بورتريه قصير لسعيد الكفراوي

قاصّ ليس من زماننا

محمد الشحات

 

يمثّل سعيد الكفراوي (1939-2020) واحدًا من مجموعة الكُتّاب المصريين الذي قَدِموا من مدينة المحلة الكبرى إلى القاهرة في فترة باكرة من سبعينيات القرن الماضي؛ جنبًا إلى جنب جابر عصفور ونصر حامد أبو زيد ومحمد المنسي قنديل وجار النبي الحلو ومحمد صالح ومحمد فريد أبو سعدة وآخرين. وعلى الرغم من تعدّدد المواهب التي مارسها كل من هؤلاء في مدينة القاهرة، سواء في الكتابة الإبداعية أو الكتابة النقدية أو الفكرية، أو ممارسة العمل الثقافي، فإن سعيد الكفراوي لم يبرح عاكفا على أرض القصة القصيرة، يحرث فيها هنا، ويبذر فيها من روحه وخياله هناك، كأنه قد تزوَّج منها زواجًا مسيحيًا هو أقرب إلى سيمياء الرهبنة، فلم يغادرها طوال حياته، حتى اشتُهر بين الكُتّاب المصريين والعرب بأنه "راهب القصة القصيرة الذي يعيش زمن الرواية".

وعلى الرغم من حرص الكفراوي على لقاءات نجيب محفوظ المتتالية في مقهى ريش بوسط القاهرة منذ قدومه إليها، فضلا عن مجايلته لأصدقاء روائيين كبار من أمثال بهاء طاهر والبساطي وإبراهيم عبد المجيد وغيرهم، فلم يتزحزح الكاتب عن موقفه من الاكتفاء برؤية العالم عبر رواة قصصه القصيرة، التي أجاد فنون سرديّتها وجعل من مصائر شخصياته المكثّفة أرواحًا قادرة على تمثيل العالم المعقّد، متسارع الأحداث في مشاهد سردية بالغة التكثيف والدلالة. مشاهد لا تخلو من فلسفة هي أقرب إلى روح المتصوّفة. هكذا جاءت قصص الكفراوي منذ مجموعته "مدينة الموت الجميل" (1985) و"ستر العورة" (1989)، مرورا بـ"سدرة المنتهى" (1990) و"مجرى العيون" (1994) و"دوائر من حنين" (1997)، ثم انتقالًا إلى قصص تنزع منزعًا سرديًا طويل النفس متشابك التفاصيل كما في "كُشك الموسيقى" و"يا قلب مين يشتريك" و"البغدادية"، وغيرها.

كان الكفراوي يمتلك مدوّنة كبرى من الحكايات الشفاهية التي كان يُجيد سردها بنبرته الخاصة وصوته الدافئ الذي ينسال على مسامع أصدقائه كلما التقى بأحدهم هنا أو هناك. كما كان له معجبون كثر من الدول العربية (وبخاصة من دولة المغرب العربي الشقيق الذي كاد الكفراوي أن يكون "صاحب مقام" هناك). رحم الله سعيد الكفراوي الذي عُرِف بإخلاصه الشديد لعالم القصة القصيرة الذي ارتبط لديه بسرديّات المهمّشين والبسطاء والمطحونين الباحثين عن العدل الاجتماعي والسلام النفسي والدفء الإنساني.