سقطت ديكتاتوريات الخوف

موسى حوامدة

يصدح صوت شادية "يا حبيبتي يا مصر"، فتعيدنا إلى الزمن العربي الجميل الذي كانت فيه مصر أم العرب وأم الدنيا جميعها، الانتفاضة الشعبية في مصر، أعادتنا إلى الحياة مجددا، وإلى الأمل، ونقلتنا من حالة اليأس، والعجز، والتغني بموت العرب وانقراضهم، (تلك الكلمات التي رددها شعراء ومفكرون كبار، دفعونا إلى غرفة الإنعاش، بل إلى حالة الموت السريري)، إلى حالة تشبه ما أسماه توفيق الحكيم، بعودة الوعي أو عودة الروح. عاد الألق لأرواحنا المثخنة بالهزائم، ومفاوضات الإستسلام، عاد الأمل بغد عربي مشرق، وبمستقبل حيوي جديد، مهما بدا على البعض التشاؤم والتبرم مما يجري.

لكن أخطر ما كشفته الإنتفاضة في مصر، وضع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة في موقف حرج، فهم حريصون على أكبر حليف استراتيجي في الشرق الأوسط، ولكنهم (يؤمنون) كما يزعمون بالديمقراطية والحرية، والتي تتمثل بحق الناس في التظاهر السلمي، وتداول السلطة، وبذا لا بد أن يكونوا مع المتظاهرين من الشباب، والذين تعرضوا للاعتداء العلني والمصور، وكان يفترض أن يتم الوقوف بحزم في وجه الطغيان، منذ تم تزوير الانتخابات أكثر من مرة، ومنذ امتد الحكم الديكتاتوري كل هذه السنوات، لكن ميزة مبارك أنه كان ملتزما تماما بمعاهدة كامب ديفيد، وبالسلام مع إسرائيل، وعمل كل ما في وسعه لحصار غزة، وتفتيت القضية الفلسطينة، وغض النظر عن فقدان السلطة الفلسطينية شرعيتها، وحاصر العراق، ووقف مع جورج بوش الأول، في الحرب الأولى ضد العراق، ووقف مع احتلاله، أيام جورج بوش الابن، وساهم بعبور القوات الامريكية والغربية قناة السويس بكل حرية، بل وافق على شروط اسرائيل في مراقبة سيناء، وإغلاق معبر رفح كليا أبان العدوان على غزة.

ومع ذلك ظل الغرب يدعمه بالمال والاعلام، فقد تبين أن القروض الغربية وصلت الى المليارات، مقابل الالتزام بالمعاهدة وتأمين مصالح الغرب كليا، علما أن التنمية في مصر، لم تشهد نقلة كبيرة، ولم تفد من كل هذه المليارات، بل ازدادت نسبة البطالة والفقر الى درجة مرعبة، لأن الفساد صار مؤسسة، بل صار نهجا لرجال أعمال طارئين، وسياسيين وحزبيين منافقين، وتكونت طبقة غريبة الشكل والأخلاق، نهبت المال العام، وحولته إلى جيوب محددة، وحرمت أبناء الشعب المصري من خيرات البلاد، ومن فوائد القروض الدولية، التي رتبت ديونا على الخزينة المصرية، كما حدث أيام الخديوي اسماعيل.

كيف سيتصرف الغرب بين ارضاء اسرائيل، والحفاظ على حليفها القوي وبين (تلك القيم الفضفاضة) التي أُشبعنا بها ليلا نهارا، عن الحرية والديمقراطية والشفافية، وحق الشعوب في تداول السلطة، وحين جاءت ساعة التطبيق، في العالم العربي، بدا التردد والتلاعب والتشدق، وصار الغرب يفكر في مصالحه، قبل أن يتفوه بما يثبت جدية تلك الشعارات، تماما كما حدث في تونس، حين تردد الاتحاد الأوروبي في إعلان موقف حازم من الديكتاتور ابن علي، وكما يحدث اليوم في العديد من الدول العربية.

تناقض ليس غريبا علينا، من قبل الغرب، الذي اكتفى بوصف العرب والمسلمين بالإرهاب، ولم يعد يميز بين أصولي وليبيرالي، بين يميني ويساري، وصار ينظر لنا جميعا بعين واحدة، بل تخلوا عن كل تلك الشعارات أمام الاحتلال الصهيوني، وساهموا بشكل لا يقبل الجدل، بتقوية هذا الكيان وغطرسته، واستمرار تجاهل حق الشعب الفلسطيني، في ترابه وأرضه.

 تثبت لنا الانتفاضة الشعبية في مصر، ومن قبلها ما جرى في تونس، أن الشمس لن تتوقف عن الشروق، فقد سقطت ديكتاتوريات الخوف، ونجحت وسائل الاتصال الحديثة في تقريب الحرية، وليس تقريب الشرفاء من بعضهم البعض.

إن أسوأ ما في الأمر، ان البعض ما زال يعيش الأمية التكنولوجية، وما زال يرفض فهم روح الانترنت، بل ما زال يفكر بعقلية العصا والجزرة، وترهيب الناس بالسيوف والنوق والجمال، ولم يدر أن قلاع الطغيان سقطت بلا رجعة.

 

musa.hawamdeh@gmail.com