الصحفية.- جائزة اليوميات.وتجدر الإشارة إلى أن فقرة الجائزة ، بمختلف فروعها، ساهمت في التحفيز على التعامل مع هذا النص المراوغ ، وفسح المجال للتنافس الشريف بين الباحثين والمهتمين بهذا المجال.
3- 3- وفي السياق ذاته زخرت هذه الأيام الثلاثة ، بمداخلات الباحثين التي قاربت النص الرحلي من مواقع مختلفة.
4- 4- هكذا اغتنت الندوة، طيلة الأيام الثلاثة، بمقاربات عديدة تنوعت مرجعياتها وطرق اشتغالها .وتجدر الإشارة إلى إمكانات النص الرحلى ، سواء على مستوى الموضوع أو على مستوى الخطاب، في تحريك مجال البحث وانشغالاته المنهجية.وبالمقابل قدرة المقاربة النقدية على تفكيك بنيات النص الرحلي. ومن ثم توزعت المقاربات بين « الموضوعاتية» والتاريخية، بين المنظور الجغرافي والمقاربة الإثنوغرافية ، بين الأدبية ، سيميائيا وسرديا وجماليا ، والتحليل السياقى المرتبط ب»تاريخ الأفكار» علاقة الداخل بالخارج ( الهنا والآن) ،بين سير الرحالة والمغامرين ، و»الصورلوجيا»المعتمدة على الوصف المقارن، بين «الكارتوغرافيا» و»فضائل المدن»، بين التراثي والحداثي، بين الرصد والتأويل (الهيرمونيطيقا) .ويحق لنا أن نتحدث الآن، بعد توفير هذا المنجز الرحلي ، كما ونوعا، أن نتحدث عن بداية تيلولر اتجاهات محددة في البحث الرحلي ، علما أن هذا الأخير يظل فضاء نصيا ثرا مفتوحا على مختلف المقاربات . واستطاع هذا اللقاء الخامس إبراز _ والمعرض الموازي للندوة شاهد على ذلك_« الببليوغرافيا» الهامة التي أنجزها المركز العربي للأدب الجغرافي في مجال المطبوع الرحلي تحقيقا ونقدا وإبداعا.والمتابع لهذا الرصيد المنجز ، سيتأكد من دلالة هذا العمل ، في الساحة الثقافية، الذي تم إنجازه ، في زمن قصير، من جهة، وبوسائل رمزية من جهة ثانية. وهذا ماعجزت عنه دور ومؤسسات محترفة تملك الكثير منة الإمكانات المادية والمعنوية.
5- 5 - وبالإضافة إلى هذا وذاك تميز هذا المنتوج بجمالية مميزة حققت متع للعين والروح. فالمطبوع والمرسوم والمنحوت والمصور .. كل ذلك أدمج في سياق إخراج متقن للكتاب الرحلى الذي تكامل فيه الخط ، او «الكاليغرافية»، بمختلف العناصر المشار إليها سابقا ،فضلا عن اللون ، مما جعا من المؤلف الرحلي «أيقونا» تتجمع فيه بؤر الماضى والحاضر ، السفر في العوالم،، و»العبرية» الثقافية ةالحضارية. ولما كان المكان طبقات نصية تسامقت عبر الرحلات والرحالين في الزمان والمكان ، فإن هذا الأخير يظل وشما يلوح عبر الذين مروا، ويمرون بهذه الأمكنة مشعة بعطاء لاينضب. في هذاى السياق تم تكريم علمين بارزين من المغرب والمشرق. الأستاذ عبد الهادي التازي وسيرته العلمية المحايثة ل»أمير الرحالين» ابن بطوطة. والأستاذ علي كنعان بإنجازه الشعري ، والأدبي، في مجال الرحلة تحقيقا وصياغة جديدة وإبداعا لأسمائها الشهيرة مثل ابن جبير وابن بطوطة والطهطاوي..بذلك يكون اللقاء الخامس للمركز العربي الأدب الجغرافي قد أضاف لبنة أخرى للبحث ا لعلمي في هذا المجال المراوغ ، مجال النص الرحلى ، الذي يفاجئ الباحث فيه بتعدد مستوياته الفكرية التعبيرية والحضارية . فخطابه ملتقى لكل المعارف والأنساق والأجناس ، تحت هيمنة بنية السفر التي تسمح بالحديث عن خصوصية نص يتيح أمكانات الحوار بين الأمم والثقافات ، وبين الأساليب والمقاربات.ولاشك ان التوصيات التي انتهىإليها اللقاء، جسدت، من جديد،خصوبة المتن الرحلي بمختلف مستوياته، بعد أن تم الإلحاح على استنبات النص الرحلي في المدرسة والجامعة وصيغ التداول اليومي، فضلا عن مقترح «ابن بطوطة الصغير» المستوحى من «أدب السفر» والموجه ،من جهة ثانية، للمسافر القادم