أعداء الثقافة منقسمون بين ثقافة حية، وثقافة ميتة

شهادة

فرات إسبر

المثقف العربي يواجه صعوبات متعددة في تحديد ثقافته وهويته التي ينتمي اليها. هذه الصعوبات، داخلية، نابعة من ذاته، تتجلى في افكاره وموروثه. وصعوبات خارجية تتجلى في قمع السلطة، كونه يعارضها، وعدوها الاول في كشف وفضح عيوبها. وايضا هناك نوع من "المتوهم" المثقف الذي يتصور أنه قادر على تغيير العالم من وراء الطاولة، او من خلال اي مقال يكتبه، سيهز شجرة الدولة، المتمثلة بالحاكم الذي هو بالمقابل عدوه الاول، أو هكذا يتراء ى له، ناسيا او متناسيا العوائق التي تعترض سبيله، وأنه كمن يمشي على الماء، متجاهلا الصخور التي تحته والتي تحول مساره بالشكل الذي هي تريده، لا الشكل الذي هو يريده.

المثقف العربي، مثقف حالم، يحلم باصلاح العالم وتغييره من وراء مكتبه دون ان يبدا بازالة العوائق التي تعترض سبيله واولها تفكيره الشخصي هو مثقف نظريا، ولكنه عمليا لا يمكن ان يتخلص من الواقع، وبمعنى آخر ينادي بالمساواة والعدالة والحرية ولكنه على المستوى الشخصي، يعارض في اصلاح ذاته وعلى سبيل المثال لايمكن ان يخرج من عصبيته وطائفيته، فهو ينادي بحرية الفكر الديني ولكنه لا يتزوج الا من طائفته، او لايسمح لابنته أو زوجته بالسفور مع انه ينادي بحرية المراة، وفك قيد الحجاب، وعندما تسأله، يقول، هذه ارادتها، وهي اختارت. انا لا أجبرها، ولا أقيدها.

الثقافة، حصيلة معرفة متوارثة عبر اجيال متلاحقة، هي خلاصة افكار البشر، والتي لابد لها كي تثبت حضورها، في خلق عالم مختلف، ان تثبت وجودها عمليا، في حيز الواقع. فمن ينادي بالثقافة، عليه ان يكون مثقفا، ومن ينادي بالحرية يجب أن يكون حرا، وابسط مثال يتجلى في ما اطرحه هنا، كمثال بسيط حول ما يتناطح به دعاة حقوق المرأة.

المرأة لا يمكن أن تتساوى مع الرجل في اي مجتمع عربي. مثلا، المثقف لا يعارض ولا يعترض عمليا عندما يطبق التشريع الأسلامي في مسالة "الأرث والتوارث" على نفسه، كمثال "للذكر مثل حظ الانثين" ولكنه بالمقابل لا يتوانى عن نقد الآيات القرآنية والتشكيك فيها. الثقافة هنا تتجلى بالرفض. أعارض النص القرآني، أعارض المفهوم الديني ولكني لا أجعله لباسا عمليا لي، وشعار نظريا انادي به!!.

ازدواجية يمثلها الواقع العربي، ويعيشها غالبية المثقفين العرب.

ما هو التغيير الذي سيقوم به المثقف في مثل هكذا حالة؟

على ما اعتقد ان الثقافة العربية ما زال يخيم عليها الوهم. الثقافة غايتها التغيير.

ماذا غير المثقفون العرب في مجتمعاتهم؟

أعتقد اننا نعيش في وهم الثقافة، لأن فعل التغيير، هو مقابل عملي للنظرية.

النظرية، لا معنى لها، أن لم تكن في حيز التطبيق.

ماذا فعل الشعراء العرب لمجتمعاتهم؟ مجرد شعارات وهتافات، نحن شعب نحب التصفيق ونجيده، نصفق للشاعر، نصفق للسياسي، نصفق للمغني!!

اتحدث هنا ببساطة، ومن واقع حي وملموس ادركه وندركه كل يوم، اتحدث بعيدا عن الايديولوجيا والنظريات الفكرية المعقدة. لا ن الثقافة فعل حي تمارس وجودها من خلال حيز التطبيق، الذي يمكن أن نلمسه واقعيا وعمليا من خلال، ثورة أو أنقلاب، أو من خلا ل مشروع عملي يشغل المواطن وافكاره.

هناك اشخاص بسطاء جدا يسهمون في تغيير الواقع ويمارسون فعلا حقيقا في تغيير بعض المفاهيم المتوارثة.

علينا أن لا ننظر الى المثقف، على انه كتلة معرفة. هذة الكتلة يجب ان تنصهر حقيقة في المجتمع.

اعرف اشخاصا يتبنون احزابا ونظريات، ومن دعاة حقوق الانسان، ولكنهم في احاديثهم وحياتهم اليومية الخاصة لا يمكن ان يتقبلوا الاخر، من اي طائفة كانت، او من جنسية اخرى. هنا تكمن عقدة المثقف.

المثقف العربي يعمل بعكس "مقولة فولتير" أخالفك الرأي، وأقاتلك حتى الموت، كي لا تعبر عن حريتك وتدافع عنها".

وايضا يوجد وجه آخر للعلاقة بين ا لسلطة والمثقف، هناك رد فعل عكسي، بين المثقف والسلطة. يمارس المثقف قدرته في القمع على أسرته وعائلته انتقاما من السلطة التي لا يستطيع ان يطالها، إلا بقلمه، وأن طالها بقلمه، خشي العقوبات، ويقع رد الفعل على الزوجات، احيانا اسمع قصص غريبة عن مثقفين طلقوا زوجاتهم وعرضوهن لابشع انواع التعذيب النفسي والجسدي، فكيف يمكن الثقة بشخص ليس بقادر على بناء اسرة وقيام علاقة فيها نوع من الاحترام؟

كيف لنا الثقة به في نقض حكومة، والقيام بثورة؟

قد يعترض البعض ويقول ان العلاقات الشخصية التي يمارسها المثقف او حياته الشخصية لايمكن ان نحاسبه عليها، فاذا لم نكن قادرين على محاسبته فكيف لنا أن نثق به؟

على كل من يدعى الثقافة، ويمارسها نظريا أن يقف أمام نفسه، بلحظة صدق، ولحظة اعتراف، ويسأل نفسه، هل هو هو منسجم مع ذاته؟ هل هو منسجم مع محيطه؟

كلنا نسعى إلى تغيير الواقع. عوائق كثيرة، تقف أمامنا. ايضا نحن نشكل عوائق امام أنفسنا" بالكبت" الذي نمارسه على ذواتنا بحجة الضمير والاخلاق والنظام.

اعجز عن قبول نفسي في مجتمع متخلف، واخشى أن أجد نفسي في مجتمع متحرر. لذلك أرى ذاتي منقسمة مابين ثقافة ميته ورثناها، وبين ثقافة حية نخشاها.  


شاعرة سورية مقيمة نيوزيلندا