قصتان قصيرتان جدا

مبارك حسني

جوانب من شارع فيه رجل يحلم
فجأة وجد الرجل النحيف الطويل القامة الذي يرتدي بذلة خضراء نفسه يرتاد الشارع الغريب. لم يعرفه ولم يتعرف عليه، لم يسر فيه من قبل أبدا.

شارع طويل، عريض، واسع، نقي، تسود فيه شمس ظهيرة يوم ما بلا صفة تميزه، سواء كانت الصفة هذه طقسا أم طابعا أم شكلا.

شارع فارغ، خال من المارة، بممرين متساويين تحفه عمارات شاهقة، حديثة، وما بينهما، هنا وهناك، فيلات صغيرة بمعمار باروكي قديم تحيط بها جنان صغيرة شخصية تسر الناظرين. وبالقرب منها تنتصب أعمدة نور معقوفة الرؤوس مثل عكاكيز عملاقة.

كان شارعا خارجا من قيامة ما!

ملأ عجبٌ فاتك عيني الرجل النحيف، هو الذي تعود على السير في كل الطرقات وفي كل الشوارع كل يوم، حيث يقضي سحابة نهاره، يمشي فيها جيئة وذهابا.

ولم يكن له بد من السير فيه، فذرعه حتى آخره. يخبط الخطو. يدق الأسفلت. أحيانا كأنه يطير، وأحيانا يغرز قدميه في سواد أرضيته يود لو يخترقه. لكن الشارع لا يرد. يظل كما هو، شارع مشرع ومحايد لا غير. والرجل النحيف وحده منعزل، مكشوف، مفضوح الظهور، هدف وحيد بائس في قبضة الشارع.

في الأخير، انتهى الشارع مثل أي شارع في أية مدينة، حقيقية كانت أم متخيلة. وبالطبع، توقف الرجل النحيف عن المشي اضطرارا لا اختيارا. توقف عند حافة الشارع الذي بدا معبرا انساني لا سرمدية له.

وحافتة عبارة عن حاجز حديدي يطل على بحر أورق صاف. منه للبحر.

واحتار الرجل وداخ، وزاد عجبه على الحد المقبول. وتساءل: كيف ينتهي الشارع الغريب نهايته الغريبة هذه؟ ولكي يتأكد التفت وراءه، وهناك لم ير شارعا، الشارع الذي كان جاء به إلى حيث وقف. رأى خلاء ترابيا هائلا كريه المنظر. فالتاع وارتعد من فزع عظيم رجه رجا، فانتفض بقوة وأفاق بعدها مذعورا. ووجد نفسه مستلقيا على مقعد جانبي في شارع جانبي، وقد أخذته غفوة جانبية عند نهاية ظهيرة ملولة. ونهض وأمسك بمقبضي عربة الكنس الصغيرة والتي تراكم فيها ما كنس طيلة ساعات من مرميات قوم في شارعه المنذور له.

الرجل كناس غير محظوظ حتى في إغفاءة قصيرة.  

رقصة صامبا على حافة الدار البيضاء
في قاع الكأس،

الكشكوشة الرغوية البيضاء الهادئة المسالمة بكراتها الفراغية البيضاء الشفافة المليئة بالهواء تنطفئ رويدا رويدا. مثل رياح بلا أمل بقاء، تنفلت وتذوب فيما عداها.

جنب البحر،

كشوشة الزبد البحري الأبيض تحل عنيفة صافقة العالم أمامها، سابحين وسفنا ومتروكات، ستندثر في اللحظة الخاطفة كأن لم تكن قط. مثل هواء الرمال الدقيقة، يراكم ويقسو ولا يمحو فقط.

وأنا، أقف ما بين السلم والحرب في شاطئ عين الذئاب، في مقهى السمك، أطل وأمد بصري بعيدا هناك، فيما وراء الماءين القريبين الفائرين، لا أرعوي وأحلم بأن ريو دو جانيرو تقابلني من كازابلانكا التي تحضنني الآن، على بعد محيط هادر حقيقي، أعب الماء الأصفر الذي بينهما في انتظار رقصة طيران خارج العنف.

وأسأل السيد المنيف هناك:

كيف حالك يا خورخي أمادو؟ أما تزال باهيا ملجأ القديسين؟