المسرح الرقمي بين النظرية والتطبيق

(مهاد تأسيسي)

محمد حسين حبيب

المسرح الرقمي قادم... لان جملة (العالم بين يديك) التي نرددها مجازا تعبيريا لم تعد كذلك، بل تحولت هذه الجملة إلى واقع حال نعيش لحظاته أولا بأول عبر استخدامنا (الانترنت) الذي بفضله تحول عالمنا الكبير إلى مجرد شاشة زرقاء نقبض عليها في غرفتنا الصغيرة، ونتحكم في التنقل خلالها من مكان إلى آخر، مخترقين بذلك كل نظريات الزمان والمكان، ومتجاوزين كل وسائل الاتصالات القديمة.. ونحن على قناعة تامة ان الانترنت أسبغ على عالمنا صفة (الرقمية) في كل شيء. وأصبحت هي الوسيلة المهيمنة على شبكة الاتصالات بين أفراد الكون قاطبة، ممن ارتبطوا بعلاقات (خاصة وعامة) كلا بحسب اهتمامه، فأصبح الجميع يعرفون كل شيء عن بعضهم، ولكن دونما لقاء مادي حقيقي.

وما زاد في أهمية مثل هذه العلاقات والحواريات (المختلفة والمتفقة) مع بعضها البعض، هو الصراحة القصوى التي يتمتع بها الشخص جراء تلك الاتصالات العنكبوتية التي حولت العالم فعلا إلى قرية صغيرة بل إلى شاشة صغيرة يسهل التحكم بمكوناتها التقنية، وتكون أنت سيد الأزمنة والأمكنة فيها، بل وفي جميع حدودها المعرفية اللامحدودة والمتنوعة. ان مصطلح (جمهورية التكنولوجيا) بدأ يظهر ويتردد هنا وهناك، وان (التكنولوجيا الرقمية) بمفهومها المتداول وهو (دمج النص والأعداد والصوت والصورة وبقية العناصر المختلفة في الوسائط السابقة) اخذ يهيمن على معرفيات العصر شئنا ام أبينا، وان (الانترنت) أصبح واقعا لا محالة برغم كونه (واقعا افتراضيا استطاع أن يكسر حاجزي الزمان والمكان)، وان التوقعات الغالبة أجمعت على أن اليوم الذي ينتهي فيه استخدام (الورق والحبر) كوسائل اتصالية معرفية، بات وشيكا على الظهور... كل هذا وغيره أصبح من الحقائق التي من الممكن ان نقر بها، ونذعن لجميع أسلحتها التكنولوجية.. لكن، مما يستدعي الوقوف عنده ان تتحول (المسرحية) بوصفها جنسا أدبيا إلى (مسرحية رقمية) لا مكان لها على الورق، ولا يمكن التفاعل معها او قراءتها الا على شاشة الانترنت.

ولعل هذا الأمر (الآن) لم يعد غريبا من الناحية الأدبية وفي أجناس أدبية أخرى، فقد عرض الروائي الأردني (محمد سناجلة) روايته الرقمية (شات) على شبكة الانترنت، وفي موقع (اتحاد كتاب الانترنت العرب) محققا بذلك الريادة العربية في هذا المجال، حيث انك لا تستطيع قراءة هذه الرواية الا على الانترنت، ولا يمكن في الوقت نفسه تحويل هذه الرواية إلى كتاب مطبوع، لأنها متكونة من (الصوت والصورة والحركة والرموز إلى جانب السرد الروائي). كل ذلك يعمل بطريقة تأثيرية واحدة على القاريء بهدف الإلمام بتفاصيل الرواية، الصغيرة منها والكبيرة. والأمر نفسه قد حدث مع لوحة الرسم التشكيلية، حينما قدمت تجارب في هذا المجال في استخدام العالم الرقمي نفسه لإنتاج لوحات تشكيلية رقمية من شأنها ان تجد مكانا لها في المساحة الإبداعية الفنية، بجانب المساحة الإبداعية التي تحتلها ريشة الرسم نفسها. وقبل هذا وذاك ما تم من استخدامات الكترونية في المجال الإخراجي للفلم السيمي بهدف إخراج الصورة السيمية الرقمية وما حققته من فاعلية تأثيرية واضحة على المتلقي في العديد من الأفلام السيمية المعروفة.

أما (المسرحية الرقمية) موضوعنا الأساس، والتي جاءت هذه المقدمة من اجله، فلقد بدأت المحاولات فعلا في كتابة نوع من المسرحيات قامت بترجمة مصطلحه د. فاطمة البريكي مؤخرا وهو (المسرحية التفاعلية) (Interactive Drama) في مقالة لها بالعنوان نفسه، وان هذا النوع من المسرحيات التفاعلية متوافر حاليا على شبكة المعلومات، ويعد (تشارلز ديمر) رائد المسرح التفاعلي الذي ألف عام 1985م أول مسرحية تفاعلية كما أسس مدرسة لتعليم كتابة سيناريو المسرح التفاعلي في موقعه الخاص على الانترنت عبر تقديمه دورات تعليمية متعددة، هذا ما أشارت إليه البريكي في مقالتها إلى جانب إطلاقها التعريف الآتي للمسرحية التفاعلية بوصفها «نمط جديد من الكتابة الأدبية، يتجاوز الفهم التقليدي لفعل الإبداع الأدبي الذي يتمحور حول المبدع الواحد، اذ يشترك في تقديمه عدة كتاب، كما قد يدعى القارىء/ المتلقي أيضا للمشاركة فيه، وهو مثال العمل الجماعي المنتج، الذي يتخطى حدود الفردية وينفتح على آفاق الجماعية الرحبة».

إن هذا التجريب في التأليف المسرحي يعد شكلا مغايرا، فهو يقوم أولا بإلغاء شخصية المؤلف الأساس، ويمكن لأي قاريء أن يكون مؤلفا آخرا، بمجرد الدخول لموقع أحداث المسرحية الالكترونية ويساهم في تكملة الأحداث التي لا تنتهي، كأن يختار شخصية معينة ويهتم بها لغرض تفعيل مسيرتها الدرامية، ثم يأتي شخص آخر ويختار شخصية أخرى في المسرحية نفسها ويحاول أن يوسع مديات حركتها النصية وهكذا تستمر العملية بلا توقف. وظيفة الكاتب الأول (تشارلز ديمر) هنا هو عملية البدء بالمراحل الأولية لأحداث النص المسرحي حكاية وشخصيات ليترك الجميع في محاورة تفاعلية غير منتهية مع مسرحيته. وحتما مثل هذه المسرحية لا يمكن تقديمها على خشبة المسرح، ولا يمكن قراءتها او التفاعل مع مجريات أحداثها الأولية والتكميلية التي قام الآخرون بتأليفها، إلا عبر شاشة الانترنت الرقمية.

وبهذا يكون (تشارلز د يمر) في مسرحه التفاعلي هذا، يؤسس لنظرية مسرحية جديدة يقترح كاتب السطور أو يجتهد في تسميتها بـ (نظرية المسرح الرقمي) وهي (الآن) قائمة فعلا عبر عدد من المسرحيات التي كتبها ديمر والمستخدمة حاليا في موقعه الالكتروني، ويتفاعل معها الكثير من المتلقين القراء منهم والقراء المبدعين ممن يهتموا بالكتابة الدرامية، ومن كافة أنحاء العالم ولم يتوقفوا بعد على وضع نهاية واحدة لأي من تلك المسرحيات.

لقد ألغت (المسرحية التفاعلية) أفق الانتظار أو التوقع المعروف في الأدبيات الورقية الحديثة، لأن المتلقي هو السيد المتحكم بالقادم من الأحداث فمن أين له أن ينتظر أو يتوقع، فما يريده يجعله واقعا مثلما يشاء. وهكذا توصل ديمر وعبر عدد محدود من مسرحياته (مثل الأغنية الأخيرة لفيوليتا بارا، وبات يوديمورت، وتيوركيز، ورانشو، وكوكتيل سوت، وجاتواتيمورت.) توصل إلى المسرحية الرقمية بعد أن تحول كل شيء في عالمنا إلى أرقام، فعبر الانترنت ـ وكما يعرف الكثيرون ـ صار الحب رقميا والعواطف رقمية والصحافة الفاعلة الآن هي الصحافة الرقمية وكافة المعلومات الأخرى لكافة الاختصاصات الإنسانية والعلمية التي وجدت ضالتها في (الرقمية) بوصفها أسرع وسيلة اتصال حضارية لتبادل المعلومات والخبرات والثقافات الكونية المتعددة. ومن المهم الإشارة إلى ما قاله (سعيد يقطين) عن الموضوع نفسه في كتابه (من النص إلى النص المترابط، مدخل إلى جماليات الإبداع التفاعلي) وبحسب إشارة البريكي نفسها حيث يقول فيه: «لقد دخلت الدراسات الأدبية مرحلة جديدة من البحث وتولدت مصطلحات ومفاهيم جديدة، لكننا ما نزال بمنأى عن التفاعل معها، أو استيعاب الخلفيات التي تحددها. ظهرت مفاهيم تتصل بالنص المترابط، والتفاعلية، والفضاء الشبكي، والواقع الافتراضي، والأدب التفاعلي، ونحن ما نزال أسيري مفاهيم تتصل بالنص الشفوي أو الكتابي، ولم نرق بعد إلى مستوى التعامل مع النص الإلكتروني».

ولعلنا من حقنا أن نتساءل: أيمكن أن نتصور يوما ان تنتهي المسرحية نصا مطبوعا على الورق لتجد بديلا لها على هذه الشبكة العنكبوتية؟ وبعدها ـ وهو افتراض مستقبلي جائز الحدوث ـ ان يغيب العرض المسرحي هو الآخر موجدا بديله الإلكتروني وأن نفتقد إلى ذلك التلاقح الوجداني والفكري المباشر والمادي بين الممثل على خشبة المسرح بلحمه ودمه وبين المتلقي في الصالة بلحمه ودمه هو الآخر، ليتحول إلى تلاقح رقمي عبر الشاشة الإلكترونية؟ إذا كان الأمر قد تحقق أو نجح مع (الرواية) ومع مجالات أخر، فهل يمكن أن يجد التحقق والنجاح نفسه مع المسرحية.. وبالتالي تكون (نظرية المسرح الرقمي) المقترحة، قد حققت حضورها وهيمنت على الواقع الإبداعي المسرحي نصا وعرضا وفاعلية جماهيرية مطلقة...؟ اعتقد إن الأمر بحاجة إلى تأمل.. والى وقفة أخرى.

ولقد تبع صدورالافكار التي أوردها واقترحها الباحث مجموعة من ردود الأفعال التي وجدنا من الأهمية بمكان الإشارة إليها وتأمل فعلها المعرفي وخاصة اذا عرفنا التباين الواضح بين آراء أصحابها الذين لهم خبرتهم وثقافتهم المسرحية الى جانب تخصصاتهم الإبداعية، ولأن الحوار المعرفي هو الغاية الأصل وبرغم ما يكتنفه من اختلاف وائتلاف، لذا جاءت سطورنا هذه لتحاور اولا، ولعلها تضيف شيئا آخرا حول ما قيل وسوف يقال عن مستقبل المسرح القادم. الفنان والناقد المسرحي عصمان فارس، الذي اعتمد في ائتلافه مع الموضوع على القاعدة الأساس في الابداع والبحث المسرحي وهي التجريب، فهو يقول: «التجريب هو روح المغامرة والبحث في المجهول وهو يرتبط بعملية التواصل الانساني والمعرفي في هذا العصر الرقمي الذي يختزل المسافات ويحول عالمنا الى قرية صغيرة على وفق برمجة التقنيات الحديثة.. فمثلا في المسرح هناك ترجمة فورية للحوار المسرحي الى عدة لغات». اما الكاتب والمخرج المسرحي سعد هدابي فرصد مسألة القلق والتردد الذي ينتابنا ونحن نطأ حقول التأسيس والاضافة، بل ويتعدى الأمر ـ وبحسب قوله ـ الى اكثر من ذلك فنصرخ فزعين من فكرة المغامرة، وكأننا لانريد ان نلحق بالركب التقني، وهو يفتض المجهول ويغادر ايقونات العصر، ظنا منا ان لكل منجز انساني ايقونة خاصة به لايمكن المساس بقداستها لأن لها سطوة صنمية خالدة. في الوقت الذي يزحف فيه ذلك الركب بعيدا ويخلع عن كاهله كل ما يمت بصلة سابقة. اما الفنان المسرحي ناصر طه، الذي اختلف حول امكانية تحقيق النظرية بوصفها وبحسب رأيه حلما دراميا صعب التحقق وهو بالتالي لن يكون بديلا لسحر الخشبة، ومهما حاولنا التوصل في اكتشاف الأشياء عبر هذه الرقمية الألكترونية، لأن البقاء للعرض المسرحي الحي الجامع للممثل والمشاهد وذلك اللقاء الروحي والفكري المباشر دونما عوارض تقنية من شأنها خلخلة ذلك اللقاء وموته. في حين وجد الفنان الشاب بشار عليوي ان عالم الانترنت لم يزل مجهولا وغير مكتشف من قبل الكثير من الناس، ممن لايعرفون استخدام الحاسوب او ولوج عالم الانترنت. ومع هذا لابد ان نبحث عن المسرح الرقمي. وان يكون افق تفكيرنا ووعينا بهذا المستوى من الانفتاح على الآخر من خلال استخدام الأداة الرقمية نفسها لأبداعنا المسرحي. كذلك كتب المسرحي الشاب بشار عليوي مقالته تحت عنوان «مقاربة قرائية لمفهوم نظرية المسرح الرقمي للناقد د. محمد حسين حبيب» نشرت في صحيفة (الفيحاء العراقية) في العدد 138 في 27/ 12/ 2006م، حاول فيها التنويه الى ان النظرية هذه ركزت على النص دون العرض، وفي ذلك اشكالية ينبغي حلها او ايجاد مسوغاتها التي تعطي لكل الخطاب المسرحي نصا وعرضا حقه من النظرية المقترحة.

وما بين هذا الرأي وذاك لما يزل الباحث يبحث ويننقب في المرجعيات المعرفية الداعمة للرقمية المسرحية، او تلك التي تنشأ لها قاعدتها الاولية لتحديد مساراتها التنظيرية منها والتطبيقية عبر محا ولات عملية كتلك التي اشرنا لها عند الكاتب المسرحي تشارلز ديمر في مسرحه التفاعلي وعبر موقعه الالكتروني. يشير الباحث والكاتب البولندي ماريك هولينسكي في كتابه الفن والكومبيوتر، الذي قام بترجمته عدنان مبارك، يشير وفي الفصل السابع منه الى وجود تجارب قليلة كانت قد بدأت عام 1966م، لعرض مسرحي كومبيوتري وتحت شعار (المسرح والهندسة الآلية) فيقول: "في هذه العروض زود الممثلون والكادر التقني ايضا بأجهزة تلفون لاسلكي. واستلم الممثلون تعليمات اثناء العرض تخص دورهم كذلك مهندس الصوت او الضوء استلم بالطريقة نفسها التعليمات، وبعض العروض رافقتها الموسيقى التي ألفت مباشرة من جهاز التركيب في الكومبيوتر، كذلك الصور الملونة المنقولة من الشبكة التلفزيونية الداخلية هذا اضافة الى مؤثرات اخرى موجهة بواسطة عين سحرية. وكانت الاجهزة التقنية موصولة فيما بينها بشتى السبل. مثلا الحركة على الخشبة والقاعة كانت تسجلها كاميرا تلفزيونية وحين يبدل الممثل مكانه كانت الاضاءة تتغير اوتوماتيكيا. ولم يقتصر عمل الكومبيوتر على هذه الامور بل كان يتجاوب مع مواقف غير متوقعة مستفيدا من حرية اختيار هذه التوصية المبرمجة او تلك." ويستمر هولينسكي في التعرض لبرامج الكترونية قريبة لذوي الاختصاص اكثر من الفنان نفسه بوصفها امثلة شبيهة الى حد ما ـ او تستخدم برنامج محدد ـ للبرنامج المستخدم لمثل هذا العرض الكومبيوتري على حد وصفه، ويؤكد لنا ما ذهب اليه هولينسكي ضرورة تمكن فنان المسرح من الالمام بمثل تلك البرامج والتدريب عليها لكي يحقق بالتالي التفاعل المطلوب مع مثل هذه التجارب التي تجمع العلمية الى جانب الابداعية في الخلق الفني.

ويذهب مؤلف الكتاب اكثر وهو يعطي الصورة المستقبلية للفنان مبرمج الماكنة الرقمية "في الأزمان التي مازالت بعيدة، ازمان هيمنة الكومبيوتر، شبيها بأستاذ المعهد العالي حيث ستنحصر مهمته في تقديم القواعد الملزمة في الخلق الفني، كذلك المعايير الشائعة للحساسية الفكرية والجمالية وارث التقليد والنزعات القائمة للكومبيوتر، كم ان مهمة هذا المعلم ستكون تلقين الماكنة مسائل انظمة الالوان والاشكال والكلمات والنغمات وحركات الرقص.وفي الاخير هناك مهمة التحديد: أي نظام من هذه الانظمة لايمكن الاخذ به اذا كان مناقضا لتصوراتنا عن الفن او انها مرفوضة،ببساطة من جانب المتلقي".

ويشير انطونيو بيتزو في كتابه (المسرح والعالم الرقمي) 2007 وهو يناقش (المشهد المسرحي والوسائط الرقمية الجديدة) يشير الى الواقع الافتراضي بوصفه بيئة ابداعية فيشير الى القرار الذي اتخذه في بداية التسعينات بعض الفنانين والباحثين اللذين اجتمعوا في جامعة كانساس في الولايات المتحدة الامريكية وهو العمل على انتاج عرض ينجحون فيه في دمج الفضاء والممثلين الفعليين مع اجواء الواقع الافتراضي. وقد تسببت فكرة ادخال انتاج مماثل بداخل الملف الرسمي لجامعة المسرح في الكثير من الارتباك، حيث ان العلاقة بين المشهد الرقمي والمشهد المادي تبدو كعلاقة بعيدة الاحتمال وجريئة. وبعد تنفيذه نال العرض اعجابا شديدا واصبح العرض الاول في هذه السلسة، وما زال يعتبر حتى اليوم العرض الرائد في التجريب في هذا المجال. " موثقا في اشارته التاريخية هذه الى مشروعية الريادة الرقمية المسرحية عالميا فضلا عن ان هذه التجربة كانت قد ازالت بعضا من الشكوك والغموض الذي احاط حينها حول الواقع الافتراضي مصطلحا وتطبيقا الامر الذي اثار اهتمام عدد من المسرحيين جدليا ونقديا بين مختلف وموافق حول طبيعة مستقبل مثل هذه التجارب المسرحية. كما يؤكد بيتزو على توضيح ان الواقع الافتراضي كجزء من الوسائط المتعددة الرقمية يرتبط ببيئة التمثيل ويحاكي او يبدع واقعا من خلال استخدام تقنياته المحددة، وبالتالي يكشف هذا الواقع عن علاقات مثيرة للاهتمام مع فن المسرح،ويذهب للتفريق مابين العرض المسرحي الرقمي بوصفه الوسيط الجديد والفنون المرئية والسمعية الاخرى وذلك بالعودة الى المنظور السيميوطيقي نصل الى اكتشاف مفاده "ان الواقع الافتراضي ايضا يتحدث بلغة تربط بين سلسلة من الصور الفاعلة والنتيجة بالتحديد هي ان الديناميكية بين التعبير (معنى النص) واللاتعبير (الاداء الذي تقوده الحواس) يتم ضغطها في علامة واحدة هي في ذاتها حدث فعل. ان شاشة تلفاز مفتوحة في وسط صالة ونحن على سبيل المثال نقف في المطبخ لاعداد الغداء تستمر في الاداء تماما كما وكاننا نجلس امامها على الاريكة لمشاهدة الارسال اذن فالجهاز ما زال يحتوي على اقل حد ممكن من الاداء حيث يعرض حدثا يحدث بالفعل في مكان اخر، انه وسيلة لنقل الحدث من جانب واحد، ان شاشة الكمبيوتر المفتوحة دون مستخدم تصبح ثابتة،لاتفعل اي شيء، لا ترسل ولا تبث اي شيء اخر،باختصار، لا وجود لها الا من خلال العلاقة مع المستخدم "وهذه تعد اهم خاصية اختلاف بين صورية الحاسوب وصورية الشاشات الاخرى.

كما يستعرض بيتزو تجارب استخدمت ذات المنحى الرقمي في معالجات مخرجيها واستندت على نصوص مشهورة لكتاب مثل (صموئيل بيكت) و (ارثر كوبيت) و (كريستوفرمارلو) وضعها تحت يافطة عروض المسرح الافتراضي. فمثلا نذكر ما ثبته المؤلف عن عرض اجنحة لكوبيت: " وهكذا يظهر هذا العرض قدرة فريدة على ان يجمع في بناء درامي ومشهدي متأثر بأعراف المسرح التقليدية «الحدث الذي يدور في فصلين والاطر المنوعة، مواجهة المشهد للجمهور، السينوغرافيا ذات المواد الواقعية» موضوعات ولمحات فعلية من لغات الوسائط المتعددة الجديدة، ويدخل الكومبيوتر وشبكة الانترنت بقوة ليشتركا في العرض على مستويين. في المستوى الاول الذي يظهر على الفور نشهد الوجود المادي للجهاز ولمستلزماته، فالكومبيوتر يظهر في المشهد في حجرة دانيال ثم يتضاعف على شاشات العرض ثم يصبح وجودا ماديا مع البطل الذي يقص دوافعه على الانتحار. وجود التكنولوجيا على المسرح والتكرار المستمر لذكر اسماء ادوات الكومبيوتر (ملفات، هارد دسك، كلمة المرور، ويب، وهكذا) جميعها تشهد الصلة بين البطل وتكنولوجيا المعلومات." وفي مكان اخر يشير بقوله: وبهذا الترتيب للاعتبارات تم وضع محاولات ذلك الذي يطلق عليه (مسرح الانترنت) web theatre يتعلق على المسرح بأحداث استخدمت تكنولوجيا خاصة لنقل الفيديو والصوت مباشرة خلال شبكة الانترنت والتي عادة ما توضع تحت مصطلح الفيديو كونفرس مؤتمر اليكتروني. وفي نهاية كتابه يتساءل بيتزو: "هل يمكن فعلا ان نتخلى عن فكرة: ان المسرح هو مصنع الانفعالات؟ وهل يمكن تخيل العرض المسرحي بكليته عبارة عن دمى تتحرك بتقنية مبرمجة يتحكم بها الجمهور على هواه رقميا؟ واسئلة اخرى تخترقنا وتحاول ان تؤسس مسارا ثقافيا جديدا يورده المؤلف هنا بعنوة (ثقافة ما بعد الحداثة والفنون الرقمية) معلنا تساؤلاته المهمة في نهاية الكتاب ونحن نسال معه: هل القصص التي سنستلها من التكنولوجيات الجديدة للتمثيل ستعني شيئا بالطريقة نفسها التي كانت تعنيه اعمال شكسبير؟ وهل يمكننا تخيل دراما اليكترونية تتطور ابعد من المتعة والتسلية الساحرة للوصول الى تلك الطاقة والابتكار الابداعي الذي نربطهما دائما بالفن؟ وعن قلقه يعبر بيتزو بصراحة ويقول: " انا لا أتساءل الآن إذا كان من الممكن ترجمة مسرحية معينة لشكسبير في صياغة اخرى، بل سؤالي يتعلق بما اذا كان هناك امل في ان يقدم على الدراما الاليكترونية شيئا حقيقيا ومرتبطا بظروفنا الانسانية، ومعبر عنه بروعة هكذا عنها كما عبر شكسبير عن الحياة في مسرحه الاليزابثي؟"

يبدو اننا فعلا وبعد كتاب انطونيو بيتزو هذا ـ كما قلنا في ورقتنا الاولى عام 2005م ـ بحاجة الى وقفة اخرى بل الى وقفات وتاملات اخرى طويلة ومتابعات اخر اطول مرهونة بالتجارب التطبيقية من شانها ترصين هذه الرقمية مسرحيا الى جانب البحث والتنقيب واكتشاف الافكار التي تخصب مستقبلية مسرحنا العربي الرقمي/ الحلم. ومن جانب آخر تبدو هذه الرقمية الفنية مصدر قلق واضح للكثيرين خوفا من فشل الوصول لنظام برامجي يتفق على عناصره الكومبيوترية التي تدفع بالخلق الفني خطوات الى امام، في حين يعتقد البعض ان مثل هذه البرامج التقنية من شأنها ان تفرض القيود على المخيلة الفنية وبالتالي تسيير الابداع لمناطق مسيرة ومبرمجة لا ابداعية خالصة متنوعة الخيارات.الامر الذي يتحول فيه الانترنت من كونه وسيلة حرة لتبادل الخبرات والمعلومات المعرفية الى مساحة ضيقة تتحكم بالمنتج الابداعي وتضيق عليه فضاء التخيل اللامحدود.

ان الاستمرارية في استخدام الانترنت ومحاولة تلافي معوقات ذلك الاستخدام: كعامل اتقان اللغة الانجليزية وهي لغة الحاسوب الاصل، وتوفر فرص الاستخدام المجانية بسبب تدني الدخل الفردي محليا وعربيا بالقياس لما يتطلبه استخدام الحاسبة ومتعلقاتها الاخرى، هذا الى جانب تخطي بعض الاعراف والتقاليد التي قد تحجم الانترنت وهذا يرجع للوعي الثقافي المدرك لطبيعة التعامل مع العلمنة او الرقمنة كما تسمى احيانا، فضلا عن المواقف الواجب اتخاذها وبحذر شديد من بعض الظواهر الدينية والسياسية وماشابهها التي تطفح بها عدد كبير من المواقع الالكترونية بهدف التسييس والترغيب لايديولوجيات متطرفة تحاول ان تجعل من الهامش مركزا وبالعكس.. قد نتوصل بعد تخطي كل ذلك ـ والامر يحتاج لفترة زمنية طويلة طبعا ـ لوضع الاسس الاولية للفن الرقمي عامة ولنظرية المسرح الرقمي خاصة. ولقد اشترك الباحث في تجربة هي الاولى من نوعها ـ وان لم يكتمل فيها كل ماهو مخطط لها ـ هي تجربة (مسرح عبر الانترنت ـ مقهى بغدا د). كان المؤمل في هذه التجربة عرض مشاهد مسرحية ارتجالية في ضوء حوارات الجمهور واسئلتهم عبر الجات مع المشتركين من دول عدة/ اماكن وازمان مختلفة جلست وتحاورت في زمن واحد ضمن فكرة موحدة وفرتها لهم هذه الشاشة الافتراضية العملاقة. وتحت عنوان صيغ من حوار الجات نفسه وهي حوارية انترنيتية جمعت الباحث وهو في العراق ـ بابل، مع جمهور المقهى في بلجيكا ممثلين برول المحاور بمساعدة المترجم (علي كمال الدين) الذي يترجم من والى الطرفين المتحاورين. ويوضح المدخل الى حوارية الجات وطبيعتها وآلية التفاعل مع مسرحها الذي نحلم به من الآن. ولأجل ان يبقى مثل هذا الشكل المسرحي/ الرقمي.. لما تزل الافكار في بيضتها التي خصبتها الرقمية ـ علما وفنا ـ هيمنت على العالم الانساني برمته في اولى بدايات الهيمنة الالكترونية التي ولدت ونسيت كيف تموت. 

ملاحق البحث

ملحق رقم (1)
مدخل صغير الى الجات في مقهى بغداد

الجات في مسرح الحرب مؤسس على حالات درامية متخيلة في شكل حوار مكتوب. وهذا الحوار يتم تحويله مباشرة، ما إن ينتهي الجات، الى مشهد مسرحي مقروء يعرض على الجمهور البلجيكي.

الذي يقوم الجات هنا في بلجيكا سيكون مبادرا. سيظهر لك في شكل شخصية تزور بلدك معك، في صالونه بيتك. غالبا ما ستكون هذه الشخصية معروفة للجميع أو قابلة للتصور من مثل: شخصية الحب، الموت طيار ساقط من طائرته، الرئيس بوش، هاملت...الخ.

ولن تكون هذه الشخصيات على الدوام أو طوال الوقت شخصيات لطيفة، بل تكون شخصيات بإمكانك أن تقول لها شيئاً نابعاً من أعماقك، مثلاً:

يأتيك هاملت ويقول: أنا لم اطلب من جيوشي أن تأتي الى العراق. لماذا تقتل جنودي؟

أنت تبقى كما أنت، أن تكون نفسك وترد على الشخصية انطلاقاً من حالتك الواقعية. الموضوع يتحدد بقضيتك الشخصية، بحكايتك الشخصية، التي سيراها المشاهد البلجيكي هنا لكي يعايش ما تعايشه.

أحيانا ستقوم الشخصيات التي تزورك في بلدك بتحدي قدراتك، بمجابهتك، باستفزازك ليس بهدف أن تجرح كرامتك، تجربتنا تعلمنا إننا عبر هذا الطريق نستطيع أن نستنهض تجارب كامنة فيك.

غالبا ما نفاجئ الجمهور البلجيكي بمثل هذه الحوارات أثناء القراءة فيضحك الجمهور بطريقة غير معهودة أو غير مرتبة مسبقاً، يحزن، أو تطفر الدمعة في عينه أو تأسره جملة ما أو صورة ما. أو فجأة يشعر الجمهور أو يعي الجمهور أي حالة مستحيلة تعيش أنت فيها.

حافظ على بساطة الموضوع، الأشياء البسيطة، اليومية، تثير في الغالب أكبر الانفعالات والانطباعات.

حتى قد يكون أحيانا وجه رجل في شباك الجيران جيرانك مصدر تعجب بالنسبة لنا هنا. أشياء لا نقراها ابدً في الصحف.

ثمة قاعدة مهمة في الجات: أنت تكتب نصاً وتبعثه. تنتظر حتى يأتيك الجواب من الجانب الأخر. وفي وقت الانتظار لأتسل تعقيبات أو إضافات أو نصوص جديدة. نحن لانقوم بذلك أيضا تفاديا للإرباك في الحوار.

عندما تسلم نصاً من جابنا خذ وقتك للإجابة. لانريد أن نستعجل. دع كلماتك تكون كافية في الجواب. سيستمر الجات لمدة ساعة ونصف.

من الممكن أن تبعث لنا أجوبة قصيرة، وأحيانا ربما هذه هي الطريقة الأمثل. ولكن انتبه الى أن الجواب على سؤال من مثل (كيف حالك؟) بجيد أو سيء لن يكون مفيداً للجمهور. حاول أن تتكون كلماتك مليئة ومشبعة. يجب علينا أن نعلم إننا لا يمكن خلال ساعة ونصف أن نقول كل شيء. لاتكتب مونولوجات طويلة. حافظ على حيوية الجات.

ولا تسترسل في الحديث عن نفسك أكثر مما يجب.

شكراً لك من القلب.

روخيير

ملحق رقم (2)
مسرح عبر الأنترنت ـ مقهى بغداد
حازم كمال الدين وبيتر فيرهايس
مقهى بغداد مسرح عبر الانترنت

يقدم في بلجيكا اليوم الاثنين 20 آذار عرض مسرحي في طريقة عمل تجد طريقها للمرة الأولى الى المشاهد العربي: مسرح عبر الانترنت.

الفنان الهولندي يتر يرهايس مؤسس مشروع مسرح الحرب والفنان العراقي حازم كمال الدين مدير جماعة زهرة الصبار للمسرح اقترحا البحث عن فنانين عراقيين وأوربيين للمشاركة في العرض المسرحي الذي يحمل اسم مقهى بغداد.

بدأت الحكاية كالتالي: في نية حازم كمال الدين تسليط الضوء المسرحي في بلجيكا على السنوات الثلاث التي ابتدأت عام 2003. وقد عثر عليه يتر يرهايس أو عثر كمال الدين على يرهايس، لا فرق، فأعاد يرهايس الى الحياة فكرة مسرح الحرب. وهي فكرة عمرها حوالي ست سنوات قدمت عروضها في مختلف المناطق في العالم ومنها يوغوسلافيا وفلسطين والشيشان وفي الأسواق السوداء. وسيكون عرض يوم 20 آذار تسليطا للأسئلة على العراق.

العراق بعد ثلاث سنوات!! بلاد، أم جثة في طور التحلّل؟ كيف يبدو العراق للرائي؟ ماذا يخبرنا العراقيون عن عراقهم؟

ذهب حازم كمال الدين الى جبال الألب فتعرف في حانة على رجل طاعن في السن قيل له أن حازم عراقي فاندهش وسأل بعفوية:

ـ هل ما زال في العراق أحياء؟

سيهيئ مسرح الحرب وسائل تسمح بالتحاور، بالتفاعل، باللقاء، زادها تبادل التجارب والأفكار عن معايشة الإنسان للحرب على المستوى الشخصي. هذه التجربة تشمل كل العناصر والتجارب البشرية: الغضب، الرعب، الكراهية، الحزن، الحب... وبالطبع، وبشكل خاص الكوميديا ومستوياتها العديدة.

في هذا العرض سيتم التركيز على التجارب الفردية وتجنب الدعايات والمانيفستات الايديولوجية، السياسية والدينية..

وصف خارجي

طاولة هائلة. مدير جلسة أو وسيط أو محرّض. زبائن. شاشة كبيرة خلف الطاولة تطل منها صور حية من العراق. العراق هو الجزء الافتراضي (الحي) من المقهى! يجلس الجمهور حول الطاولة الكبيرة ليتابع ما يجري في المقهى البلجيكية الملموسة والمقهى العراقية الافتراضية على الشاشة في وقت واحد.

تصميمات طاولات المقهى العراقية تشبه تصميمات الطاولة البلجيكية. الطاولة البلجيكية مستوحاة من مقهى عراقي قديم. عن طريق أجهزة صوت ينشأ مشهد حواري بين جلاس المقهى في العراق وبلجيكا. المحرّض في بلجيكا يقود الحوار بين العراقيين والبلجيك في مفازاته التي يريد.

يتوزع في أماكن شتى من المقهى البلجيكي ثلاثة كتاب مسرحيين مع كومبيوترات يتبادلون اتات مع فناني العراق. عبر شاشة ثانية تعرض صور الاتات بالتعاقب مختلطة مع صور عن بغداد، فيديوات عن مسرحيات عراقية، أغاني وغير ذلك.

صورة ما قبل العرض

تتكون مقهى بغداد من ثيمتين: المقهى الافتراضية واللايف ات. عن طريق ربط مقهى مونتي مع الفضاءات العراقية نجد أنفسنا في مقهى كبير: (الشاهبندر؟). جلاس المقهى في بلجيكا وفي العراق يتناولون طعاما، يشربون شايا، يدخنون نارجيله، يتناولون بيرة.. الخ. كل يفعل ما يريد. ثمة حقيقة واحدة: مشاهد حية وتمثيل حي (كونتاكت) بين فنانين بعيدين بعدا شاسعا عن بعض، في العراق كما خارج العراق: بغداد، الموصل، بابل، القاهرة، انتوربن.

يقتسم طاولة المقهى في بلجيكا أيضا فنانون عراقيون وبلجيك، يعقبون على ما يحدث، يتدخلون بمجريات الأحداث يقودهم المحرّض البلجيكي.

حالة عرض أثناء الروات؟

في جانب آخر من المقهى يوجد لايف ات بين ثلاثة ممثلين من بلجيكا وثلاثة من العراق يظهرون على شاشة. لايف ات على شكل ديالوجات من الساعة الثامنة مساء وحتى العاشرة مساء. ممثلون بلجيك سيحولون هذه الديالوجات الى مشاهد يعرضوها مباشرة على الجمهور.

المحتويات
حديث مع فنانين من العراق يقوده محرّض، أو حكواتي اذا صحت التسمية. شهادات فنانين راقيين موجودين في بلجيكا حاليا. مونولوجات كتبها كل من ناهض الرمضاني، محمد حسين حبيب وفاضل عباس. مشهد حي من مسرحية صحراء الشلب اخراج طه المشهداني. مشهدان من الات يلعبهما ممثلون بلجيك. صور وفيديوات ومشاهد مسرحية حديثة من العراق.

مسرح الحرب يدرك مشكلة تهيئة متطلبات المشروع كما يدرك الصعوبات الأمنية التي تعترض إمكانية اشتراك الفنان العراقي. لقد أجرينا محاولات كثيرة للعثور على موقع آمن يجمع الفنانين العراقيين في بغداد غير الآمنة ليلة العرض ولكن للأسف لم تنجح الجهود، علما أن هذا النوع من العروض هو أول تجربة في تاريخ المسرح العربي وهو عرض ما زال طازجا حتى على المسرح الاوربي. لذلك تقرر أن أن تكون مقهى بغداد متوزعة في البيوت البغدادية والبابلية والموصلية.

بعد هذا وذاك لجئنا في بلجيكا إلى اعتماد إستراتيجية الباك آ: ديالوجات مسجّلة مسبقا مع الفنانين تحفظ كمادة احتياطية.

إستراتيجية الباك آ هذه تختبر، من جهة، الوسائل المتوفرة وآلياتها في (رو?ات) الاتات والكون?رنسات عبر (الويب كام، المايكرفون، الكتابة، الداون لوود). ومن جهة أخرى تحفظ الاتات والكون?رنسات والحوارات للاستخدامات الضرورية: إذا ما انقطع التيار الكهربائي أثناء العرض مثلا أو تعطّلت خطوط الانترنت في العراق.

هذه صورة ما قبل العرض. صورة تنتظر أن يغنيها الفنان العراقي مساء الاثنين. لغة العرض هي اللغة الانجليزية رغم أننا لاحظنا أن الفنان العراقي، بعد ثلاث سنوات على تواجد الأمريكان في العراق، لم تبدر منه بادرة لتعلم اللغة الانجليزية؟

لسنا معنيين بالجواب، لكن هذه الملاحظة دفعتنا للبحث عن حلول تجعل الحوار ممكنا بين الفنان العراقي والعالم. أوجدنا مترجمون من والى اللغة العربية واقترحنا حلولا عديدة تسمح للترجمة أن لا تكون عائقا أمام حيوية العرض.

نحن نعرف أننا نخوض تجربة معقدة سببها الأوضاع الأمنية وخراب البنية التحتية وصعوبات توفير المتطلبات التقنية وسياسة التجهيل التي مارسها صدام فمنعت انتشار التكنولوجيا الحديثة (الأنترنت) في عهده ولم تصبح هذه الوسيلة الفريدة شائعة إلا بعد سقوطه!! ومع ذلك تلح علينا الرغبة في أن ننجح.

رجاء..
الى المشاركين في العراق.
انتبهوا الى وضعكم الأمني.
لا تعرض حياتك للخطر بسبب عرض مسرحي.
يتر يرهايس Pieter Verhees
حازم كمال الدين Hazim Kamaledin

مكان العرض الثابت: مركز الثقافات والفنون مونتي. يوم 20 آذار. اعتبارا من الساعة السابعة مساء بتوقيت بلجيكا (التاسعة بتوقيت العراق) يتوافد الزوار حتى الحادية عشرة مساء بتوقيت العراق.

انظر الى الموقع التالي:
http://www.monty.be/asp/home.asp

لمتابعة مقهى بغداد عبر الانترنت انظر الى الموقع التالي: www.stack.nl/theatreofwar

يوم 20 آذار 2006 من الساعة السابعة بتوقيت بلجيكا حتى العاشرة مساء.

يشترك في العرض الفنانون التالية أسماءهم:

روخيير سخيارس (ات)، رول رنيرس (ات)، يرون اولاي سليخرس (ات)، فرانك اولبريخت (محرّض حي)، يتر يرهايس (اخراج)، فاضل عباس (مونولوج وات)، سوسن السياب (حوار ديجيتال)، ظفار احمد (مشهد)، طه المشهداني (مشهد)، ناهض الرمضاني (مونولوج وات)، محمد حسين حبيب (مونولج وات)، سرمد السرمدي (ات)، باسم الطيب (حوار حي)، حسن خيون (حوار حي)، أزل يحيى إدريس (حوار حي)، مخلد الجميلي (حوار حي)

ملحق رقم (3)
الجنة لا تفتح أبوابها للقتلة
جات: محمد حسين حبيب/ العراق
        رول فرنيرس/ بلجيكا

مقهى بغداد/ مسرح عبر الانترنت
محمد: مرحبا أنا موجود
رول: هلو. لحظة واحدة
محمد: نعم أنا جاهز
رول: هلو محمد. سنبدأ الآن بالجات اوكااي؟
محمد: حازم؟؟
حازم: نعم..

محمد: انه أمر غريب حقاً.. شعوري الآن وكأني أقف خلف الستارة بانتظار العرض.. الرجفة المشروعة ذاتها التي تحيطنا ونحن على الخشبة. أمرتهم في البيت أن لايكلمني احد وان يخلون الغرفة.. هكذا أحسست سأكون في حالة استعداد أفضل برغم أني لا أتقمص أي دور لكن شيئا ما تقمصني.. لقد تحولت الآن شاشة الكومبيوتر الى الجمهور الذي أواجهه.. أراه ويراني.. يا لها من لحظات جديدة وغريبة فعلاً

رول:...
محمد: أسمعك. ظلام. انقطعت الكهرباء. يا الله
رول: هلو محمد.. هلو محمد..
محمد: هلو
رول: عادت الكهرباء؟
محمد: لا شغلت المولدة.
رول: أود أن أسالك سؤالاً.
محمد: تفضل.
رول: هل ترى طيوراً من حيث تجلس الآن؟
محمد: أرى طيورا تبحث عن فضاء ابيض
رول: هل تستطيع من مكانك الآن أن ترى رصاصاً يغرد؟
محمد: نعم. رصاصا يصرخ
رول: عندما تصلي، هل تصلي للحرب أم تصلي للسلام؟
محمد: اصلي للسلام طبعاً
رول: هل ترتدي زوجتك حجاباً؟
محمد: نعم
رول: هل تمارس الحب في الضوء أم في الظلام؟
محمد: ما بين هذا وذاك
رول: لحظة واحده. لقد توقف الموقع عن البث.. لا. لقد تعرض الموقع الى هجوم مجهول؟؟
لحظات..
محمد: اوكي أنا انتظر.
....
رول: محمد! هل لديك ذقن أم شوارب؟
محمد: الاثنان
رول: سأطرح عليك أسئلة الجمهور من خلال السكايب لان الموقع تعرض مرة أخرى للحرب (كراش). لا ندري كيف!! محمد.. هل تعتبر لحيتك جزء من ديكور خارجي أم تعتبرها شيء أساسي في شخصيتك؟
محمد: (صمت طويل جداً...)
رول: هل تفضل أن اطرح عليك سؤال أخر؟
محمد: نعم أو إذا أردت أن...
رول: محمد.. يجب أن تعتبر لحيتك إكسسوارا
محمد: لا ليس هذا الشيء الواجب
رول: ماذا تعني لك اللحية؟
محمد: جزء من شكل الرجولة
رول: هل هناك في كل إرهابي إنسان
محمد: يوجد جسد لإنسان لكن بلا روح عاقلة
رول: هل هناك مثل في العراء أم تعيش اليوم حتى يليه اليوم الأخر
محمد: سؤال غير واضح ربما خطا طباعي
رول: هل تعيش يومك من اجل مثل عليا أم تعيشه لينقضي ويليه يوم أخر؟
محمد: أعيش للمثل العليا برغم أنها في زمننا هذا بعيدة المنال لكن لابد من التمسك ولو بأذيالها
رول: أين كنت في اليوم 11 أيلول عام 2001؟ يوم حدث قصف المباني في نيويورك؟
محمد: عند الحلاق!!
رول: هل تعتقد أن الكاثوليكية دين متخلف؟
محمد: لا..
رول: والإسلام؟ كثمتخلف.ومتخلف. متخلف.
محمد: هؤلاء لا يعرفون معنى التخلف.. الإسلام نشا أصلا ضد التخلف!
رول: هل تفضل الرومانسية في خيمة في الصحراء أم تفضل شقة أنيقة فيها بانيو جميل للاستحمام؟
محمد: أفضل الرومانسية. في أي مكان اقرأ فيه الشعر.
لارول: ماذا يعني الشعر الرومانسي في زمن الحرب الأهلية؟.
محمد: كلمات تصدح رصاصاً وحب وتغني للقادم
رول: إذا التقيت الله في الشارع فماذا تطلب منه
محمد: السلام
رول: هل لديك سلاح في البيت؟
محمد: نعم
رول: وهل تجرؤ على استخدامه؟ هل استعملته ضد شخص ما؟
محمد: سلاحي الذي املك ليس مادياً. أرجو توضيح ذلك
رول: هل تجرؤ على إطلاق الرصاص ضد شخص أخر؟
محمد: إذا كنت متيقناً انه عدوي ويريد قتلي.. نعم
رول: هل تتوقع أن لجورج بوش حبيبة؟
محمد: أظن
رول: هل يمكن أن يكون لجورج بوش من يحبه؟ هل هناك فرق في الحب الذي يملكه بوش والحب الذي تشعر به أنت؟
محمد: بمقياس فهم بعضنا الآخر لتحقيق السعادة.. قد يكون الهدف واحد لكن الوسيلة مختلفة حتماً
رول: إذا جاء الإرهابي يوم القيامة ودخل الجنة وأعطوه الحوريات التي وعدوه بها فماذا سيفعل وجسده أشلاء متروكة في كل مكان؟
محمد: الجنة لاتفتح أبوابها للقتلة.
رول: ماذا تحب أن تفعل في السماء؟ تذهب الى المقهى للتحدث مع الأصدقاء أم تفضل أن ترمي الازابل في الشارع بأمر من زوجتك العزيزة
محمد: أحيانا أفضل المقهى. ولكن لزوجتي مكانة مهمة وربما ارمي الازابل لأنها تزعجني حسب
رول: نحن نعرف أن زوجتك لا تزعجك إطلاقا. لكن هل تتخيل أن زوجتك تشتري لك الملابس من الخياط الخاص بصدام؟
محمد:.. وزوجتي تعرف فقط النساء من الخياطات لا الرجال
رول: هل تفضل امرأة ترتدي حجاب الرقص أم امرأة شقراء عارية تنفذ لك ما تحب؟ هل لديك وقت للاستمرار في الحوار أم ترى أن الوقت متأخر؟
محمد: نستمر. لاوجود لما يسمى حجاب الرقص.. وأفضل الرقص وأحبه لكن بطريقة مقبولة
رول: كيف تبرهن لي بأنك مسلم؟
محمد بان لا اعتدي عليك. هذا هو البرهان.
رول: أنا متيقن من هذا. لكن سؤالي هو: ماذا تفعل لتثبت انك مسلم؟
محمد: البحث عن الحقيقة.. ةهناك حقيقتك وهناك حقيقتي رغم أن الحقيقة غائبة
رول: أخيرا أود أن أسالك ما الذي تفضله: كلب يحرسك أم رب يقول لك الحقيقة؟
محمد: لماذا أنت الذي يسال دائماً؟
رول: شكراً على صبرك الجميل ونتمنى لك ليلة هانئة.
محمد: لم تجبني عن السؤال؟؟؟؟
رول: هذه أسئلة من الجمهور وأنا لست لسنا سوى ناقل لهذه الأسئلة. إذا كانت عندك أسئلة فانا مستعد للإجابة
محمد: ماذا تقول لخوذة جندي تبحث عن صاحبها؟
رول: لا يمكن أن أجيبك لاني مثلك إنسان ابحث عن الإنسانية.
محمد: شكراً جزيلاً
رول: الى اللقاء يوماً ما
محمد: الى اللقاء

وبعد نهاية الجات محمد حسين حبيب يكتب الآتي:
أخي العزيز حازم.. تحية.. بشرني ما الأخبار؟ أريد معرفة كل التفاصيل رجاء.. سأكون بانتظارها على الجمر.. بالمناسبة لم يظهر أي عرض على الموقع الذي حددناه للمشاهدة؟ أريد مشاهدة كل شيء.. مع حبي وتحياتي لك ولبيتر ولرول ولفرانك وللآخرين فرداً فردا.. قبلاتي للجميع.

بعث لي أمس الصديق بيتر فديو المقهى كاملاً وقمت بالداون لود. كان حجمه 618 ميكا بايت وانتظرت تحميله من الساعة الواحدة ليلاً حتى السابعة والنصف صباحا لم انم خلالها إلا دقائق متفرقة فحملت من ساعتين تقريبا ثم قطع الكهرباء.. شاهدت كل شيء وتأملت كل ما دار في المقهى الجميل وقد كنت بينكم روحا وفكراً وأنا ارتجف فرحاً.. أعجبتني كثيراً هذه التلقائية والعفوية والبساطة العالية بوعي جمعها ونيات ناسها النبيلة حقا.. ملامح الجميع تبدو وكأنهم في صراع مع المجهول الجديد.. كل شيء كان اكبر من أشياء أخرى يفتقدها الآخرون في مسرحنا الكوني.. وللحديث بقية.. سأتامل أكثر لاني أخاف من أن تسيطر نشوتي على موضوعيتي إزاء ما تفاعلت وسط هذا الحدث/ المقهى المسرحي ذات السحر الجديد والفضاء الغريب الذي من المؤمل أن نتفق مستقبلا على تسمية مسرحية ماله.. تحياتي الحارة للجميع وربما حتماً احتاج لأشياء أخرى لا ادري ماهي الآن.. اشد على أيديكم إخواني الكونيين الجدد.. أحبتي دائماً لقد عشت لحظات لم أجد تفسيراً أو تسمية لها الى حد كتابة هذه السطور.. ولنا لقاء.. محمد

مخرج وناقد مسرحي عراقي
www.mhhabeeb.com