قصيدة النثر نصٌ مُشْكِلٌ على عدة مستويات تبدأ بالكتابة ولا تنتهي بالتلقي، يختزلُ تاريخا أجناسياً واكب النظرية الأدبية منذ إرهاصاتها الأولى، ويحمل التجربة الإبداعية المسماة شعراً في تجردها الأعلى من كل قانون، يصنع امتيازه وتمايزه ويواجه إقصاءه وتهميشه، ونظراً لما دار حول هذا النص من اختلافات وتوترات نقدية ومعرفية، فقد ارتأت مجلة الكلمة أن تقدم لقرائها ملفاً ضافياً متنوعاً بين دراسات نظريةٍ مستفيضة وقراءاتٍ نقديةٍ متخصصة وشهاداتٍ شعرية في ثوبٍ فلسفي، تدور كلها حول قصيدة النثر اختلافاً أو توافقاً، معظم هذه الدراسات جاء في سياق حدثٍ واحد شهده منتصف مارس من عامنا هذا 2009، إذ كان الملتقى العربي الأول لقصيدة النثر بنقابة الصحفيين بالقاهرة، أما بقية الدراسات فجاءت تالية لذلك الحدث بعد مكاتبة بعض النقاد بشأن هذا الملف النقدي، وقد اخترنا للافتتاحية النقدية دراسة الأستاذ الدكتور محمد فكري الجزار المعنونة بـ "الشعر بوصفه فناً"، باعتبارها تطرح فضاءً نظرياً متسعاً يتأسس على وعيٍ بجدارة التراث البلاغي العربي على الاشتغال النقدي الحديث، ولم نكتف بذلك التأطير النقدي المجرد الذي تقدمه الدراسات النقدية المضمنة داخل ملفنا هذا، وإنما آثرنا تدعيم الملف بنصوص شعرية تحمل للقارئ واقعاً كتابياً يمتد من المحيط إلى الخليج، وقد ترتبت النصوص بحسب الحروف الهجائية لأسماء الشعراء المختارين، كما جاءت النصوص من أجيال شعرية متنوعة، وقد ارتأينا اختتام النصوص بترجمة كاملة لكتاب شارل بودلير الشهير "السأم الباريسي"، ولا نهدف من خلال ملفنا هذا للتكريس لأحد أو لتوجهٍ إبداعي أو نصٍ بعينه، وإنما هي صورة فوتوغرافية للواقع الشعري والنقدي دونما رتوش أو مساحيق تجميل، وكلنا يقين أن الحقيقة وحدها تكفي.