ظل الكاتب عبدالرحيم مؤذن، والى آخر رمق، متشبث بمواقفه التي ظل يدافع عنها طيلة مساره العلمي. وهي المواقف التي جعلته في الكثير من الأحيان يدخل في سجالات نقدية واسعة وظل الى آخر يوم في حياته ينتصر للكتابة وأفقها.

مسار طويل من البحث والكتابة

والانتصار لقضايا المجتمع ورصد للحراك العربي

عبدالحق ميفراني

رحيل الكاتب والناقد المغربي عبدالرحيم مؤذن {1948 ـ 2014}

 

ظل الكاتب عبدالرحيم مؤذن، والى آخر رمق، متشبث بمواقفه التي ظل يدافع عنها طيلة مساره العلمي. وهي المواقف التي جعلته في الكثير من الأحيان يدخل في سجالات نقدية واسعة وظل الى آخر يوم في حياته ينتصر للكتابة وأفقها. وربما لهذه الأسباب بقي الباحث عبدالرحيم مؤذن بعيدا عن المؤسسات ومكاتبها، خصوصا عندما تغير الزمن المغربي واختلطت الألوان والمواقف فارتكن الى زاويته الأثيرية يصرف من خلالها مواقفه وأفكاره. وحتى في ذروة المرض، ظل الراحل مصرا على النشر والكتابة معتبرا الأمر ضرورة أنطولوجية وأفق إنساني ضروري لوجوده. وحينما يوجه له السؤال عن معركته الحقيقية اليوم، يجيب بدون تردد "إعادة الإعتبار للثقافة والمثقف من موقع المسؤولية. فالمثقف اليوم يبتعد يوما عن يوم عن مجاله الحيوي وهو المجتمع بدلالاته المادية والرمزية...". لذلك حافظ الراحل الكاتب والمثقف عبدالرحيم مؤذن على اشتغاله الرصين في بلورة الأسئلة التي ترتبط بالمجتمع وقضاياه، خوفا أن تصبح "الثقافة ممارسة هامشية قد لا يلتفت إليها أحيانا أو قد تثير الرثاء".

1ـ رحيل بطعم النسيان

مباشرة بعد أن نبه البعض على صفحات الفايسبوك بالوضع الصحي الخطير الذي أصاب الراحل عبدالرحيم مؤذن، أياما قبل وفاته، تسابقت "النيات" و"استيقظت" كتابات وأريحية البعض، ووازت الزيارات الصور والبيانات المقتضبة، وهكذا دواليك.. إحدى التباسات الزمن الثقافي اليوم كما أصبح يمارس ويتداول. حينها كان المرض قد استل من جسد الراحل الكثير واستنزف منه قوة الاستمرارية، وكانت حينها الحاجة ماسة لتدخل طبي مسؤول ووازن. وبما أنه الكاتب عبدالرحيم مؤذن، ولأنه ظل خارج جوقة "المطبلين" و"المزمرين" ب"العهد الثقافي الجديد"، فقد تناسى بمن أوكلت لهم مسؤولية الدفاع عن الكاتب المغربي والسؤال عنه الراحل وظلت أسرته تناضل لوحدها بحثا عن تضميد جراحات أرهقها الزمن. 

وفي الساعات الأولى من صبيحة يوم الأحد 28 رمضان 1435، الموافق ل27 يوليوز 2014، بالديار الهولندية، جاء خبر رحيل القاص والباحث الرحلي والناقد والكاتب المسرحي والمربي عبدالرحيم مؤذن، من هناك حيث كان يتابع علاجه من مرض عضال ألم به. بعدها مباشرة تناسلت البيانات لتنتهي رحلة كاتبنا الراحل في درب الكتابة الرصينة في مجالات متعددة {القصة، الرواية، أدب الطفل، الرحلة، التحقيق، المعاجم، النص المسرحي..}. رحلة غابت عنها ثقافة الاعتراف بدور الراحل في تشكل الثقافة المغربية وفي حراكها الأدبي في مختلف الأجناس الإبداعية، سواء في القصة والرواية والرحلة والنقد و.. ولعل جزء كبير من غياب هذه الثقافة راجع بالأساس لتوصيف الراحل والذي أكده غير ما مرة، في أن الثقافة في المغرب أمست تثير الرثاء.

ظل الوضع الاجتماعي للكتاب والفنانين المغاربة، أحد أهم القضايا التي ظلت تطرح السنوات الأخيرة في المشهد الثقافي المغربي. وتنوعت صيغ أجندة الاقتراحات، كل من زاويته. وظل القرار السياسي غائبا على تفعيل ومأسسة صيغة قانونية كفيلة بصيانة كرامة المثقف والفنان المغربي، بعيدا عن أساليب تعمق من تشويه صورته وسط المجتمع. وهنا طالبت بعض الكتابات بضرورة تجاوز منطق الاسترزاق و"الصدقة" على اعتبار أن الحق في الصحة والكرامة ليس "منة" بل هي حق لأي مواطن مغربي. من هنا، كان الأجدر أن تساهم الدولة بقرار جريء يعيد لكرامة الكاتب المغربي وضعه الاعتباري الذي يستحقه.

2       ـ مسار طويل من البحث:

الكاتب الراحل عبد الرحيم مؤدن من مواليد عام 1948، بمدينة القنيطرة، حصل على دبلوم الدراسات العليا (دكتوراه السلك الثالث) في موضوع "الشكل القصصي في فن القصة بالمغرب من بداية الأربعينيات إلى نهاية الستينيات/ كلية الاداب، فاس" سنة 1987. وعلى دكتوراه الدولة في : "مستويات السرد في الرحلة المغربية خلال القرن 19"، كلية الآداب/ الرباط. 1996. عبدالرحيم مؤذن رئيس مجموعة البحث في المعجم الأدبي والفني G.R.L.L.A. التابعة لكلية الآداب والعلوم الإنسانية/ القنيطرة. (جامعة ابن طفيل) (تأسست منذ 1993). وهو عضو المكتب المركز لـ "اتحاد كتاب المغرب" خلال الموسم الممتد من {1998 إلى 2001). وعضو في "اتحاد كتاب المغرب بالقنيطرة" (1988 – 1991). والجمعية المعجمية المغربية (كلية الآداب/عين الشق/الدار البيضاء). وهو أيضا عضو مؤسس لمجموعة البحث في القصة القصيرة. كلية الآداب/ بنمسيك – الدار البيضاء. وهو رئيس الجمعية المغربية للبحث قي الرحلة  بكليةالاداب الرباط. كما كان يحظى بتمثيلية فاعلة في 3 شبكة الآداب الشفهية R.E.N.A.L.C.O.، جامعة ابن طفيل/كلية الآداب والعلوم الإنسانية/ القنيطرة. وفي جمعية البحث في تاريخ البوادي المغربية. كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالقنيطرة، وبمختبر السرديات/ كلية الآداب/ بنمسيك، الدار البيضاء.

ضمن بحوثه ودراسته، الشكل القصصي في القصة المغربية. جزآن (ج، 1. 1988) (ج،  2. 1998)، معجم القصة المغربية القصيرة. (ط، 1. 1993). (ط، 2. 2000)، أدبية الرحلة. دار الثقافة. الدار البيضاء 1996، الرحلة التتويجية إلى الديار الإنجليزية : الحسن الغسال – (تحقيق). 2003. وقد حصل هذا التحقيق على جائزة مشروع ارتياد الآفاق – الإمارات العربية المتحدة (دورة الرباط/ المغرب 2003). وفي المجال الإبداعي، في القصة الموجهة للكبار، اللعنة والكلمات الزرقاء (مجموعة قصصية مشتركة) 1973، وتلك قصة أخرى. 1990، أزهار الصمت. 2002، حداء بثلاث أرجل 2006، طاحونة الملح 2006. بالنسبة للقصص الموجهة لأطفال والفتيان، حكايات طارزاد. 1988. مغامرات ابن بطوطة للفتيان. 2000. ج. رحلة ابن بطوطة الجديدة. 2000. د. رحلات مغربية وعربية (12 جزءا). هـ. رحلات مغربية وعربية (7 أجزاء) 2002. و. السمكة والأميرال  (قصة للفتيان) 2002. ز- عمارة العمالقة . قصة للأطفال.2005. ح-نماذج من طفولة الكتاب العرب.12جزءا. في مجال المسرح، "مدينة النصوص" دار التوحيدي/2012. وأيضا "الرحلة البهية الى باريس السرية"/دار التوحيدي 2010..

الى جانب كتبه وبحوثه المنشورة، ظل الراحل محافظا على حضوره في المجلات والجرائد المغربية والعربية وباستمرار. سواء استقراءاته لجديد النصوص السردية مغربية وسردية، واستقصائه في مجال الرحلة، ومتابعاته الرصينة لجديد الإصدارات القصصية في المغرب، خصوصا عند الأجيال الجديدة. وقد توقف الراحل في مجلة الكلمة الالكترونية شهريا، وضمن مقارباته لجديد الإصدارات الحديثة في القصة القصيرة، عند التجارب الشابة الجديدة. حريصا كعادته على رصد ومتابعة جديد المشهد الإبداعي في المغرب. وإذا كان الراحل قد انطلقت مسيرته العلمية بالاهتمام خصوصا بجانب المعجمي والبيبلوغرافي والنقد السينمائي، فقد انتقل مع البحث الرحلي الى استقصاءات بحثية موغلة في الخصوصية. كما لم يتوقف الراحل يوما عن رصد أسئلة المشهد الثقافي وحراكه معلنا عن أرائه بتجرد علمي دون مغالاة ولا محاباة لأي جهة كانت. ومع انطلاق شرارة الربيع العربي، تميز الباحث الراحل عبدالرحيم مؤذن في جانب نادر من البحث والتقصي، إذ رصد معجم الثورة العربية المعاصرة، كما توقف عند انطلاق شرارة الثورة المصرية في ستة أيام، واستبق ثورة الياسمين قبلها بدراسة.

وظل الراحل بعيدا عن إصدار أحكام قيمة، يحكي الراحل في اليوم السادس من رحلته الى مصر:

"ميدان التحرير والتطهير: 6- مكرر ـ الإصحاح الرابع

دقت الساعة القاسية

كان مذياع مقهى يذيع أحاديثه البالية

عن دعاة الشغب

وهم يستديرون

يشتعلون- على الكعكعة

الحجرية- حول النصب

شمعدان غضب

يتوهج في الليل..

والصوت يكتسح العتمة

الباقية

يتغنى لليلة ميلاد مصر الجديدة.

أمل دنقل أغنية الكعكعة الحجرية.

كلهم مروا من هنا..أحمد عرابي، وهو يرفع راية العصيان في وجه الخديوي..ويمر به، من جديد، بعد الانكسار، نحو المنافي البعيدة، عاري ألراس، حافي القدمين، تستره جبة الفلاح التي احتفظ بها لمثل هذا اليوم.. كلهم مروا من هنا..الطرابيش والعمائم.. الصلبان والأهلة ..النساء والفتيان.. وثورة 1919 تعلن "الاستقلال التام أو الموت الزؤام"..كلهم مروا من هنا...طلبة وعمال الأربعينيات، من القرن الماضي، يفرشون الساحة بالمناشير والأحلام، قبل أن تفتح اليد الآثمة كوبري النيل، وتستمر اليد الأخرى في حصد من بقي عالقا بأسياخ الحديد الباردة...كلهم مروا من هنا..شهدي عطية الشافعي، محمود أمين العالم، عبدالعظيم أنيس، لطيفة الزيات... كلهم مروا من هنا واتجهوا نحو القنال، أو ساحات النزال التي أزهرت في كل مكان..كلهم مروا من هنا.. يوسف إدريس متجها نحو"مستشفى" القصر العيني "ومخطوط روايته "البيضاء" ما زال دافئا في محفظته بجانب السماعة وقلم الحبر وعلبة الأسبرين..عبدالرحمان الشرقاوي ورواية "الأرض" ..نجيب محفوظ بمقهى "ريش" في ندوة الجمعة الشهيرة..مظاهرة سليمان فياَض –ومن معه- من مقهى "ايزافيتش" عند اغتيال غسان كنفاني من قبل الموساد الإسرائيلي.. رضوى عاشور.. نجيب سرور...محمود دياب.. يحيى الطاهر عبدالله..أمل دنقل...محمد عودة.. محمد مستجاب.. محمود الورداني..ادوارد الخراط .. بهاء طاهر.. وائل غنيم...الحفاة والعراة والجنود والكتاب والفنانون والفلاحون والعمال والموظفون والعاطلون والحالمون بكوب ماء نقي والهاربون من انفجار المجاري، أو الدور المتهالكة، والجائعون والمكتفون بوجبة واحدة والقادمون من أفران الخبز الفارغة والمالكون القيراط أو قيراطين، من الأرٍض الدامية، والقاطنون بعشش البوص، أو بالغرفة الواحدة التي تسكنها أجيال ثلاثة.. والفتيان المدججون بالحواسيب ولغات الجفر، ورموز التمرد والعصيان.. والفتيات المشرقات بالضحكات الرائقة والنداءات المتهدجة..كلهم جاؤوا الى ميدان التحرير، ولن يغادروه الى أن يتحقق التحرير. فهذا الزمان- كما قال أبو حيان- (لم يكن يعرف الناس في هذه الفترة إلا الجوع دون غيره)..."

3       ـ عبدالرحيم مؤذن بعيون أصدقائه:

فور الإعلان عن وفاة الراحل عبدالرحيم مؤذن، توالت بيانات الهيئات والجمعيات الثقافية في المغرب. إذ تلقى المكتب التنفيذي لاتحاد كتاب المغرب بخزن وأسى خبر رحيل كاتبنا الكبير، هو الذي عرف، رحمه الله، بطيبوبة نادرة، وبوفاء خاص للمبادئ وللقيم التي نشأ وتربى عليها، عدته في ذلك، يقول بلاغ صادر عن اتحاد كتاب المغرب، "إبداعه وأبحاثه الرصينة والمجددة، كما يشهد له بحضوره الإبداعي والنقدي والأكاديمي الوازن، وبكتاباته القصصية والمسرحية المضيئة، وبأبحاثه النقدية حول القصة والرواية والرحلة، وغيرها، عدا عشقه الكبير للكتابة للأطفال والفتيان، والبحث في قضايا ثقافية وتاريخية وأدبية وببليوغرافية ومعجمية استثنائية، أضحى معها الأستاذ عبد الرحيم المؤدن، رحمه الله، مرجعا أساسيا للباحثين وللطلبة، داخل المغرب وخارجه، وخاصة فيما يتعلق بأدب الرحلة".

وظل الدكتور عبد الرحيم المؤدن، إلى جانب ذلك، حاضرا بقوة في المشهد النقدي العربي، بقراءاته النقدية في المتن الروائي العربي، في جغرافياته المتنوعة، وفي نصوصه وأسمائه الأساسية المختلفة، من المغرب والشام والمشرق العربي، من غير أن يشغله ذلك عن الاهتمام بالأسئلة الجديدة للقصة القصيرة، ومغايراتها، موازاة مع انفتاحه وإنصاته للمتغير القصصي المغربي. عدا اهتمام فقيدنا، رحمه الله، بالبحث المعجمي، بما قدمه في هذا الباب من اجتهادات مفاهيمية ومصطلحية جديدة، هو الذي عرف عنه، أيضا، كونه أحد الكتاب الكبار الذين ما فتئوا ينتصرون للأفق المغربي، في كتاباته القصصية والرحلية، بشكل ساهم به الأستاذ المؤدن في ترسيخ الأبعاد السردية والتخييلية والجمالية والثقافية والحضارية المغربية، عدا اجتهاداته النظرية والتحليلية التأسيسية لمقاربة النص الرحلي، في خصوصياته وفي تقاطعاته وقضاياه المتنوعة.
فضلا عن ذلك، يتابع ذات البلاغ " يعتبر كاتبنا الراحل واحدا من كتابنا الذين بقوا أوفياء لكتابة القصة القصيرة وكذا الكتابة للأطفال، ببلادنا، إلى أن وافته المنية، رحمه الله، في وقت يستعد فيه اتحاد كتاب المغرب لإصدار مجموعة قصصية جديدة له موجهة للأطفال، باللغتين العربية والإسبانية، كان الراحل قد مكن منها الاتحاد قبل سفره الأخير ليلاقي ربه راضيا مرضيا".

وفي بيان مشترك، صدر عن الجمعية المغربية للبحث في الرحلة ومختبر السرديات ونادي القلم المغربي، موسوم ب"عبد الرحيم مؤدن .. وداعا". عبرت الهيئات الثلاث عن أساها وحزنها العميق لرحيل الأديب والصديق عبد الرحيم مؤذن، الذي يعد منارة مشعة في سماء النقد الأدبي، أديبا وناقدا وباحثا له إسهامات رائدة في مجالات القصة والرواية وأدب الرحلة، وتشهد على ذلك أعماله المتميزة وإسهاماته في الكثير من الندوات والملتقيات الوطنية والدولية. ويستطرد البلاغ: "عبد الرحيم.. وداعا  بهذه السرعة وأنتَ الذي كنتَ تولدُ  مع كل نص جديد حينما تكتشفُ أن الحياة نهر ممتد في الروح والمآثر.. وأنتَ قد تركتَ  أنهرا تجري  وتسقي القراء مما تركته خالدا وحاضرا.. ألَمْ تكن سبّاقا  في التأسيس للدرس الرحلي  ومجددا في السرد القصصي للكبار والصغار وفي النقد القصصي الجدري والعميق.. أوَ لمْ تكن مناضلا ثقافيا تجوب البلاد طولا وعرضا لاستكمال رسالتك، أستاذا جامعيا باحثا وأديبا مثقفا وفاعلا جمعويا يضحي بوقته وراحته وصحته وماله من أجل أفكار جميلة نؤمن بها جميعا. نعرف أنك رحلتَ ولم ترحل، لأن مشاريع أخرى كنت تفكرُ فيها ولم يُمهلك الموت كي تنجزها، قلق كبير في النفس وغيرة على ثقافتنا وحياتنا التي قاومتَ في البحث  لها عن معنى روحي عميق.  فوداعا ، عبد الرحيم، أيها الصديق..".

الجامعة الوطنية للأندية السينمائية ومن خلال بلاغها قربتنا من صورة أخرى من حضور هذا الكاتب الموسوعي، خصوصا في مجال الاهتمام بالخطاب السينمائي. إذ عبر رئيس الجامعة الوطنية للأندية السينمائية عبد الخالق بلعربي  قائلا في وفاة الناقد والقاص المغربي عبد الرحيم المودن، علمنا ببالغ الأسى والألم من أستاذنا وصديقنا  أيت عمر المختار نبأ وفاة أعد أعلام الأدب والثقافة ببلادنا وأحد النقاد السينمائين الذي قدم أبحاثا محترمة في مفهوم السرد السينمائي والسرد الأدبي وتعامل كثيرا مع إطار جواسم سواء من داخل النادي السينمائي للقنيطرة أو من خلال مجلة دراسات سينمائية التي أغنى بعض أعدادها بدراساته القيمة..".

4       ـ عبدالرحيم مؤذن: حضور متواصل وتصور ثقافي متجدد

اختارت يد المنون الراحل عبد الرحيم المؤدن وهو في الديار الهولندية، حيث كان الفقيد يتابع علاجه إثر مرض عضال ألم به، عن سن تناهز 66 عاما. هذا البلد الأوروبي الذي كتب منه أسفاره وكعادته أينما حل وارتحل، وكأن الصدفة قادته الى خارج المغرب بعدما ظل يصارع المرض ويكابده بصبر. في "الخارج" هناك، اختار الراحل أن يرتاح من معاناته بعيدا عن أرض ظل يشعر في الكثير من أحاديثه ومقالاته بحاجتها الى "ثورة ثقافية وفكرية ومعرفية حقيقية" كي تستعيد الثقافة حضورها ويصبح للمثقف رسالته النبيلة. رغم أن الراحل ظل يعتبر المشهد الثقافي في المغرب "مشهد عجائبي بامتياز" فمن جهة هناك حراك ثقافي في مجالات مختلفة وانحسار متواصل للقراءة في سياق أمية متزايدة. ويعتقد الباحث عبدالرحيم مؤذن أن هذه المفارقة تعود إلى أن نشر المعرفة  بالمعنى الواسع ليس وقفا على الثقافة والمثقفين بل إنها  فضلا عن ذلك هي مسؤولية الذين يمارسون التأطير الاجتماعي والثقافي والسياسي.

إن الجانب المفارقة التي تحدث عنها الراحل، في حوار سابق أجريناه معه لصحيفة عربية، تعود إلى عدم قدرة منتجي الثقافة على مواكبة التحولات المتسارعة سواء تعلق الأمر بالمفاهيم أو بطبيعة التحولات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية داخليا وخارجيا. (العولمة-الفئات الاجتماعية الجديدة- الوسائط المتطورة-اللغات المختلفة من لغات وافدة أو لغات داخلية مخترقة بشفرات ومفاهيم وصيغ غير معتادة..الخ).

ويبدو أن وصية الباحث عبدالرحيم مؤذن وصرخته التي تنبهنا الى "ضرورة استنبات مشاتل القراءة في الحي والسهل والجبل في المدرسة وفضاء المصالح المختلفة فضلا عن دور الوزارة في دعم الكتاب عامة المادي والمعنوي" هي من بين سمات الاستراتيجيات المغيبة اليوم على وزارة الثقافة المغربية. وبالنسبة لموضوع النشر الذي يسهم بدرجة كبيرة في التقليل من الأمية أو في انتشارها. فيعتقد، الراحل عبدالرحيم مؤذن، بأن النشر يحتاج إلى رؤية جديدة تدور حول المحاور التالية: محور الحاجيات أي حاجيات الأفراد من جهة وحاجيات المجتمع. فالنشر يجب أن يخضع للتكتيك والإستراتيجية أي للحاجيات القريبة والبعيدة. أما المحور الثاني فيرتبط بمستويات التلقي بدءا من الروض إلى الجامعة فضلا عن القطاعات الإجتماعية الأخرى التي قد تكيف فيها عملية النشر- بحكم العجز عن القراءة-  بصيغ أخرى.

هي بعض من رؤى، تركها الراحل لاستبصار المغرب الثقافي اليوم وغدا، عبر عنها أكثر من مرة في مداخلاته وبحوثه ودراساته. ولعل أكبر وفاء اتجاه منجزه المعرفي وإرثه الثقافي، هو أن تساهم أرائه في حلحلة هذا المشهد المريض أساسا، كي ينتقل الى معاركه الحقيقية القادرة على انتقال السؤال الثقافي الى مقدمة القضايا المصيرية اليوم.