نصر الله قد يأمر بالعبور الى الجليل الفلسطيني في اية حرب قادمة، والإمام الخامنئي يرسل بارجتين حربيتين الى موانئ سورية عابرة قناة السويس بموافقة المجلس الاعلى للقوات المصرية، والعدو الصهيوني يهدد بامكانية العودة نحو جبهة شمال فلسطين، اليست هذه اولى نتائج ثورتي تونس الحرة ومصر ام الدنيا؟! انه بذلك لا يفشي سرا بقدر ما يذكر التحضيرات المؤكدة التي باتت على خرائط اركان العدو كما الصديق للمنازلة الكبرى الآتية فصولها كما هو القدر الذي لا مناص منه، وانا اتكلم هنا بعين 'نصف العارف ونصف العاشق'، منازلة يمكن ان تقلب ليس وجه المنطقة فحسب بل وجه العالم، ولست مبالغا في ذلك للاسباب التالية: ولكن دعوني استدرك اولا بالقول بانني اكتب هنا لمن يبحث عن علم اليقين وعين اليقين وسير السنن الكونية، اما المناكفون والحانقون والمشاغبون والتائهون والمرجفون في المدينة فلاشغل لي بهم لانهم لا وجود لهم في مشهد 'حق اليقين' بالمطلق!
اولا: شاء من شاء وأبى من ابى وقرأ الايرانيون ذلك صوابا ام خطأ وكذلك اشقاؤهم التونسيون والمصريون، فإن نتيجة ما حصل هناك وتداعياته القادمة والمتفاعلة على صفيح ساخن جدا في سائر ارجاء الوطن العربي هي معركة الرابح الاول فيها الايرانيون والخاسر الاول فيها الثنائي الاسرائيلي الامريكي! وهذا الامر لا علاقة له مطلقا بتقييماتنا المتفاوتة لسياسات ايران الداخلية او الخارجية ورضانا عنها او غضبنا منها، فالحقائق على الارض تحصل وتقع وتترك آثارها بناء على سنن كونية لا علاقة لها بالحب والبغض!
ثانيا: ما حصل في تونس ومن ثم في مصر في هذه اللحظة التاريخية لا علاقة له بايران ولا بحلفائها بشكل مباشر بالمطلق، وكل من يدعي خلاف ذلك مدع او مكابر او متوهم، فما حصل هناك هو صناعة تونسية ومن ثم مصرية محلية محضة، خلقتها صيرورة تونسية ومن ثم مصرية ابتدعها اصحاب الارض والهم انفسهم ونقطة على السطر!
بالمقابل دعونا نتلمس في محاولة اولية للاقتراب من حقيقة ما دفع لحصول ما كان ينبغي ان يحصل في تونس ومن ثم مصر طبقا للسنن الكونية التي نؤمن بها ولا نؤمن بالصدف والمصادفات ابدا، فنقول:
اولا: ان نقطة اشتراك النظامين التونسي والمصري انهما قاما على القفز على حقائق التاريخ والجغرافيا والاجتماع او 'الجماعة' الوطنية للبلاد، وربطا مسير ومسار نظامهما بالتبعية شبه المطلقة للاجنبي بما استفز كرامة وعزة وهوية الجماعتين، والمقصود من الجماعة هنا المصطلح السوسيولوجي وليس السياسي المتعارف عليه، اي العقل الجمعي للأمة في كل بلد!
ثانيا: ان شعبي تونس ومصر هما من الشعوب العريقة والاصيلة الضاربة عروقها في عمق التاريخ الانساني حيث تشهد الوقائع والاحداث التاريخية بان لهما تاريخا حضاريا وثقافيا غنيا يسبق حتى وصول الدعوة الاسلامية اليهما وهما يعتزان بهذا ايا كان تقييمنا نحن المراقبين من الخارج لهذا التراث الانساني!
واما اذا ما اردنا العودة الى البداية اذ لا يسعنا الوقت لحشر مزيد من البحث في اعماق الثقافة والحضارة والتاريخ في هذا المقال الصحفي المحدود، نقول ان ثمة نقاط اشتراك بين هذين البلدين وبين ايران، قد تكون غائبة عن بعض المتتبعين مما يجعلهم مستغربين السبب الحقيقي الذي يجعل العدو الصهيوني والصديق الصادق لأمة العرب ان يقول بان نتائج ثورتي تونس ومصر هي انتصار لا لبس فيه لايران على امريكا، رغم ان من حقق النصر على الارض هناك هما الشعبان اصحاب العلاقة وبقوتهما الذاتية المحضة وابداعهما الخاص الذي لم يستنسخ من احد لا في الايديولوجيا ولا في الميتيدلوجيا ـ المنهجية ـ ولا في الوسائل او الاساليب الا ما هو عام ومشترك بين الشعوب كافة!
فبالاضافة الى اشتراك ايران مع شقيقتيها العربيتين في النقاط المذكورة آنفا لا بد من التوقف عند نقطة اشتراك شمال افريقيا عموما وايران بنقطة جوهرية اضافية ومهمة الا وهي: ان كلا من تونس ومصر وايران تشترك في كونها من اول البلدان التي احتكت مع الغرب مبكرا ما جعلها تنقل الكثير من معارفه العامة، حيث عرف عنها بانها اول من اقر دساتير محلية محاكية لتحولات العصر بين اواسط القرن التاسع عشر حتى نهاياته بالترتيب الزمني المعروف للبلدان الثلاثة!
لكنها كما واكبتهم فيما عرف بنقل العلوم والمعارف اختبرتهم كذلك في مؤامراتهم وصناعة مكائدهم وحيلهم واحابيلهم في سحق الهويات المحلية ومحاولات فرض التبعية واشاعة الفكر الاستئصالي ضد كل ما هو وطني او قومي او ديني خاص باهل المنطقة!
ما حصل في العقود الاخيرة هو كلاب حراسة هذه السياسة من الحكام المحليين ذهبوا بالبلاد واستجابة لتلبية عقد التبعية والخنوع والاذلال الذي وقعوه مع اسيادهم، الى محاولة تحويل الشعب المتحكمين بمصيره الى مجرد قطيع يمشي وراءهم، وهنا طفح الكيل بالجماعة واستوت نار الثورة وقرر الجمع ان يرحل ويمشي ذلك 'الراعي' الخائن والعميل وكلب الحراسة المخلص للاجنبي بأي ثمن كان وان تعود الجماعة الى الصراط!
هذا ما حصل مع شاه ايران وهذا ما حصل مع شاه تونس وهذا ما حصل مع شاه مصر، وهو ما يمكن ان يحصل مع اي شاه يخرج على هوية شعبه او يحاول اذلاله او سلب كرامته او يتجرأ عليه في اي من مقدساته او حقوقه الانسانية المعروفة، بعد ان فاض الكيل بالشعوب وقررت في عصر الصحوة واليقظة واكتمال نصاب الوعي الجماهيري وانكسار حاجز الخوف الوهمي ان تقطع مع كل ما هو دخيل وان توصل خيوطها مع كل ما هو اصيل!
اخيرا وليس آخرا، لا احد في ايران من السذاجة من لا يعرف هذا ومن ثم لا احد يريد استنساخ ثورته لأحد، لكن القدر المتيقن لدى كل محارب لامريكا والكيان الصهيوني هو ان يعمل لمساعدة اخيه في الهوية والكرامة والعزة في منع المهزومين وعلى راسهم واشنطن وتل ابيب من اللعب مجددا على التناقضات من اجل زعزعة صفوف الثوار او اشاعة الفرقة بينهم، لعلهم ينجحون في خطف ثورة هنا او ثورة هناك او منع سقوط احجار الدومينو الاسرائيلية الامريكية في محاولة لمنع استكمال انهيارهم او تاجيل المنازلة الكبرى الموعودة! اما اللعب في الوقت الضائع وتحريك صغار هنا او هناك باسم معارضة النظام في بلد 'الجائزة الكبرى' اي ايران و التي لم يحظ بها بوش الصغير في اوج جبروته، فإن اوباما اصغر من ان يلامسها عبر عملية تشبيه بائسة ويائسة من خلال رموز محروقة وغارقة في اليأس لحرف الانظار عما يجري في سفينتهم الاستعمارية الغارقة في البحرين الابيض والاحمر!
فقد نسي هؤلاء ان احمدي نجاد هو اول من بدأ موجة الثورة على الفساد والمفسدين واحتكار السلطة في بلاده قبل سنوات وهو الآن في اوج حصاد ما زرع وصار وراءه جيش عرمرم من 'الناس بوك' يقودهم امام فدائي هو آية الله السيد علي خامنئي، له من 'القدسية' والكرامة عندهم اذا قال لهم خوضوا البحر مشاة سيخوضونه، ومعه اركان قادة من احفاد قائد ثورة التنبك الايرانية الشهيرة التي اسقطت منح امتياز احتكار التبغ الايراني للانكليز ومعه حكم الملك ناصر الدين شاه القاجاري بجملة واحدة: 'اليوم استعمال دخانيات حرام است'! هذا هو ما يجمع بين ايران وتونس ومصر ولبنان وهذا ما يجعل نصر الله يمشي الخطى ملكا متلهفا ساعة الصفر ليأمر قواته بالزحف على الجليل!