قصص قصيرة جداً

نواف خلف السنجاري

أمنية
علّق شريطاً على شجرة الأمنيات.. ربطه بعناية كعريس يعدّل ربطة عنقه في ليلة الزفاف.. كانت أمنيته عظيمة، فما أن ابتعد مترين حتى ناءت الشجرة بحملها، وهوت.. فتناثرت الأماني!!

وجوه
وجهه أثار في نفسي التقزّز، لقد ذكرني بالجلاوزة الذين وشموا أحلامنا بالحديد المحمّى.. قلبتُ الورقة ولم أقرأ ما كتب.. أنهيتُ المجلة، وبَقيت قصيدته (وحيدة كسنبلة نسيها الحصّادون في حقلٍ شاسع).. فضولٌ طاغٍ أثار شهيتي لقراءة ما كُتِبَ أسفل تلك الصورة.. شدّتني الكلمات بروعتها وشفافيتها، تابعتُ القراءة.. ترقرقت الدموع في مآقيََّ.. فانثالت فوق القصيدة.. والمدهش أن ذلك الوجه الصارم، صارت ملامحه فجأة يانعة تشعّ بريقاً وبراءة!!

ورقة يانصيب
كل يوم يحمل صناديقه، ويتوجه إلى (علوة) الفواكه والخضر يتسوّق لدكانه الصغير.. فهو الوحيد الذي يعيل العائلة بعد أن (فُقِد) أخوه في الحرب قبل أكثر من عشر سنوات! عاد ومعه (المسواق).. رتب الصناديق فوق دكة منزله الصغير.. لم يصدق عينيه عندما فتح صندوق التمر المغلّف بجريدة قديمة، ورأى صورة شقيقه وتحتها كلمات (فارسية) عجز عن فك طلاسمها!!

ألوان
عشق اللون الأحمر منذ كان طفلاً، ارتدى القمصان الحمر، والقبعات الحمراء.. بشرته كانت قانية يكاد الدم أن يطفر منها.. أحبّ الطماطة، واللحوم الحمراء كثيراً! سافر إلى شواطئ (البحر الأحمر)، وسبح فيه مرات عديدة.. انتمى إلى صفوف (الحزب الأحمر) وناضل فيه.. طلى جدران منزله باللون الأحمر.. سريره، أغطيته، وسادته جميعها بلون الدم! الورود الحمراء تملأ حديقته.. الغريب انه مرض قبل أيام ومات بالحمى الصفراء!!

بخيل
سقط من السلّم بعد أن ضربت ريشة المروحة السقفية رأسه.. الدماء تسيل فوق عينيه ووجهه.. يُخرج (موبايله) بسرعة.. يفتحه.. يضغط على زر الرسائل!! يكتب رسالة إلى أخيه: ا.. ن.. ا.. م.. ص.. ا.. ب.. ت.. ع.. ا.. ل.. ب.. س.. ر.. ع.. ة..
تتأخر الرسالة.. ويستمر النزيف!!

شعارات
سيارته، أجهزة منزله، حزمة الدولارات في جيبه، تسريحة شعره، ملابسه، الفرشاة التي يحملها في يده، وحتى علبة الصبغ كلها صناعة أمريكية.. إلا أن (وطنيته) حتّمت عليه أن يتسلّق (السلّم) ويكتب على الجدار بخط عريض: ( تسقط أمريكا)!!

قصاصة ورق
ألحّت على والدها ليأتيها بمدرس خصوصي.. لكن انهماك الوالد (بمهماته الوطنية) حال دون ذلك! توسّلت إليه أن يكتب أسم المدرس على ورقة كي لا ينسى مثل كل مرة.. حال وصوله مكتبه أعطى القصاصة لأحد رجاله:

ـ                أريد هذا الرجل اليوم..
مرّ أسبوع ولم يأتِ المدرس، سألت الفتاة والدها:
ـ                أبي أين المدرس الذي وعدتني به؟
تذكر فجأة انه أعطى الورقة لرجاله..ارتبك، واتصل بمكتبه:
ـ                أين الرجل الذي طلبتُ إحضاره بحق السماء؟
جاءه الصوت واثقاَ:
ـ                سيدي لقد اعترف.. وتخلصنا منه!!

براقع الحقيقة
تقف طويلاً أمام المرآة، تحدّق في صورتها المنعكسة، تضحك، تخلع قناعها، تبصق في المرآة.. تنزع قناعها الآخر، تقهقه عالياً، تستمر في الكشف عن وجهها، ورمي الأقنعة الواحد تلو الآخر.. ولما ظهرت صورتها الحقيقية، بكت بكاءا مراً، تركت وجهها في المرآة.. ومضت!

برمائي
طالما تمنت الانتماء لعالم البحار.. عاشت هناك، أدت واجباتها تجاه (المجتمع البحري) على أكمل وجه.. وعندما طالبت (بلقب حيوان بحري)، اجتمع قادة البحار وقرروا:

(الضفدعة حيوان بري منذ الأزل.. وعليها ترك مياهنا)

حملت الضفدعة حزنها وخيبتها ولجأت إلى اليابسة.. عملت، اجتهدت، شاركت في أفراح وأتراح الحيوانات البرية ودافعت معهم عن بيئتهم ببسالة نادرة.. وحين طالبت بجزء من حقوقها، صاحت وحوش البرية بصوت واحد:
(الضفادع حيوانات بحرية )!!

قاص من العراق
Nowaf69@yahoo.com