اتجاهات البحث الرحلي بالمغرب:خطاطة أولية

عبدالرحيم مؤدن

لعل أهم ظاهرة ، إبداعية ونقدية، في العقد الأخير من الألفية الثانية، والعقد الأول من الألفية الثالثة، جسدتها الكتابات المتمحورة حول المتن الرحلي، إبداعا وتحقيقا ونقدا وتنظيراومقررات جامعية‘ فضلا عن الروابط والجمعيات واللقاءات الوطنية والمؤتمرات الدولية، دون نسيان ديناميكية الطبع والنشر التي اغتنت بعوالم الرحلة، وفضاءاتها الغنية، و خطاباتها المميزة، ووظائفها المتعددة في تاريخ الفكر، وتاريخ المجتمع بمختلف مستوياته وأبعاده.

الرحلة والنص

شكلت الرحلة مكونا  هاما من مكونات الثقافة المغربية، منذ العصور القديمة.، لأسباب  عديدة منها الحج إلى بيت الله الحرام،  فضلا عن عوامل أخرى من تجارة وعلم ( إجازات الشيوخ والعلماء) ورحلات زيارية للأقطاب والأضرحة... وتكفي الإشارة إلى رحلة ابن بطوطة1- ااستغرقت ثلاثة عقود- التي جسدت رحلته فارقا نوعيا ، في الكتابة الرحلية،وقضاياها الفكرية والتاريخية والمجتمعية. غير أن هذه المركزية النصية- إذا صح التعبير- اتسمت بالجوانب التالية:

أ- كثرة الرحلات، على مستوي الفعل‘ وقلتها على مستوى النص. ومن ثم  لم يتردد القدماء في التفريق بين الحاج والرحالة. فالأول من  اكتفى بالمناسك، والثاني من قام بالمناسك وسجل تجربته الحجية، كتابة أو رواية، عبر نص محدد.

ب- اعتبار النص الرحلي نصا من الدرجة الثانية. ومن ثم فهو مجرد ملحق لنص أهم- حسب المفاهيم الأدبية  والنقدية السائدة في تلك الفترة، مثل النص الشعري خاصة، أو غيره من النصوص المنتمية إلى المدونة الأدبية المتداولة.

ج- تحويل النص الرحلي إلى مجرد شاهد في مواقف عديدة، سواء كانت علمية( شاهد نحوي/درس علمي معين/.)أو تربوية( الإستشهاد بسيرالرحالة وتجاربهم المختلفة).

د_ إهمال الجانب الشكلي للنص الرحلي إهمالا تاما، بسبب التركيز على الموضوع، أو المحتوى، من جهة ، وإهمال ، من جهة ثانية، مكون الخطاب الرحلى مادام هذا الأخير" حكاية سفر" يتوازى فيها مع السرد السائد، ويتقاطع معه في آن واحد من خلال خصائص نوعية – سنتعرض لها في حينها- أفرزتها بنية السفر المهيمنة موضوعا وخصائص فنية في الصياغة والتشكيل.

اتجاهات البحث الرحلي بالمغرب

لايمكن الحديث عن مفهوم الإتجاه، بنوع من الصرامة النقدية، في هذا السياق، مادام البحث النقدي في هذا المتن العريق لم- كما سبقت الإشارة- يتجاوز العقدين من  الزمان. وأقصد بالبحث النقدي التعامل مع الخطاب الرحلي من موقع معين يعكس مكونات هذا الخطاب الفكرية والجمالية عوض الإكتفاء بطبيعته الكمية- كمسافة قولية- قد تطول أو تقصر،من جهة، وتحويل النص الرحلي- كما سبقت الإشارة- إلى مجرد حامل للمعرفة بمستوياتها المختلفة، علما ان المعرفة خصيصة من خصائص الرحلة، دون أن يكون ذلك على حساب النص الذي يخضع لما يخضع له النص عادة – سواء كان أدبيا أو غير أدبي- من قوانين الخطاب مجسدة في القول ، وكيفية القول.الإتجاه ، إذن‘ في هذا السياق،  حقق تراكما ملموسا نابعا من ا شتغاله على المتن الرحلي من مواقع مختلفة على الشكل التالي:

1.  التوجه الأول يتجسد في ظاهرة  التعريف بالنص الرحلي  تحقيقا وتعليقا وتعريفا بكتابه من جهة، وبأهميته المعرفية‘ خاصة‘ من جهة ثانية. وفي هذا المجال لابد من التأكيد على دور العلماء المغاربة الرواد ا لأجلاء الذين    قدموا الكثير من الجهد والمعاناة بحثا وتنقيبا في المكتبات الخاصة والعامة ، للكشف عن هذا التراث الهام وتقديمه في حلة مستساغة  طبعا وتفسيرا وتعليقا..

من بين هؤلاء الأعلام نذكر:

أ- عبد السلام بن عبد القادر بن سودة المري: دليل مؤرخ المغرب الأقصى_( دار الكتاب . البيضاء.ط 2. ...1965.

.خاصة القسم السابع المعنون ب: في الرحلات التي صدرت من رجال المغرب أو من رحل إليه أورحل فيه).

وأهمية هذا المصدر، تكمن في تقديمه انصوص رحلية غميسة‘ فضلا عن تعريفه المختصر بموضوعها ووجهة صاحبها  في المكتبات الخاصة والعامة.

ب_ عبد العزيز بنعبد الله: وهو باحث موسوعي في  ميادين عديدة،  خاصة في الميدان الحضاري الذي كرس له الباحث  دراسات عديدة، ومطبوعات مختلفة ، ومنشورات  غنية انسحبت على المعمار والتاريخ السياسي والعسكري والثقافي للدولة المغربية في تحولاتها  عبر التاريخ. ويهمنا في هذا السياق الإشارة إلى إصدار ه الأخير حول المتن الرحلي  الذي اتخذ المغرب موضوعا مركزيا منة موضوعات السفر.2.

ج- محمد الفاسي:  وهو  من الباحثين الموسوعيين، أيضا، في مجالات أدبية( شعر الملحون أو الزجل المغربي ) أو غير أدبية من تاريخ وحضارة وترجمات  مختلفة في ميادين معرفية متعددة.

وقد لعب محمد الفاسي دورا مركزيا في التعرسف بالرحلة المغربية تحقيقا ودراسة.3.

د_ محمد المنوني: يعد العلامة محمد المنوني من رواد البحث في الميدان التاريخي- بأبعاده الحضارية- الذي تجسد في  سفره الهام- بأجزائه الثلاثة- المعنون بمصادر تاريخ المعرب، والذي أفرد في كل جزء من أجزائه قسما خاصا بالرحلة المغربية تعريفا بأعلامها، وتلخيصا لموضوعها، تحديدا لنمطها، وضبطا لمظانها سواء تعلق ذلك بالمكتبات العامة او المكتبات ا لخاصة. 4.

والقاسم المشترك بين جهود هؤلاء الرواد يكمن في  نفض الغبار عن المتن الرحلي المغربي الذي ظل، لقرون عدة ، عرضة للتهميش، أحيانا، والموت البطئ ، أحيانا أخرى، في المكتبات الخاصة والعامة. ومن ثم  انصرفت جهود هؤلاء الرواد نحو الكشف عن هذا المتن الغني ، بتجربته الإ نسانية، من جهة ، ومعارفه المتعددة، من جهة ثانية، تحقيقا وضبطا وفهرسة ورصدا لمظانه ، شرقا وغربا، مقارنة وتعريفا بالرحلات والرحالين.

2. يأتي التوجه الثاني ، في هذا السياق، لينصب الإهتمام على النص الرحلي من موقع وظيفي. وعلى هذا الأساس ، يتم توظيف الرحلة في مجال العلوم الإنسانية من تاريخ وجغرافية وأنثربولوجيا وقضايا اجتماعية ‘ وموضوعات أدبيةإلى غير ذلك من الموضوعات.

ويمكن  تقسيم هذا التوجه التوظيفي على الشكل التالي:

أ_  توجه " ثيماطيقي"، أو موضوعاتي، يوظف الرحلة في سياق " ثيمة" محددة ارتبطت بمجال من مجالات المجتمع المرتحل إليه.فرحلة ابن بطوطة، 5على سبيل المثال لاالحصر،اشتغل عليها الكثير من الباحثين المغاربة من مواقع مختلفة انسحبت على" الهاجيوغرافيا"، أو سير الأولياء ورجال الطريق بكراماتهم ومناقبهم وأضرحتهم، أوقد تنسحب هذه الأبحاث على التاريخ الإجتماعي، من عادات وتقاليد وظواهر اجتماعية مختلفة في العمل الأكل والشرب واللباس ، فضلا عن طبيعة المعمار  من أسواق ومساجد ومصالح مختلفة.هكذا تصبح الرحلة نصا موازيا للنص التاريخي، بل إنها تجسد وثيقة ل" اليومي" الذي قد لايلتفت إليها التاريخ الرسمي  بحكم متابعة المؤرخ للأ حداث والوقائع ، في الزمان والمكان، محاولا استخلاص قانون الصعود والإنهيار  للممالك  والأنظمة والمؤسسات القائمة.أما بالنسبة للنص الرحلي، فالهاجس الأساس للرحالة يكمن في التقاطه لنبضات المجتمع، وحركيته المتسارعة، في مختلف مظاهر الحياة اليومية،وتجلياتها في الزمان والمكان من جهة، وعبر، من جهة ثانية، تفاعلات الرحالة بما يقدمه المكان من مرئيات وقيم مادية ورمزية، وخصائص محددة. وبالإضافة إلى هذا وذاك، تقدم الرحلة ، في الكثير من جوانبها، فضاء المسكوت عنه في التاريخ الرسمي ، او المتداول.

ب- توجه علمي بجعل من النص الرحلي وثيقة تاريخية  تدعم  الوثائق التاريخية  المنتجة من قبل المؤرخ المشتغل بالتاريخ.ويمكن تقسيم هذاالتوجه إلى قسمين:+- قسم ينكب  على تحقيق المتن الرحلي  من منظور المؤرخ- والكثير من  محققي هذا القسم ينتمون إلىالتاريخ-6. مضيفا إلى تجربة التحقيق السابقة – تجربة الرواد-  خصائص علمية جديدة في الفسير والتأويل من جهة، وربط- من جهة ثانية- النص الرحلي بحركية التاريخ السياسي والإجتماعي لمرحلة من مراحل التاريخ الوطني، وتفاعلاته، مع محيطه العربي والإسلامي.+_ أما القسم الثاني ، فمنطلقه الأسا س  يقوم على اعتبار الرحلة نصا للإستئناس به في لإضاءة مرحلة معينة من جوانب مختلفة- بما فيها الجانب التاريخي- تفاعلت فيها عناصر عديدة  جمعت بين الذاتي والموضوعي، المعرفة العلمية والحدس الثاقب.هكذا تتحول الرحلة إلى شاهد من الشواهد المضيئة  لمجال من المجالات التاريخية أو الإجتماعية أو الأدبية.

3. أما التوجه الثالث فهو الذي يبحث فيه أصحابه في[ أدبية الرحلة] التي تنطلق من التعامل مع النص كخطاب أدبي لايختلف عن  أنواع الخطاب الأدبي المتداولة. ماالمقصود ب[أدبية الرحلة]؟7.

1.الرحلة تجربة ذاتية ينفعل فيها الرحالة بما يراه، أو ما يصله،  من أخبار ومرويات ووقائع.وبالرغم من انضواء الرحلة تحت غطاء النصوص المرجعية،8فإن  منظور الرحالة الخاص يظل متحكما في الرؤية والرؤيا في الوقت ذاته.فحديث  ابن بطوطة عن طائر الرخ الذي تماهى مع الجبل المتحرك في عرض البحر، أو- من ناحية أخرى-   وصفه لقاعدة الهرم بالدائرية،أقول إن هذ ا التوصيف  لايجب أن يحاكم بمقياس الصدق او الكذب، بل يجب إخضاعه لمفهوم الكتابة الأدبيةالتي تتضارب فيه الأحاسيس، وتتفاوت فيها درجات البصر والبصيرة، وتتنوع فيها أساليب المقاربة لموضوع محدد.

2.غير أن الأدبية قد تمتح من المدونة الأدبية السائدة من شعر ونثر وأجناس أدبية، وغير أدبية أيضا، متداولة. وهي- الأدبية- في الوقت ذاته تؤسس لمكو ناتها الخاصة التي تتفاعل مع عناصر الأدبية السائدة وتتقاطع معها في آن واحد.

3. من أهم عناصر هذه الأدبية التي تتوفر في المتن الرحلي نذكر الآتي:

أ_ الرحلة  نص ينتمي إلى [ أدب السفر]. والسفر ، في الرحلة، بنية مهيمنة من  بداية النص إلى نهايته، بخلاف نصوص أدبية عديدة  يحضر فيها السفر بجانب  مكونات أخرى  تحظى بالأهمية أكثر من السفر ذاته. فالقصيدة العربية القديمة ارتحلت فيها الظعائن، لكن البنية السائدة في النص  تدين بالولاء للمكون الشعري. وقد نجدالسفر في الرواية ، أو المسرحية،غير أن الفاعل في النص يعود إلى العنصر الروائي أو المسرحي.  ولما كانت  الرحلة[ حكاية سفر] ، يصبح هذا الأخير  خصيصة بنائية تتجاوز لحظاتة الإنتقال من مكان إلى آخر، نحوإنتاج خصائص نوعية يمكن إجمالها في الآتي:

 +- السرد " الطوبينيمي"- 9إذا صح التعبير- الذي يحتفل ، أساسا، بالحكي عن المكان بمعجم خاص، لايكتفي فيه الرحالةبترديد أسماء الأمكنة المرتحل إليها، بل إنه لايتردد في صياغة- خاصة إذا كان المكان لاينتسب إلى مرجعيته الثقافية- اسم المكان  صياغة جديدة منتجا بذلك مستويين اثنين:

= مستوى الكتابة عن المكان وصفا ورصداومقارنة بغيره من الأمكنة.

= مستوى الكتابة بالمكان ، أى صياغته صياغة جديدة تجعل منه  فضاء،  انتقل المكان،بواسطته، من طبيعته الجغرافية إلى طبيعته الدلالية.فالرحالة المغربي ، في القرن19، اعتبربلاد الآخرأرضا للكفر، و" باريس جنة النساء وجهنم الخيل".وحديقة الحيوان مجرد " جنان الوحوش"...10

+ السارد الجوال: وهو السارد المختاف عن السارد العادي الذي يسرد من موقع الثبات في مكتبه. السارد في الرحلة يسرد ، من موقع الحركة الدائمة، منتقلا إلى المكان، موظفا حواسه الخمس، أو الست، مستندا إلى  البصر والبصيرة.

+ المسرود له في الرحلة مرافق للرحالة في رحلته، خاصة أن العالم المقدم من قبل الرحالة قد يجهله المتلقي، أحيانا، أو قد، أحيانا أخرى، يحمل عنه صورة مضببة أو خاطئة. ومن ثم يحضر ضمنيا المسرود له ، في الرحلة،  مما يفسر سيادة النزعة التعليمية في الرحلة من جهة، والإحتفاء، من جهة ثانية، بالمعرفة الواسعة للعوالم المختلفة المقدمة من قبل الرحالة.

    + - ومن عناصر الأدبية الوصف المقارن ما دام الرحالة يحمل مكانه الخاص اثناء الإنتقال إلى مكان غريب عنه. والوصف المقارن، في هذا السياق، قد يكون مفاضلة بين مكان اللرحالة ومكان المرتحل، أو قد يكون  نقدا، لكل من المكانين، بحثا عن المكان الأفضل.

+- و من أهم عناصر الأدبية في النص الرحلي خضوعها لأقانيم ثلاثية تتحكم في العملية السرديةوهي التالية:

1. أقنوم المؤلف الذي يحيل على شخص حقيقي ينتسب إلى اسم العلم الذي يحيل بدوره على الوجود الواقعي للشخص المكون من لحم ودم.

2.الأقنوم الثاني تجسده الشخصية التي تحيل على السارد( الراوي) الورقي، أي المصنوع من ورق وأحرف وكلمات. ومن ثم فهو المنتج لحكاية السفر، أى منتج القول. وهو، أيضا،  متحكم في توزيع الكلام على باقي الشخصيات، أو  المشاركين له  في الرحلة.إنه المتكلم بضمير المتكلم- مفردا أو جمعا- دون ان يمنح لمرافقيه في السفر حرية الكلام.فاستعماله لضمير الجمع ماهو إلا قناع لإخفاء سلطته  المتحكمة في الفعل والقول. ومن ثم ف (نا) الدالة على الجمع خاضعة لضمير المتكلم المفرد، بالرغم من الإيهام بضمير الجمع الذي يخدم في النهاية ضمير المتكلم المفرد بحكم دوره في الشهادة على ما رواه الرحالة، خاصة أننا لانلمس في الرحلة ملامح محددة للمرافقين للرحالة ، سواء على المستوى المادي ، أو النفسي. فضمير الجمع خاضع لسلطة ضمير المتكلم ، طوال الرحلة، دون اعتراض،أو مواجهة.

3. أما الأقنوم الثالث فهوالمتعلق بالشخصية  المحورية الجسدة في ( البطل) المركزي، أي الرحالة، الذي يتحكم في مسار الرحلة بمختلف مراحلها. فهو منتج الأفعال، سلبا أو إيجابا،  من بداية الرحلة إلى نهايتها. ومن الطبيعي أن تتحكم الشخصية المحورية في باقي الشخصيات  ، فضلا عن دورها في المسار الرحلي زمانا ومكاناوموقفا من المرئيات المختلفة ، بانعكاساتها المختلفة على الرحالة والمرافقين له في الرحلة.

 من خلال الأقانيم السابقة  تقترب الرحلة من السيرة الذاتية، بأقانيمها الثلاثة المشار إليها أعلاه،  بل إ ن  رحلات عديدة كا نت بمثابة سيرة ذاتية    لصاحبها  كما هو الشأن عند ابن بطوطة الذي قضى في السفر ما يقرب من ثلاثة عقود. غير أن الطابع " الأتوبيوغرافي" في الرحلة   ينا فسه الطابع " البيوغرافي" المتعلق بسيرة الأمكنة، وهي حجر الزاوية في المتن الرحلي. فالنص الرحلي هو  حكي عن المكان ، من  مواقع متعددة. حكي عن المكان بحكم تمحور هذا الأخير حول موضوع الحكي، بل إنه الموضوع المركزي في الرحلة بكل أوصافه المادية والرمزية، فضلا عن محمولاته  التاريخية والحضارية وتحولاته في الماضي والحاضر ، حاضر الرحالة.   

وتجدر الإشارة إلى أن هذا التوجه  المحتفل ب( أدبية الرحلة)  ، يظل مخلصا  للثوابت التالية:

1. اعتبار النص الرحلي جنسا أدبيا قائم الذات من خلال مكونات  الثابتة( بنية السفر المهيمنة موضوعا وخصائص جمالية وأبعاد فكرية ورمزية) أو مكوناته المتغيرة التي انسحبت على أنواعه وأنماطه من رحلة حجية( حجازية) أو سياحية، أو سفارية( دبلوماسية) أو (فهرستية) يرتحل فيها ا لرحالة للقاء شيوخه‘ أو زيارية( زيارة الأولياء ورجال الطريق)‘ أو صوفية يتداخل فيها المكان المادي بالمكان الرمزي..

2. وعلى هذا الأساس لم تعد الرحلة نصا تابعا لنص أكبر، شعرا أو نثرا، من جهة ولم تعد، من حهة ثانية،  نصا من الدرجة الثانية‘ بالقياس إلى الشعر ، على سبيل المثال لاالحصر.إنه نص مثل باقي النصوص، التي  قد يتوازى،أو يتقاطع معها،  خاصة النصوص السردية، في مواقع كثيرة، بل يمكن القول بأن الرحلة  قد أثرت في نصوص عديدة، وساهمت ، من جهة ثانية، في إنتا ج أنواع عديدة مثل "  الروبورتاج"، أو التحقيق الصجفي، فضلا عن الدليل الذي قد يكون صادرا عن رحلة، أو محفزا على القيام برحلة في المستقبل. هكذا أصبحت الرحلة نصا تأسيسيا في العديد من أشكال التعبير من شعر ونثر وتصوير فوتوغرافي، وأشرطة سينيمائية، ورسم تشكيلي…

3. وساهم هذا التوجه في تنويع طرائق الإشتغال على المتن الحكائي،  سواء من موقع  السرديات( عبدالرحيم مؤذن11.  شعيب حليفي12، أو من موقع ( الأدب المقارن) خاصة في جانب( الصورلوجبا) التي  تطرح جدلية ( الأنا) و(الآخر) عبرمانحمله من صور ، أوأوهام متبادلة بين العالمين.( عبدالنبي ذاكر13/ الطائع الحداوي14)، أو من موقع القضاياأ او الثيمات المركزية في  المتن الرحلي سواء على مستوى الذاكرة( الأندلس  على سبيل المثال لاالحصر( أحمد بوغلا)، 15أو من موقع التحقيب،والتركيز على علم من أعلام الرحلة أو أمكنة محددة ذات بعد رمزي أو حضاري16( عبد الهادي التازي و' ابن بطوطة/ و فاطمة خليل 17/حسن الشاهدي18…)

وفي السياق ذاته، اعتبر اتجاه ( أدبية الرحلة)  نصا ثقافيا بالمعني الشامل.   من ثم لم تتوقف حركة التحقيق للمتن الرحلي بطرائق جديدة استفادت من الرواد المشار إليهم سابقا، مطعمة، في الوقت ذاته، هذه الممارسة العلمية بوقفات منهجية، ومقدمات ضافية تؤطر النص تاريخيا وأدبيا وحضاريا ( خالد بن الصغير/19 عز المغرب معنينو20/ محمد بوكبوط21/ سالم القرشي22/ سعيد الفاضلي23/ عبد المنعم بونو24 محمد الظريف25 / محمد زروق26/ عبدالرحيم بنحادة27- بوشعيب الساورى..). وبفضل هذا التوجه  الجديد، استفادت – وأفادت أيصا- الرحلة من النقد الثقافي الذي قارب المتن الرحلي من مواقع جديدة تكاملت فيها عناصر منهجية مستوحاة من مصادر معرفية متعددة، وعلوم إنسانية متنوعة، جعلت من النص الرحلى نصا متجددا، ومنفتحا على كل المعارف ، والممارسات الأدبية والنقدية‘فضلا عن دوره في التواصل بين الشعوب والأجناس مادام النص الرحلي نص الإختلاف بامتياز./.

 

هوامش:

1.رحلة ابن بطوطة.تحقيق وتقديم . محمد عبد المنعم العريان. دار إحياء العلوم. بيروت.ط.3.    1996

2.  هو مثقف موسوعي مهتم بالحضارة المعربية، وألف في العديد من المجالات / ومنها المجال الرحلي.

3. محمد الفاسي:رحلة العبدري.جامعة محمد الخامس.1968.

4. محمد المنوني:

5.خاصة الدكتور عبد الهادي التازي. انظر مجلة المناهل الصادرة عن وزارة الثقافة المغربية، خاصة العدد الخاص بابن بطوطة.‘.60. يناير2000.

 6. مثل عبدالرحيم بن حادة زعبدالرحمان المودن  وعبد الأحد السبتي وغيرهم من المؤرخين الذين سيردون لاحقا في سياق هذه الهوامش.

7.عبدالرحيم مؤذن: أدبية الرحلة. دار الثقافة. البيضاء.1996._ الرحلة في الأدب المغربي. إفريقيا الشرق. البيضاء.2006.

_الرحلة التتويجية إلى الديار الإنجليزية ل( الحسن الغسال). تحقيق وتقديم.عبدالرحيم مؤذن. دار السويدي. أبو ظبي. 2003.

8. مثل السيرة الذاتية والمذكرات و اليوميات..

9.علم أسماء الأماكن.

10. ادريس العمراوي: تحفة الملك العزبز بمملكة باريز. تحقيق ، زكي مبارك.

11. عبدالرحيم مؤذن: مستويات السرد في الرحلة المغربية خلال القرن 19. دار السويدي. أبو طبيز2006.

12. شعيب حليفي : الرحلة في الأدب العربي

.دار رؤية.  مصر.

13. عبد النبي ذاكر: المحتمل في الرحلة العربية إلى أوروبا وأمريكا والبلاد الروسية. دار 2005السويدي.أبوظبى.

14. االطائع الحداوي الذي قدم تحليلا سيميائيا للرحلة الديبلوماسية.

15.أحمد بوغلا: الرحلة الأندلسية.الأنواع والخصائص. دار أبي رقراق.الرباط.2008.

16.عبد الهادي التازي:

17.  الرحلة في الأدب المغربي. رسالة مرقونة بكلية الآداب بالرباط.

18.أدب الرحلة بتالمغرب.عكاظ. الرباط.جزآن. 1990

19. رحلة  الصفار إلى فرنسا. دراسة وتحقيق . سوزان ميلار. تعريب خالد بن الصغير. كلية الآداب . الرباط.1995.

20.رحلة الجعايدي السلاوي إلى أوروبا  خلال القرن19.

21.

22.أسبوع في باريس. دار السويدي. أبو ظبي.

23. البرنس في باريس. رحلةإلى فرنسا وسويسرا.1913. دار السويدي. أبو ظبي.

24.  Relatos portugueses de viagens 1870-1996A imagen demarrecos Abdelmounaim bounou Impress/info-print Fez :1998

25.الرحلة المعينية.المعارف الجديدة.الرباط.1998.

26.رحلة أفوقاي: مختصررحلة الشهاب إلى لقاء الأحباب.1611- 1613

.دار السويدي.أبوظبي.

27. رحلة الوزير في افتكاك الأسير.ل( الغساني). دار السويدي.أبو ظبي.2007.