قصة قصيرة

أيام العرب

عبدالرحيم مؤدن

1ــــ يوم الجلمود: … وفيه ألقم عبدالكريم بارودته بحجر القلب "وقال: باسم الله مجراها ومرساها.. وارتفعت الأيدي بأغصان الشجر، وشواهد السبابة، وفلكة المغزل، وعصي الرعاة، وعكاكيز الشيوخ.. وكان ما كان..

2ـــ يوم العمامة:… وفيه تحولت العمامة إلى قماط لرضيع ولد من رحم المدافع…وتحولت إلى مصلاة عندما عزم عبدالقادر على الصلاة، شكرا لله، وانشطرت إلى شرائط: واحدة ضمد بها جرح فرسه الأبهر، والثانية لشعر حفيدته بعد أن منعها حصار الجند من غسله وربطه.. والثالثة عصب بها رأس رئيس أركانه، وهو يحتضر بين يديه..أما المزقة الأخيرة، فكانت راية حمراء رفعها، عاليا، أمام "جيش البحر الميت".

3ـــ يوم العصيان:.. يا من تصنعون المدفع بيد، ودمية الأطفال باليد الأخرى.. يامن ترفعون القصور وتسكنون العراء.. يامن تخيطون الحذاء وتنتعلون الحفاء..

قال فرحات: عصيان الله حرام.. عصيان الوالدين حرام.. وماعدا ذلك، فهو حلال عليكم..ولن تفقدو ا سوى أغلالكم.

4ـــ يوم الرفع: … ويومها ارتفع الرأس الشامخ إلى أن قارب الهرم..!! ورأى ما رأى: الشجر الجذلان، سنابل القمح، مثل ضفائر العذارى المتراقصة.. وشماريخ النخل مظلة لعجين فلاحة لم يستو بعد... ورأى ماء النهر يدق كل الأبواب، والكهرباء تضئ كل المصاطب، والأرض" لم تخفض إلا لخالقيها الجبينا".

5ـــ يوم الشهيد:..وفيه ارتفعت رايات المهدي الخضر، وجنده يتقدمون نحو الغازي، بأكفانهم البيضاء التي أطلت منها وجوه راضية مرضية.. يومها سقط عشرون ألف شهيد، وسال النيل بالأحمر القاني، بعد أن ارتفع الأزرق إلي السماء!..

6ـــ يوم قاسيون:..وفي هذه الأثناء التقي زكريا ثامر بالقائد يوسف العظمة أمام كهف اندفع منه، مثل الصاروخ، وهو يشبه أهل الكهف...!! ارتعب زكريا لهول المفاجأة.. كائن يحمل لمة شعر مفلفلة، والشعر لا يتوقف عن السيلان من كل أنحاء جسمه..

- العظمة:..أنا العظمة.!! بطل معركة قاسيون..أنا..

- زكريا ثامر:.. وماذا تفعل هنا الحاج العظمة؟!..

-العظمة:.. الحرب سجال.. والكر والفر سلاح كل الأسلحة.

- زكريا: المستعمر خرج منذ أمد طويل.

تراجع العظمة الى الوراء، وهو يبحلق في زكريا ثامر بعينين غاضبتين.. فجأة، امتشق، من تلافيف شعره، حاسوبا صغيرا من الجيل الأول، ورفعه أمام زكريا، ثم وضع سبابته على صدغه، وأداره عدة مرات، وأخذ يتراجع  نحو مدخل الكهف..

7ــــ يوم مأرب: ..وفيه التهمت فئرانه كل الأسفار.!! هذا ما قاله شيخ المؤرخين.

8ـــ يوم الجزيرة:..وفيه تحولت النخلة من شجرة طيبة إلى حنظلة بعد أن سقيت نفطا، وتحولت شماريخها إلى رؤوس شياطين، والبلح إلى رصاص في حجم الأصبع.!! إلا نخلة واحدة، نخلة واحدة كانت سيدة الشجر، والنخل دائما سيد الشجر.

9ـــ يوم الجبل: وهو اليوم الذي تحول فيه الثلج إلىكرات من نار!! ثلج محرق نزل، بردا وسلاما، على الأباة، وسعير سقرعلى الغزاة..

10ـــ يوم تل الزعتر:

"غادرتني الغيوم فشردتني

ورمت معاطفها الجبال فخبأتني"

محمود درويش

11ـــ يوم فلسطين: "إنا نحن نرث الأرض" قرآن كريم.

12ـــ يوم الحذاء:..وكان يوما عصيبا.. وعانى الناس من الضنك ما لا يقوى على حمله الجبال.. وما حدث في ذلك اليوم الذي يشيب له الولدان رواه أحد الثقات امتنع عن ذكر اسمه.. قال: جاء الوالي"وبش بن بوش بن وبش"، وكان يوم ذاك واليا على العراق، وصعد المنصة، ونزل، دون أن يلقي السلام، في الناس بكلام تخجل منه الأبالسة، وأرغى وأزبد، وهدد وتوعد، وأنهى ما قاء به من عفن، بإنزال سرواله أمام الصبي والشيخ والمرأة والرجل، الأعمى والمبصر.. وما زال سادرا في غيه، إلى أن جاءه جسم غريب نفاث كاد أن يخترق جبهته، فمال عنه ميل المجرب، وقبل أن تستقيم قناته جاءه النفاث الثاني، فانبطح أرضا إلى أن انشق سرواله عن سوءته.. وأخذ يصرخ، بأعلى صوته، وهو يشير إلى الجسم الطائر: سلاح الدمار الشامل...الدمار..yes all right  yes… هاهو سلاح الدمار الشامل.؟!!.. سلاح.. واشتعلت الفلاشات، وتصاعدت خشخشات الفاكسات والمراسلات…وانتشرت على سطح شاشة فضية عريضة أسراب الأساطيل في البحر، والقوافل والمدرعات والمزنجرات في البر.. وتقافزت شهب إلكترونية، في السماء، منقضة على الصوامع والكنائس والمتاحف ودور الأطفال ومصنع للحليب وتمثال أبي نواس وأخر للمتنبي.. ولم يتوقف الوبش عن  الصراخ والزعيق إلى أن قال:

-                   لن تنتعلوا أحذية منذ اليوم، ولو كانت من خوص.. ولو كانت من هواء..

ونادى المنادي، منذ تلك الواقعة، بمنع الحذاء عن الرجال و النساء، بل إن صبيا كان يحمل "حكاية حذاء الطنبوري"، بحواشيها المفحمة، بعد أن أفلتت من محرقة سوق الوراقين ب "بغداد" العامرة.. قلت، إن الصبي المسكين اختطفته كماشة مرعبة نزلت من السماء، في رمشة عين، وغيبته وراء السحب.. والله أعلم.