يا حرّاس المحروسة .. لقد سقط القناع عن القناع

عبدالإله بنهدار

يعتبر النظام المصري الحالي في غرفة الإنعاش.. إن لم نقل في مرحلة الموت السّريري.. سواء دام النظام 6 أشهر أو أقل.. ولأن السينما تجد في مثل هكذا أحداث انتعاشة درامية فلا شك أن السينما التونسية بنسبة أقل والسينما المصرية بنسبة أكثر ستعرضان معا أفلاما تليق بالمرحلة وتكون إضافة لربما ستكون مرجعية لا بد منها موازاة مع  قيل وسيقال، وما كتب وما سيكتب، في الصحف والمجلات والكتب وشبكة الانترنيت، هذه الكتابات جميعها ستدشّن لمرحلة جديدة ولعهد جديد من عهود الأنظمة العربية..

عن السينما المصرية تحديدا ودون غيرها من " السينيمات"  العربية وبحق، تعتبر الأولى رائدة في إنتاج أعمال لشخصيات أدبية لعبت دورا مهما في الحياة الفكرية والثقافية المصرية  نذكر مسلسلات مثل : مسلسل الوسية.. الأيام لطه حسين.. عصفور الشرق لتوفيق الحكيم.. أعمال نجيب محفوظ .. أعمال إحسان عبد القدوس وغيرهم كثير.. وعن الساسة البارزين في مصر.. سعد زغلول.. الملك فاروق .. جمال عبد الناصر.. أنور السادات إلخ. العملان الأخيران لعب دوريهما المرحوم أحمد زكي.. هذا غيض من فيض كما يقال.. ولذلك من يتحدث عن السينما المصرية اليوم من المغاربة وغيرهم من العاملين في القطاع من العالم العربي وبنوع من التقليل والاستخفاف أظنه يقرأ المشهد السينمائي المصري قراءة مبتسرة ومشوهة، أو أنه لا علم له بهذه السينما جيدا.. لأنها وبحق كانت السينما المصرية هي الوحيدة التي تمثل طموحات جيل عربي معين في حقبة ماضية ومن هذا الجيل نذكر مغاربة كانوا يصطفون أمام دور السينما في معظم المدن المغربية ليشاهدوا آخر الانتاجات السينمائية القادمة من مصر..

سؤال عاشق السينما الآن هو كالتالي : ترى من هي الشخصية ، وهي مصرية بكل تأكيد، والتي ستؤدي دور الرئيس حسني مبارك في الأعمال السينمائية والتلفزية  فيما سيأتي من قادم الأيام.

فهذا الرئيس حكم مصر لمدة 30 سنة ويصعب أن نصنف حكمه بالرئاسي إذا ما اعتمدنا المعايير التي يسلكها الغرب وغيره كأمريكا سيدة العالم في الوقت الراهن فيما يخص نظام الرئاسة.. هذا النظام (المصري أقصد) يعتبر مادة دسمة للعاملين في القطاع السينمائي المصري من  كتاب ومخرجين ومنتجين بلا شك ..

والحالة هذه وكواحد من عشاق السينما أحاول قدر الإمكان أن أتخيل آخر مشهد من المشاهد السينمائية المصرية المقبلة كالتالي :

 المشهد (ما قبل الاخير)        داخلي        قصر الرئاسة          نهارا

غرفة كبيرة الحجم نوافذ تطل على الخارج وعليها ستائر شفافة تدخل عبرها أشعة الشمس للقاعة .. صوت المتظاهرين بتنحية الرئيس يأتي من الخارج مجلجلا.. الرئيس مبارك وهو يطل من بين الستائر بحذر ثم يعود ليجلس على كرسيه الرئاسي يتوسطه علمان لمصر.. يستعد لخطبة موجهة للمتجمهرين في ميدان التحرير بالقاهرة وهو في انتظار من يسلمه الورقة المكتوب عليها خطابه.. وإلى جانبه على اليمين يقف نجله جمال مبارك.. نعاين في الكادر يدا تمتد لتسلمه الورقة.. يطالع  الرئيس الورقة .. يرفع رأسه ويتشجع للنطق  بأول كلمة..

الرئيس

أيها الشّـ.. شـ.. شـ.. شـ. ــشـ ........

 يعجز عن تتمة الكلمة فينتبه نجله مبارك الذي يسرع ليحضر له كوب ماء.. نعاين الورقة / الخطاب وهي تسقط  من يد الرئيس والريح تقلبها شيئا فشيئا.. نتابع الورقة الآن حتى تخرج من النافذة المطلة على شارع ميدان التحرير متطايرة في الهواء وعيون المتظاهرين مركزة عليها، بينما الرئيس يمسك بيديه على الكرسي وهو يرتعد من حرارة الموت التي تحضره الآن.. أخيرا يتوفاه الأجل وعيناه جاحظتان ويداه تمسكان بالكرسي.. بينما ابنه جمال يحاول أن يتشجع ويتماسك.. يمرر يده على عيني الرئيس فليغلقهما.. إلا أن العينين تعودان  للحالة الأولى  وتفتحان من جديد..

(المشهد  الأخير)         خارجي         المقبرة         نهارا

مجموعة من الشخصيات المهمة حول القبر من بينها شخصية نجله جمال .. وشيوخ الأزهر في لباسهم المعتاد إلى جانب الشخصيات.. يضع معظم الحاضرين نظارات سوداء على عيونهم.. على هامش القبر توجد جثة الرئيس بنفس الملابس وعلى نفس الهيئة التي رأيناه عليها في المشهد السابق.. عينان جاحظتان ويدان متمسكتان بالكرسي من كلا الجهتين.. رجلان من حفار القبور يخرجان من الحفرة التي تبدو عمودية الشكل .. يتدخل شيخ الأزهر مستعطفا الحاضرين..

شيخ الأزهر

يا ناس .. !حرام.. إكرام الميت دفنه.. ودفن الميت بهذه الطريقة وعلى هذه الشاكلة حرام.

شيخ ثان

عاوزنا نعمل  لو إيه يا سعادة الشيخ..؟

شيخ الأزهر

ما تشوفو  لو طريقة  أخرى تدفنوه بيها غير ذي.. !

شيخ ثالث

طريقة زي إيه يعني ..؟

شيخ الأزهر

القبر لازم يكون طويل على حجم الجثة مش حفرة ..

شيخ رابع

  مش احنا اللي ختارنا .. هو اللي اختار يموت كذا .. ذا رايسنا  نشيلو فوق روسنا..

شيخ خامس

وعلشان كذا لازم نحترم طريقة موتو.. زاي ما كنا نحترم طريقة حياتو يا شيخ.. !

(يرفع اكف الضراعة على الله داعيا)

الله يرحمك يا رايس.. ويشبشب الطوبة اللي تحت راسك.. يا ربّ..

يلكزه شيخ آخر.. وهو يهمس له دون أن يسمعه الآخرون..

شيخ خامس

ما تستنّى لمّا يندفن يا أخي..

شيخ رابع

  يا سبحان الله .. بصّ .. شوف 82 سنة.. ولا شعرة شيب وحدة طلعت في شعر راسو..

شيخ خامس

  بيقولو والله أعلم ..عندو موظف ماهيتو محترمة بيصبغ لو كل يوم شعرو.. . !

شيخ الأزهر

ذي اسمها نميمة ياشيخ..

شيخ خامس

أستغفر الله .. من غضب الله..

    شيخ الأزهر (محتجا)

لازم من فتوى في اللي أنا شايفو ده.. الميت لازم لو كفن.. ولازم يندفن وهو مستريّح..  مش وهو لازق على الكرسي زي ما نتو شايفين..حرام كذا يا ناس حرام.. . !

شيخ آخر

هو اللي عاوز يموت كذا.. نعمل لو إيه..؟

شيخ الأزهر

طول عمري ، ما قرأت ولا سمعت بواحد من الخلفاء أو الملوك أو الزعماء دفن كذا.. !

شيخ ثان

وعلشان كذا قلنا موتة الرايس ذس معجزة.. ولازم نفتخر بيها.. !

شيخ الأزهر

أنا قلت فتواي .. والسلام عليكم..

يحاول  شيخ الأزهر المغادرة فيمسكه أحد الشيوخ من يده ..

شيخ ثالث

لا تتعجل ياشيخ.. استنى ..

شيخ الأزهر

ما تقوم إنت مقامي ياشيخ مرعي.. أما أنا خلاص.. خلاص.. فاض بيا ومليت..

شيخ رابع

خايف من إيه بس ياشيخ ..؟

شيخ الأزهر

من غضب ربنا طبعا..

شيخ ثان

ذا أنت كبيرنا .. لازم أنت اللي حتقرأ الفاتحة على روحو..

شيخ الأزهر

       فتّحو كويّس ..واسمعوني كويّس.. ذا أنا بقول لكم أهو.. الجنازة دي بايزة.. ومش          حاحضر تتمة مراسيمها.. وعلشان كذا وإرضاء لوجه الله عز وجل.. لازم أمشي .. وذي الوقت ..

يغادر شيخ الأزهر وينوب عنه شيخ آخر في مراسيم الدفن ..

شيخ آخر

إدفنوا الميت بأسرع وقت ممكن .. إكرام الميت دفنه..

ينزلونه للحفرة ويدفنونه أمام أنظار الحاضرين على شكل عمودي وهو جالس على الكرسي بينما يسرع أحد شيوخ الأزهر من نجل المرحوم ويوشوش له في أذنه.. جمال هو الآخر يوشوش للشيخ الذي يقول بصوت عال..

الشيخ

        الرايس المحترم ابن الرايس المرحوم بيقول.. ترحّما على روح الرئيس        الطاهرة .. لنقرأ جميعا على قبر المرحوم " آية الكرسي " سرّا لا جهرا..

الجميع يرفع أكف الضراعة إلى الله وهم يتمتمون بآية الكرسي سرا..

يطلع جينيريك النهاية ..

سيناريست وكاتب مغربي