رهانات فعل القراءة
الأسئلة التي تفضلتم في إرسالها استكتاباً لما يفترض بهم من أهل الثقافة وشؤونها، مركبة، متشعبة، تحتاج كل فقرة فيها إلى مبحث خاص، دؤوب وصبور، من قبل متخصصين عرب في مثل هذه القضايا الحساسة «هل ثمة متخصصون عرب؟» على أن الجوهر الذي تنطوي عليه غالبية الأسئلة يكاد ينحصر في أزمة الكتابة العربية وكتّابها وكتابها، ورقياً وإلكترونياً، وهي أزمة، مركبة، بدورها، يكاد لا يخرج منها أحد أحد بريئاً، فالكل مسؤولون، بدءاً من تقليب الفكرة في رأس الكاتب/ الشاعر/ الباحث/ الفنان، مروراً بالناشر/ التاجر وشروطه وألعاب العرض والطلب في سوق الثقافة العربية، وانتهاء بقارئ افتراضي، يكاد لا يعرفه الكاتب، صانع الثقافة، ولا يدري أين يقيم ليجده ويفاوضه حول نتاجه، أو يسمع منه رأيه، وكأن الكاتب، صانع الثقافة، يرمي بأوراقه إلى الريح توجهها جنوباً أو شمالاً، فلا لها مستقراً، إلا أؤلئك الكتاب، الذين، بمزيج من الحظ والحظوة، ومآرب أخرى، يتداولهم النقد الثقافي (بأوراقه المختلطة) لأسباب عدة يأتي الحرص والموضوعية وترسيخ الجاد والجديد في آخر اهتمامه. يتشكل المثلث الثقافي من أضلاعه غير المتساوية: الكاتب ـ الفنان (منتج المعرفة والفن) + نتاجه (كتاب، شريط سينما، لوحة تشكيلية، مسرح... إلى آخره) + متلق (قارئ، مشاهد، متفرج، مستهلك... إلخ.. غير أن لمثلثنا ضلع رابع، وهو أخطرها على الأطلاق، ما أسميتموه، أنتم (الوسائط التقليدية) التي أفهمها، حسب طريقتي، على أنها وسائط إباحة وتحريم وترويج وحجب، في صورة مكشوفة، معروفة، وباتت بين أكثر صور ثقافتنا العربية، رسوخاً وتكراراً، ومدعاة للضجر، بل اليأس. هذه (الوسائط التقليدية) هي أدوات السلطة المتلاعبة بالعقل العربي، التي تضخ بضاعتها المنتقاة، عبر فلاترها المتعددة: تلفزيونها، اتحادها الأدبي، وزارة إعلامها (أو ثقافتها) أو كليهما معاً، والتي استطاعت تكريس مناخ (ثقافي) ذي مواصفات خاصة وقوانين مرئية ولامرئية، من الصعب على النص الحر، الجريء والجديد، اختراقه، وصار حتى إمام الجامع يمتلك صلاحيات منع وتحريم النص الغريب على الذائقة السائدة، بل قد يصل الأمر إلى هدر دم الكاتب ونصه. على أن أقسى أشكال الرقابة هو الرقابة الذاتية التي يمارسها الكاتب على نفسه ونصه، حتى لو غاب الرقيب الرسمي (كما في العراق اليوم، مثلاً، وأعتقدها مرحلة عابرة، لكنها قد تمتد زمناً غير قصير، بوجود السلطات الخفية أو الرقيب المسلح). تقودنا هذه النقطة إلى معضلة الحرية في بلداننا، والتي تشكل الحرية الداخلية للمثقف أساسها وهيكلها ومنطلقها، إذ أن الكاتب الذي يفتقد إلى الحرية الداخلية لا يمكنه أن ينتج نصاً حراً. ومن هنا تنبثق أيضاً مشكلة الحديث والجديد والطليعي، فالمدارس الفكرية والفنية/ الإبداعية، وأهم الاتجاهات الفلسفية، في عالم اليوم، هي من منشأ غربي، أوروربي ـ أميركي، تحديداً، ويمكنكم أن تضعوا جردة بسيطة لتكتشفوا ذلك: فلسفة الأنوار، الرومانسية، الرمزية، الواقعية، الدادائية، التعبيرية، السوريالية، الوجودية، التجريدية، المفاهيمية، التفكيكية، البنيوية، إلخ.. بينما تظل الجملة العربية الأثيرة تتردد صوتاً وصدى، في ممرات التاريخ العربي المعاصر: "اللحاق بركب الأمم المتحضرة.." منذ مرحلة ما بعد الاستعمار والتحرر الوطني حتى اليوم! إن الحرية الداخلية للكاتب/ المفكر/ الفنان العربي غالباً ما تتعرض للعدوان السافر على أيدي السلطة العربية القمعية، حتى لو كانت هذه الحرية في مرحلة طفولتها المبكرة، فالمدرسة الابتدائية لدينا تدرسنا منهجاً محافظاً، بارداً، يطالبنا بحفظ النص المدرسي على الغيب (نسميه باللهجة العراقية "الدرخ") والتلميذ الناجح هو التلميذ الدرّاخ، لا التلميذ المفكر، المتسائل، الشكاك، القلق، والتفوق الدراسي يتناسب، طرداً، مع قدرة التلميذ على الدرخ. يشبّ هذا التلميذ على التعليم الببغائي، وينشأ على أداء مهمة ستلازمه طيلة حياته العملية، لاحقاً، هي إرضاء معلميه/ مديريه/ مسؤوليه، طالما هدفه (النجاح في مهماته الوظيفية).. وإذ يختار المواطن الشاب مهنة أن يصبح كاتباً/ شاعراً/ فناناً، فإنه بالكاد يمتلك الإرادة الكفيلة بنزع جلده المدرسي القديم وحراشفه المدرسية، ليكون جديراً بأداء وظيفة الكاتب/ الفنان/ المفكر الحر. لنفترض أن الكاتب الشاب تهيأت له العناصر النفسية والتجربة الروحية الكفيلة بجعله مثقفاً يحمل في وجدانه حرية داخلية تكون هي هاديه وضوءه وبوصلته في اختيار الجوهري والاسئثنائي والخارق والجديد من الأفكار والصور والمعاني، فما أن يحمل "مشروعه" الحر، الجديد، لينشره بين الناس حتى ترتفع في وجهه هروات متنوعة الأشكال والألوان والحجوم: هراوة العيب، المحرم، المقدس، الحكومي، العرفي، التقليدي، وعلى افتراض ثان: أنه تخطاها، كلها، بخفة الساحر والبهلوان، فثمة سلطة الناشر العربي. إذا كانت الكتابة أحد أكبر الأخطار على المؤسسة الرسمية الحريصة على مجتمع مغمض العينين فالقراءة ليست اقل خطراً لأنها تفتح العينين... وإذا كانت الكتابة فعل تحدّ، فالقراءة فعل تحدي التحدي، عندما يتعلق الأمر بمحاولة القارئ فك المضمر والمرموز والمستغلق.. باختصار القراءة ليست فعلاً سلبياً (تلقي المعلومة المعرفية) بل هي فعل منتج، واع، قد يفاجئ الكاتب والقارئ معاً.. إنها ممارسة نقدية متبادلة تقوم على الجدل المتكافئ. الناشر/ التاجر = مؤسسة تعنى ببيع الثقافة لمشتريها من المتلقين.. أليس كذلك؟ يعني ثمة سوق لها شروطها وقوانينها، فاناشر يتدخل حتى في عنوان المطبوع، في تقديم وتأخير رالفصول، في إشباع هذه الشخصية الروائية أو حذفها، في تخفيف هذا المنحى النقدي الحاد والمباشر لسلطة ما = دولة ما = سوق ما.. وإلا لن يباع الكتاب.. والناشر تاجر لا يشتري بضاعة من منشأها (الكاتب) لكي يطبعها ويكدسها في مخازنه.. أرأيتم كم هو منطقي هذا التاجر النبيل؟ حسناً، طبع الناشر ونشر الكتاب، فمن هم مشتروه؟ طبعاً، القراء، من عامة الناس أو من خاصتهم. لكن، ما هي نسبة المواطنين العرب الذين يشترون الكتب ليقرأوها؟ الجواب أبسط ما يمكن، حسب الإحصائيات الدولية، وحتى العربية، التي اطلعنا عليها أخيراً، ونشرت على نطاق واسع، ولا تتذمروا فلن أسوق، هنا، تلك الإحصائيات، فهي متاحة لمن يشاء، لكنني سأكتفي بأن إحداها تقول: يقرأ المواطن العربي ربع صفحة في العام! هذا هو العيب، عينه! المواطن العربي الذي يقرأ ربع صفحة في العام ليس هو المسؤول، بل نحن المسؤولون: حكاماً ووزراء ومديرو مؤسسات ثقافية ومنشطو مهرجانات وناشرون وكتاب وفنانون وأصحاب فضائيات ومحررو صفحات الثقافة وأصحاب مدونات إلكترونية وووو. قبل البحث في الجديد والقديم ودور الإنترنت في إشاعة الثقافة والكتابة الجديدة وحساسية قصيدة النثر والرواية الطليعية علينا أن نتبنى حملة قومية شاملة لمحو الأمية، وأعني الأبجدية، العربية تحديداً، وهنا أيضاً تسعفنا الإحصائيات، لنكتشف أننا نتخلف عن أقرب الدول إلينا، ومن منطقتنا: إنه عدونا التاريخي: إسرائيل. إن نسبة الأمية العربية تزداد لدينا بدلاً من أن تتناقص! إنها في حدود 70 في المئة، يا ناس! يعني بقي، ثمة، 30 في المئة غير أميين.. أي يقرأون أو بالكاد يفكون الحرف.. فما نسبة من يتعاطون الثقافة بفروعها المعروفة؟ لنقل النصف = 15 في المئة يقرأون.. ولكن هؤلاء الـ 15 في المئة ليسوا كلهم يتعطون الكتب والثقافة والنعرفة بشكل عام، لنقل في أحسن الأحوال ثمة 10 في المئة، ومن هؤلاء كثيرون لا يشترون الكتب، بشكل مخصوص، قراءً محترفين، لأسباب عدة، بينها ضيق ذات اليد، الفقر، حيث تتسلسل أولويات المء الضرورية، بدءا بالغذاء والدواء والملبس (لن أتحدث عن سكنة بيوت الطين والصفيح وسكان المقابر). كم بقي من النسبة إذن؟ ذلكم هو العيب بحذافيره! شاعر وكاتب عراقي مقيم في لندن، يعمل حالياً محرراً ثقافياً في صحيفة (الزمان) اللندنية.
الأسئلة التي تفضلتم في إرسالها استكتاباً لما يفترض بهم من أهل الثقافة وشؤونها، مركبة، متشعبة، تحتاج كل فقرة فيها إلى مبحث خاص، دؤوب وصبور، من قبل متخصصين عرب في مثل هذه القضايا الحساسة «هل ثمة متخصصون عرب؟» على أن الجوهر الذي تنطوي عليه غالبية الأسئلة يكاد ينحصر في أزمة الكتابة العربية وكتّابها وكتابها، ورقياً وإلكترونياً، وهي أزمة، مركبة، بدورها، يكاد لا يخرج منها أحد أحد بريئاً، فالكل مسؤولون، بدءاً من تقليب الفكرة في رأس الكاتب/ الشاعر/ الباحث/ الفنان، مروراً بالناشر/ التاجر وشروطه وألعاب العرض والطلب في سوق الثقافة العربية، وانتهاء بقارئ افتراضي، يكاد لا يعرفه الكاتب، صانع الثقافة، ولا يدري أين يقيم ليجده ويفاوضه حول نتاجه، أو يسمع منه رأيه، وكأن الكاتب، صانع الثقافة، يرمي بأوراقه إلى الريح توجهها جنوباً أو شمالاً، فلا لها مستقراً، إلا أؤلئك الكتاب، الذين، بمزيج من الحظ والحظوة، ومآرب أخرى، يتداولهم النقد الثقافي (بأوراقه المختلطة) لأسباب عدة يأتي الحرص والموضوعية وترسيخ الجاد والجديد في آخر اهتمامه.
يتشكل المثلث الثقافي من أضلاعه غير المتساوية: الكاتب ـ الفنان (منتج المعرفة والفن) + نتاجه (كتاب، شريط سينما، لوحة تشكيلية، مسرح... إلى آخره) + متلق (قارئ، مشاهد، متفرج، مستهلك... إلخ.. غير أن لمثلثنا ضلع رابع، وهو أخطرها على الأطلاق، ما أسميتموه، أنتم (الوسائط التقليدية) التي أفهمها، حسب طريقتي، على أنها وسائط إباحة وتحريم وترويج وحجب، في صورة مكشوفة، معروفة، وباتت بين أكثر صور ثقافتنا العربية، رسوخاً وتكراراً، ومدعاة للضجر، بل اليأس. هذه (الوسائط التقليدية) هي أدوات السلطة المتلاعبة بالعقل العربي، التي تضخ بضاعتها المنتقاة، عبر فلاترها المتعددة: تلفزيونها، اتحادها الأدبي، وزارة إعلامها (أو ثقافتها) أو كليهما معاً، والتي استطاعت تكريس مناخ (ثقافي) ذي مواصفات خاصة وقوانين مرئية ولامرئية، من الصعب على النص الحر، الجريء والجديد، اختراقه، وصار حتى إمام الجامع يمتلك صلاحيات منع وتحريم النص الغريب على الذائقة السائدة، بل قد يصل الأمر إلى هدر دم الكاتب ونصه. على أن أقسى أشكال الرقابة هو الرقابة الذاتية التي يمارسها الكاتب على نفسه ونصه، حتى لو غاب الرقيب الرسمي (كما في العراق اليوم، مثلاً، وأعتقدها مرحلة عابرة، لكنها قد تمتد زمناً غير قصير، بوجود السلطات الخفية أو الرقيب المسلح).
تقودنا هذه النقطة إلى معضلة الحرية في بلداننا، والتي تشكل الحرية الداخلية للمثقف أساسها وهيكلها ومنطلقها، إذ أن الكاتب الذي يفتقد إلى الحرية الداخلية لا يمكنه أن ينتج نصاً حراً. ومن هنا تنبثق أيضاً مشكلة الحديث والجديد والطليعي، فالمدارس الفكرية والفنية/ الإبداعية، وأهم الاتجاهات الفلسفية، في عالم اليوم، هي من منشأ غربي، أوروربي ـ أميركي، تحديداً، ويمكنكم أن تضعوا جردة بسيطة لتكتشفوا ذلك: فلسفة الأنوار، الرومانسية، الرمزية، الواقعية، الدادائية، التعبيرية، السوريالية، الوجودية، التجريدية، المفاهيمية، التفكيكية، البنيوية، إلخ.. بينما تظل الجملة العربية الأثيرة تتردد صوتاً وصدى، في ممرات التاريخ العربي المعاصر: "اللحاق بركب الأمم المتحضرة.." منذ مرحلة ما بعد الاستعمار والتحرر الوطني حتى اليوم! إن الحرية الداخلية للكاتب/ المفكر/ الفنان العربي غالباً ما تتعرض للعدوان السافر على أيدي السلطة العربية القمعية، حتى لو كانت هذه الحرية في مرحلة طفولتها المبكرة، فالمدرسة الابتدائية لدينا تدرسنا منهجاً محافظاً، بارداً، يطالبنا بحفظ النص المدرسي على الغيب (نسميه باللهجة العراقية "الدرخ") والتلميذ الناجح هو التلميذ الدرّاخ، لا التلميذ المفكر، المتسائل، الشكاك، القلق، والتفوق الدراسي يتناسب، طرداً، مع قدرة التلميذ على الدرخ.
يشبّ هذا التلميذ على التعليم الببغائي، وينشأ على أداء مهمة ستلازمه طيلة حياته العملية، لاحقاً، هي إرضاء معلميه/ مديريه/ مسؤوليه، طالما هدفه (النجاح في مهماته الوظيفية).. وإذ يختار المواطن الشاب مهنة أن يصبح كاتباً/ شاعراً/ فناناً، فإنه بالكاد يمتلك الإرادة الكفيلة بنزع جلده المدرسي القديم وحراشفه المدرسية، ليكون جديراً بأداء وظيفة الكاتب/ الفنان/ المفكر الحر. لنفترض أن الكاتب الشاب تهيأت له العناصر النفسية والتجربة الروحية الكفيلة بجعله مثقفاً يحمل في وجدانه حرية داخلية تكون هي هاديه وضوءه وبوصلته في اختيار الجوهري والاسئثنائي والخارق والجديد من الأفكار والصور والمعاني، فما أن يحمل "مشروعه" الحر، الجديد، لينشره بين الناس حتى ترتفع في وجهه هروات متنوعة الأشكال والألوان والحجوم: هراوة العيب، المحرم، المقدس، الحكومي، العرفي، التقليدي، وعلى افتراض ثان: أنه تخطاها، كلها، بخفة الساحر والبهلوان، فثمة سلطة الناشر العربي.
إذا كانت الكتابة أحد أكبر الأخطار على المؤسسة الرسمية الحريصة على مجتمع مغمض العينين فالقراءة ليست اقل خطراً لأنها تفتح العينين... وإذا كانت الكتابة فعل تحدّ، فالقراءة فعل تحدي التحدي، عندما يتعلق الأمر بمحاولة القارئ فك المضمر والمرموز والمستغلق.. باختصار القراءة ليست فعلاً سلبياً (تلقي المعلومة المعرفية) بل هي فعل منتج، واع، قد يفاجئ الكاتب والقارئ معاً.. إنها ممارسة نقدية متبادلة تقوم على الجدل المتكافئ. الناشر/ التاجر = مؤسسة تعنى ببيع الثقافة لمشتريها من المتلقين.. أليس كذلك؟ يعني ثمة سوق لها شروطها وقوانينها، فاناشر يتدخل حتى في عنوان المطبوع، في تقديم وتأخير رالفصول، في إشباع هذه الشخصية الروائية أو حذفها، في تخفيف هذا المنحى النقدي الحاد والمباشر لسلطة ما = دولة ما = سوق ما.. وإلا لن يباع الكتاب.. والناشر تاجر لا يشتري بضاعة من منشأها (الكاتب) لكي يطبعها ويكدسها في مخازنه.. أرأيتم كم هو منطقي هذا التاجر النبيل؟ حسناً، طبع الناشر ونشر الكتاب، فمن هم مشتروه؟ طبعاً، القراء، من عامة الناس أو من خاصتهم. لكن، ما هي نسبة المواطنين العرب الذين يشترون الكتب ليقرأوها؟
الجواب أبسط ما يمكن، حسب الإحصائيات الدولية، وحتى العربية، التي اطلعنا عليها أخيراً، ونشرت على نطاق واسع، ولا تتذمروا فلن أسوق، هنا، تلك الإحصائيات، فهي متاحة لمن يشاء، لكنني سأكتفي بأن إحداها تقول: يقرأ المواطن العربي ربع صفحة في العام! هذا هو العيب، عينه! المواطن العربي الذي يقرأ ربع صفحة في العام ليس هو المسؤول، بل نحن المسؤولون: حكاماً ووزراء ومديرو مؤسسات ثقافية ومنشطو مهرجانات وناشرون وكتاب وفنانون وأصحاب فضائيات ومحررو صفحات الثقافة وأصحاب مدونات إلكترونية وووو. قبل البحث في الجديد والقديم ودور الإنترنت في إشاعة الثقافة والكتابة الجديدة وحساسية قصيدة النثر والرواية الطليعية علينا أن نتبنى حملة قومية شاملة لمحو الأمية، وأعني الأبجدية، العربية تحديداً، وهنا أيضاً تسعفنا الإحصائيات، لنكتشف أننا نتخلف عن أقرب الدول إلينا، ومن منطقتنا: إنه عدونا التاريخي: إسرائيل.
إن نسبة الأمية العربية تزداد لدينا بدلاً من أن تتناقص!
إنها في حدود 70 في المئة، يا ناس!
يعني بقي، ثمة، 30 في المئة غير أميين.. أي يقرأون أو بالكاد يفكون الحرف.. فما نسبة من يتعاطون الثقافة بفروعها المعروفة؟ لنقل النصف = 15 في المئة يقرأون.. ولكن هؤلاء الـ 15 في المئة ليسوا كلهم يتعطون الكتب والثقافة والنعرفة بشكل عام، لنقل في أحسن الأحوال ثمة 10 في المئة، ومن هؤلاء كثيرون لا يشترون الكتب، بشكل مخصوص، قراءً محترفين، لأسباب عدة، بينها ضيق ذات اليد، الفقر، حيث تتسلسل أولويات المء الضرورية، بدءا بالغذاء والدواء والملبس (لن أتحدث عن سكنة بيوت الطين والصفيح وسكان المقابر).
كم بقي من النسبة إذن؟ ذلكم هو العيب بحذافيره!
شاعر وكاتب عراقي مقيم في لندن، يعمل حالياً محرراً ثقافياً في صحيفة (الزمان) اللندنية.