أ
وراءَ مريولِ سحر المقلَّمِ وشَعرِها الأشقرِ المتوهجِ تحتَ شمسٍ
تطبخ الرؤوسَ أمشي بخطي مدروسةٍ بالمنقلِ والفرجار.
المسافةُ بين خطوينا المرتبكينِ أمامَ محالَّ يَغُطُ أصحابُها في قيلولةٍ قاهرةٍ
فيما صبيانُهم يكْرعونَ المرطباتِ خلسةً، ضروريةٌ لدرءِ شهامةِ العابرين.
لفتاتُها للوراءِ المحسوبةِ بالضلعِ والنبضةِ، والأغنيةُ التي تنبعثُ من جانبيّ الطريقِ
تكفيان كي أمشي وراءَ مريولِها الُمقلّمِ وشَعرِِها الأشقر إلي الأبد.
لفتاتٌ لهفي تخشي افترارِ همةِ العاشقِ أو عدمَ وصولِ الرسالة:
أنتَ
نعم أنتَ
لا أحدٌ سواك!
وأغنيةٌ مغناةٌ لنا وحدَنا في فراغِ الدنيا العظيمِ تندبُ مصائرَ العشقِ رُغمَ أنني لم أجرحْ قلباً ولا هجرتُ بلداً بعدُ علي ما هو حالُ حبيبِ المغنيةِ الخؤون.
ب
بعد سنينَ لم أعدْ أحصي تَكَسّرَ نصالِها وضعتُ شريطاً في مسجلِ سيارتي علي الطريقِ السريعةِ
من غرب لندنَ إلي وسَطِها (لا أدري بأيّ معجزةٍ نجا من تنقّلِ المنازلِ والقلوب) فانسابَ الصوتُ :
رندا فون تقدم
صوتَ القلوبِ الهامسة
صوتَ السحر: نجاة،
وكرَّ شريطٌ آخرُ مثقلٌ بالخدوشِ إلي الوراء.
في السنة التاليةِ ارتدتْ سحر مريولاً أطول.
شَعرُها الأشقرُ خفَّ تَوَهجُهُ تحتَ شمسٍ تواصلُ طبخَ الرؤوسِ
المسافةُ بين خطوينا تقلّصتْ حتى صرتُ أسمعُ نبضَها المتسارعَ
لكن النظراتِ أخذتْ تنحرفُ عن الهدفِ قليلاً
لم تعدْ تؤكدُ بلهفةٍ:
أنتَ
نعم أنتَ
لا أحدٌ سواك!
في الإجازةِ الصيفيةِ علمتُ من كاتمةِ أسرارِها أنها تزوجتْ جندياً قريباً
لها ورحلتْ معه إلي معان .
غير أن الأغنيةَ التي كانت تنبعثُ من صناديقَ عظميةٍ مُجللةٍ بالأقمشةِ
وتعاويذَ عينِ الحسودِ علي طولِ شارع السعادة ظلتْ تندبُ مصائرَ العشقِ
والحبيبِ جارحِ القلوبِ الخؤون.
من معسكر الزرقاء
إلى قصر شبيب وبالعكس،
الأغنيةُ التي تدندنُ لي وحديَ، الآنَ، تهوّنُ عليّ الطريق:
طويلة
طويلة
يا سكة العاشقين.