«تفاهمات» الإخوان مع عمر سليمان

محمد طعيمة

الفزاعة: تؤمرني يا فندم
* اجتماع سري جمعهم بسليمان سبق جولة الحوار الثانية
* مظاهرة مستقلة لهم بالإسكندرية.. وصلاة منفصلة عن باقي المتظاهرين
* فهمي هويدي يسأل قيادتهم: مع التحرير أم مع لاظوغلي؟
* مع بداية "لقاء خاص" جمعهم بنائب الرئيس.. نفوا ارتباطهم بالبرادعي
* الكتاتني: سنرشح مسلماً للرئاسة.. وليتنافس معه قبطي أو امرأة
* (جزيرة مصر).. فضائية جديدة من قطر لدعم الإخوان في الانتخابات القادمة

بالطبع هي "محض صدفة" أن "يتصادف" تزامن ظهور بعض هتافات الإخوان، ثاني ثلاثاء للثورة، مع تزايد الحديث الغربي الصريح عن "ضرورة التنحي"، ليرتد الخطاب الغربي ثانية إلى مناطقه الرمادية.

منذ البداية كان موقف الإخوان حاسماً، لم يرحبوا بدعوة التظاهر في 25 يناير. فإن الجماعة التي لوحت بنقل قضية اضطهاد الشرطة لأعضائها إلى الساحة الدولية، بررت رفضها المشاركة في الحشد ليوم 25 يناير بأن "التظاهرة تصادف يوماً وطنياً يحتفل فيه الجميع بجهاز الشرطة، ويجب أن نحتفل جميعاً بتلك المناسبة". مع نجاح حشود 25 يناير وتوالي الانتقادات لتخليهم عن الحراك العام، عاد بعض قيادتهم ليتحدثوا عن حرية مشاركة عناصر الجماعة. شارك فعلاً الآلاف من شبابهم، ومن الطبيعي ألا يظهروا، كما باقي التيارات، وسط مئات الآلاف من القوى السياسية الأخرى. لكن المتابعين لاحظوا أن الوجود الإخواني حتى على مستوى "الرموز الإعلامية" كان محدودا مقارنة بأحزاب وقوى لم تعتد التظاهر.. مثل الوفد. نفس الحال ينطبق على يوم جمعة الغضب وسقوط الشهداء وصمود الشباب بصدره العاري وبدمه لوحشية الشرطة، الذين كانت غالبيتهم الساحقة من المواطنين العاديين.

ربما كان ظهور قطاع من السلفيين أكثر بروزا لطبيعة "هيئتهم العامة" رجالاً ونساء، متجاهلين دعوة شيوخهم لعدم شرعية المظاهرات. ظهور الإخوان بدا ملحوظاً كعدة آلاف بين "المليون" منذ الأحد التالي، وسمعنا تصريحات من رموز لهم مثل عبدالمنعم أبوالفتوح وعصام العريان بأنهم كانوا حاضرين "وبقوة"، لكنهم فضلوا "عدم الظهور"، سواء "لأنهم جزء من الشعب".. أو "لعدم استفزاز المخاوف الغربية"، ووصل الأمر بمهدي عاكف للقول: "كنا الرائدين في التظاهر". كنقطة نظام، يجب علينا التفرقة بين الإخوان كقيادات تقليدية ووسيطة وبين القطاع الأغلب من شبابهم، الذي ظل صامدا في صفوف الثورة كما باقي المشاركين فيها، لم ينشغل بحجم الغنائم أو بالقفز عليها. وتنظيمياً نفذ شباب الإخوان ما تعهدوا به، فلم يظهروا ككتلة داخل الثورة ولم يرفعوا شعاراتهم الخاصة وبرعوا في تنفيذ "مهمات لوجستية".

*****

في أيام التظاهر الأولى، حاول كل من محمد البلتاجي وأيمن نور "الإمساك بالميكروفون" والحديث للمتظاهرين لتردعهم هتافات: "انزل.. انزل، لا إخوان ولا أحزاب.. شبابية شبابية". البلتاجي سعي ليلتي الاثنين والثلاثاء لتجميع مئات الإخوان حوله، وليلة الثلاثاء ظهر أول هتاف إخواني في ميدان التحرير، ردده خلفه المئات منهم.

ذات الثلاثاء، ومع تواتر تصريحات رموزهم عن "دورهم" في الثورة، و"تصادف" تجدد الحديث عن المخاوف الغربية، سخر أحد أبرز مراقبيهم لفضائية العربية، الباحث حسام تمام، ممن يتحدثون عن دور بارز للإخوان مستشهداً بما شاهده وعاينه عن الإسكندرية.. التي يرددون أنها أبرز قلاعهم، التي قال إنه "يعرفها ويعرفهم مثل كفي يدي"، مؤكدا أن الحضور الإخواني "كان باهتاً".

ما لم يسعف الوقت (تمام) لقوله كشاهد عيان، أنه اليوم التالي مباشرة، الأربعاء شهدت عروس المتوسط أول انشقاق في الثورة.. فإضافة للمظاهرة الرئيسية تجمع الإخوان في مظاهرة أصغر بكثير وظلوا يطوفون الشوارع على تخوم المظاهرة الأم، المدهش أنه حين حان وقت صلاة العشاء.. أقاموها منفردين وبإمام خاص بهم. لكن (تمام) روى في الأخبار اللبنانية مشهدا مماثلاً يوم جمعة الغضب: "كان المتظاهرون أكثر من مليون ونصف مليون يمثلون ربع مواطني هذه المدينة، طافوا كل الشوارع وملأوا كل الفضاءات وتحركوا وثاروا وهتفوا وصرخوا وطالبوا وتفاعل معهم الناس. وكان "الإخوان"، مثل بقيّة الشعب، جزءاً من الثورة. قام خطيبهم وملأ الدنيا خطابة وثورة. ثمّ لما أعياه التعب، تلا الدعاء التقليدي: سبحانك اللهم وبحمدك نشهد أن لا إله إلا أنت نستغفرك ونتوب إليك، وأكمل بتلاوة سورة العصر... ودعا الناس للانصراف راشدين!"

*****

دعوة "الانصراف راشدين" كانت أولى تداعيات مشاركتهم في الحوار، و"عودتهم" للقصر الحاكم لأول مرة في عصر مبارك، بعد أن عرفوه طويلاً في العهد الملكي وفي عصر السادات. وضمن التداعيات يرصد (حسام تمام) في الأخبار اللبنانية الاثنين 7 فبراير 2011: "تحولاً لافتاً طرأ على موقفهم"، مشيرا إلى أنهم "برروا موافقتهم بأنهم سيتحاورون مع نائب الرئيس عمر سليمان على رحيل مبارك. لكنّ المؤكد هو أنّ الإخوان تنازلوا فعلياًَ عن مطلب الرحيل، ودخلوا فعلاً في صيرورة الحوار وفق ما طرحه النظام.. لا وفق ما طرحوه هم في البداية". يتوقف تمام عند "شكوكا تقليدية في أن الإخوان يظلّون دوماً أقرب إلى النظام حتى في خيالهم السياسي، وأنهم دائماً راغبون أو أقلّه قابلون في التقرُّب منه حتى وهم ينتفضون ضده".

مساء يوم الجولة الثانية من الحوار، تكشّف أن الإخوان عقدوا اجتماعا "خاصا" مع عمر سليمان سبق لقاءه الثاني بهم وسط باقي المشاركين في الحوار. وكأن الحوار كله كان "كاموفلاش" للقاء الإخوان مع نائب الرئيس السابق. كان سليمان يريدها "نصف ثورة".. ووافقه الإخوان.

تفاصيل "الصفقة" التي تبلور عنها اللقاء الخاص مع سليمان نشرتها جريدة (الشروق) في صفحتها الخامسة يوم الاثنين 7 فبراير 2011، وحتى الآن لم يكذب أحد من قيادات الجماعة ما أوردته الجريدة التي لا يمكن للإخوان الزعم بأنها معادية لهم أو مغرضة تجاههم.

(الشروق) استندت في تقريرها إلى مصادر رسمية وإخوانية، كاشفة عن أن الإخوان، كخطوة أولى طلبوا التفاوض معهم بعيدا عن أبرز حلفاؤهم الآن.. محمد البرادعي، ثم توجز "التفاهمات التى جرت صياغتها بصورة شبه نهائية بين الجماعة والنظام" في عدة نقاط: 1 ـ تعهد الجماعة بتقليص مشاركة أنصارها فى الثورة تدريجيا، بشرط عدم حدوث هجوم جديد على المتظاهرين وهو ما وعدت المؤسسة الرسمية بعدم تكراره. 2 ـ الصفقة لا تشمل تقنين عمل الجماعة ولكن تشمل السماح لبعض أعضائها بإنشاء حزب سياسى، ربما العام القادم. 3 ـ وقف الملاحقة الأمنية للإخوان، شريطة تفاديهم لاستفزاز الدولة.

*****

كان واضحاً أن الجماعة تسير على خطى ما فعله أبوها حسن البنا مع اللجنة الوطنية للعمال والطلبة عام 1946، حين كون فريقا منافساً باسم (اللجنة القومية) يرعاه القصر والاحتلال، وخرج المؤسس في سيارة كونستابل بوليس القاهرة ليطارده الثوار "يسقط صنيعة الاستعمار". وعلى ذات ما نسجته الجماعة بقيادة الهضيبي الأول حين تواطأت مع الإنجليز في محاولة اغتيال عبدالناصر، ثم تفاوضت مع لندن على شكل الحكم والعلاقة بعد التخلص من ناصر أثناء العدوان الثلاثي. وعلى درب مرشدها عمر التلمساني حين تحالف مع السادات لضرب الحركة الوطنية.. سياسياً وبالشوم والأسلحة البيضاء. وعلى نفس روح الصفقة التي عقدتها مع النظام المخلوع في الانتخابات البرلمانية الأخيرة عام 2005، بينما كان ناشطو الحراك يسحلون في الشوارع.

****

انتشرت تفاصيل التفاهمات/ الصفقة التي عقدها الإخوان مع عمر سليمان، لينصح زعيم المقاومة الشعبية في السويس الشيخ حافظ سلامة "الذين قدموا أنفسهم ممثلين عن المصريين، بأن يتّقوا الله في شباب مصر وثروتها، ويتركوا الساحة للشباب ليعبروا عن انتصارهم بطريقتهم". ويرصد كاتب إسلامي بحجم فهمي هويدي، في السفير اللبنانية الأربعاء 9 فبراير 2011 كيف "التبس علينا موقف الإخوان، فلم نعرف على وجه الدقة أين يقفون، مع ميدان التحرير أم ميدان لاظوغلي". ليخلص هويدي، بثقله بين التيارات الإسلامية وخارجها إلى أن "مشكلة الإخوان أنهم ـ أو بعضهم ـ فرحوا بالإعلان الرسمي عن دعوتهم للحوار، وحضروا الاجتماع الذي تجاهل المطلب الأساسي لثورة 25 يناير"، منتهياً إلى أن "الذين ذهبوا إلى الحوار منهم فقدوا ثقة شباب ميدان التحرير.. (..) وحسبوا أنهم بحضورهم كسبوا نقطة لدى الحكومة، وبإعلانهم اللاحق فإنهم ظلوا يحتفظون بموطئ قدم في ميدان التحرير. وللأسف فإنهم خسروا الاثنين، لأن السلطة استدرجتهم واستخدمتهم في الحوار، ولن تعطيهم شيئا". ثم موجهاً سؤالا مباشراً لقادة الجماعة: "مع التحرير أم مع لاظوغلي".

****

تعهد الانسحاب التدريجي لم ينجح في إقناع الشباب، يكتب تمام في الأخبار اللبنانية: "لا يزال الزعيم الإخواني، يفكر بنفس العقلية التقليدية التي يبدو أنها لم تغيّرها الثورة. لا مانع لديه أن يقف ليخطب بالساعات في جموع لم يجمعها ولم يحلم يوماً باجتماعها. ثم إذا شعر بالتعب وبأن التظاهرة زاد وقتها وأنه لا طاقة له على الاستمرار، لا يجد مانعاً من أن يدعوها إلى الرحيل من دون أن يسأل نفسه: هل يجب أن تنصرف الجماهير لأنه هو تعب ولم يعد لديه ما يقوله؟ وهل لا بد أن يكون في حيازته دليل الثورة وحركتها ومطالبها؟".

لم ينسحب شباب الإخوان، متجاهلين ما تعهد به شيوخهم، فأزمة تقليديي الجماعة، كما يتفق هويدي وتمام: "أنهم تعاملوا مع الثورة بنفسية ما قبلها (..) كأن ثورة لم تندلع ونظاماً لم يتضعضع ويوشك على السقوط".

انهارت التفاهمات/ الصفقة.. لأن طرفها الرئيسي سقط، ويبدو أن لديهم لعبة جديدة مع إعلان تشكليهم حزب سياسي يعزف بالتوازي مع الجماعة الأم على "توظيف" الإسلام، هاهم يتراجعون ويعلنون أن الدولة المدنية لا تتناقض مع دولتهم الدينية، مدعومين بفضائية جديدة تمولها المخابرات القطرية باسم (جزيرة مصر)، يديرها الإعلامي الإخوانجي (أيمن جاب الله) الذي تم نقله قبل شهور من منصب نائب رئيس الفضائية الأم إلى رئاسة الجزيرة مباشر، على خلفية اتهام عدة مذيعات له بالتحرش بهن.

هكذا بدأت لعبة القفز على ثمار ثورة استهجنوا خروجها "احتراما منهم لعيد الشرطة الوطني"، وهاهم يستعدون لطرح منافس على الرئاسة رغم تعهدهم بأنهم سيدعمون مرشح التوافق الوطني، فوفق سعد الكتاتني: "سنرشح مسلماً للرئاسة وليتنافس معه قبطي أو امرأة، الاختيار متروك للناس".

ألم يقل هويدي وتمام إنهم مازالوا يتعاملون بنفسية وذهنية ما قبل الثورة.


العربي  القاهرية

الأحد 20 فبراير 2011