غازات ضاحكة

شريف الشافعي

مقاطع من: الأعمال الكاملة لإنسان آلي (2)
من رحمِ الغرفةِ الكونيّةِ المجهّزة
أتمنى أن أقفزَ عاريًا
كي أفرح بولادتي الطبيعيّة
بعد سيرةٍ ذاتيّةٍ عبثتْ بها مشارطُ الأطباء
وذابت قصاصاتها الأخيرةُ في الملابسِ والأحذيةِ الداكنة

أنا بكل أسفٍ
أسقطُ دائمًا إلى أعلى
في اتجاهِ الثلجِ المشتعلِ
وكشّافاتِ الإضاءةِ القويّةِ
بينما دِلْتَاكِ التي أتشهّاها
غائرةٌ في لحمِ الأرضِ
مختبئةٌ تحت ورقةِ توتٍ ساخرةٍ

آه أيتها العصافيرُ
أيتها الأفكارُ الفسفوريّةُ
عندي ألفُ نافذةٍ لإطلاقكِ
لكن الفضاء كلّه مرعبٌ
قفصي الصدريُّ أحَنُّ عليكِ بالتأكيد
جمجمتي الجامدةُ أرْحَمُ
زنزانتي: حرّيةٌ نسبيّةٌ للسجناءِ
تفجيرُ أسواري بالديناميتِ: حرّيةٌ مطلقةٌ لي

*  *  *  *

قدمٌ مرتبكةٌ
لا يمكنُ الاستغناءُ عنها ببساطةٍ
لأن الساقَ الخشبيّةَ لا ترتبكُ
إذا انغرستْ فيها المشاويرُ الصّدئةُ

رئةٌ صدئةٌ
لا يمكنُ الاستغناءُ عنها ببساطةٍ
لأن أسطواناتِ الأوكسجين
تحرمني هواءكِ العاصفَ،
الذي يجعلني أعطس كل صباحٍ
فيقال لي بحرارةٍ:
"يرحمُكَ اللهُ"

*  *  *  *

السحابةُ الحمراءُ،
التي أحرقتْ أرضي
قالتْ في اعترافاتها:
"أنا أيضًا أرضٌ
تستحقُّ غرسَ جذورِكَ في رَحِمِها"

الأرضُ،
التي أكلتْ سحابتي
قالتْ في اعترافاتها:
"أنا سماؤكَ،
التي أنجبت لكَ سبعَ سحاباتٍ،
بألوانِ الطيفِ كلّها"

*  *  *  *

سجّادةُ الصلاةِ
تصافحُ الحقيقَةَ دائمًا
تمتصُّ أنسجتُها الحيّةُ دموعي
لكنْ لا يزولُ عَطَشُها تمامًا
لأنها متشوّقةٌ
إلى ما لا تستطيعُ عيني أن تسكبه

*  *  *  *

لاحتْ لي في الوقتِ بدل الضائعِ
ثلاث فرصٍ كبرى
لتسجيل طفلٍ باسمي واسمكِ

الأولى أضعْتُها أنا
بسلبيّتي وعدم قدرتي على الابتكارِ

الثانية أضعْتِها أنتِ
برعونتِكِ وأدائكِ الاستعراضيِّ

الفرصةُ الثالثةُ أضاعها حكمُ اللقاءِ،
الذي لم يحتسبْ طفلَ الأنابيبِ هدفًا شرعيًّا

*  *  *  *

أخبَرَتْني قرونُ استشعاري
وموجاتُ الراديو المتحكّمةُ في ميكانيكيّتي
أن الطاقةَ البديلةَ أضحوكةٌ كبرى
في عالمٍ نفدتْ طاقتُهُ الروحيّةُ
قبل نفادِ غازهِ الطبيعيِّ

كنوزي الفريدةُ من حقي أنا وحدي
أنا المحتفظ بمستنداتٍ خطيرةٍ
عن كيفية زيادةِ كرةٍ بيضاءَ سُرعَتَها
رغم الاحتكاك بسطحٍ خشنٍ

أحتفظُ أيضًا بمذكّرات بويضةٍ معجزةٍ
فتّشتْ بقلبها عن إنسانٍ منويٍّ
وسط ملايين "الحيوانات"
أنجبتْ منه ذكرًا وأنثى
الذكرُ: ترمومتر يشيرُ إلى درجة حرارتي، أنا وحدي
والأنثى: بوصلة تشير إلى طريقٍ مهجورٍ
عليَّ أن أسلكه أنا وحدي
كي أصلَ إليكِ وأحتضنَكِ
بشوقِ قمرٍ، بجنونِ نيزكٍ، بحرارةِ نجمةٍ
ساعتها،
سيتحوّلُ عَرَقي وعَرَقُكِ إلى آبارِ دماءٍ هائلةٍ
ستتحوّلُ عروقي وعروقُكِ إلى خطوطِ إنتاجٍ ضخمةٍ
تكفي لتغذيةِ الأجسادِ الباردةِ
وتحريكِ عجلاتِها فوق سطحٍ خشنٍ

شاعر مصري (مقيم في السعودية)
sharifjournal@hotmail.com