رجل مقتضب
تحركت أكرة الباب فجأة.. فانتفض قلبها برجفة مفاجئة وتحركت عيناها الكبيرتان يمنة ويسرة بعد أن سحبت ظهرها من ظهر السرير وتكورت على نفسها في كهف مظلم لا تستطيع رؤية شيء محدد فيه، ولكنه كان أفضل وضع جنيني ممكن لطفلة خائفة تطوقها الوحوش من جميع الجهات، وعليها أن تتلاشى وتعود إلى نقطة البداية في مركز الدائرة الحجرية التي يصنع محيطها الوحوش. في تلك النقطة كان يصعب عليها رؤية الشمس أو التنفس بحرية أو حتى الموت من الخوف، وإنما كانت فقط تسمع ضربات قلبها الذي عليه التمييز سريعاً بين المرأة الساكنة والمرأة التي تنكفئ لكي تنجو. كانت المرأة سوداء.. عرجاء.. وبلا جذور وتحت العينين الكبيرتين لايوجد وجه، وإذا لم يكن الباب مقفلاً وخرجت إلى الطريق فإن عيناها الكبيرتان تتحولان إلى عين واحدة. العين الواحدة تستطيع أن ترى البشر وتستعرضهم كما تشاء، ثم تشهق من كثرة عوراتهم، بل إن هذه العين لا تستحي من إطالة النظر إلى وجوه الرجال والنساء الجميلة وإلى الأيادي كيف تتشابك وتلتف خلف الظهور وكيف تتحرك القمصان المتدلية فوق سراويلها بإهمال متعمد، وكيف تبدو ربطات العنق المعقودة بعناية فوق الصدور. تنظر هذه العين أيضاً إلى الشعور المصففة بشكل فوضوي جذاب، أو إلى الأصابع التي تمسك بالسجائر وتدخنها بهدوء، بينما العيون تحدق بذهول في وجوه الصبايا اللائي يجلسن أمام العيون. تظل العين الواحدة المختفية خلف الستارة تهتك الستر عن الأصابع والوجوه، بينما هي متوارية عن الأنظار ولا يراها أحد لأن العين الواحدة تعود إلى كائن أسود متلاشٍ وغير مرئي ولا يتجرأ على النظر إليه أحد. اكتشف الرجل المقتضب هذه الخاصية المهمة والخطيرة في العين الواحدة، وأنها إذا ما خرجت من الباب المقفل عند انفتاحه، تستطيع أن تستدير بحدقتها في كل الاتجاهات وتشرد بخيالها إلى أبعد الحدود. فظل يمشي رواحاً مجيئاً بين الحجرات، ثم وقف قرب الباب الموارب يحدق في الخارج، وقال لو كان الامر بيده لأغلق فتحة العين الواحدة على مصراعيها وحرم ذلك الكائن الأسود من متعة النظر ، خارج الجدران الأربعة، وجعله يمشي كالخرقة السوداء بلا كوة تجلب له الضوء أو الأذى، فهو ذو رأس صغير لا يعرف كيف يدرأ عن نفسه الأذى. لن يجد الرجل المقتضب طريقا أسلم لحل هذه المشكلة، وهذا أفضل من أن يشعر بالخجل وهو يعلم انها تنظر الى الرجال وتفكر بهم ملياً، بينما هو جالس في زاوية الدكان الذي يبيع فيه أقمشة النساء، والأفكار تتكون مزعجة في رأسه، ينتظر اللحظة التي يغلق فيها باب الدكان ليفتح باب بيته. تحركت أكرة الباب يمنة ويسرة.. ودخل الرجل نصف عارٍ إلى الغرفة، وخلع حذاءه على أرض الغرفة، وفاحت منه رائحة العود والعنبر والمسك. وعندما وجد المرأة ملتفة على نفسها كما الجنين، ابتسم وتلا تعويذة كانت تُتلى في الفراش منذ آلاف السنين، قال: ـ حلال دم الغزال. فتحولت المرأة السوداء العرجاء ذات العين الواحدة إلى بضّة بيضاء جميلة لها خدود راوية وعينان تشعان بأنوار نجمات هوليود الفاتنات، وقدمان تشرقان بالحناء، ومعصمان مزدانان بالأسورة التي تصهل وتصلصل طالما تمتد وتتحرك حول عنق الرجل الذي كان يلتف حولها كالأفعى وهي تنظر بعينيها الكبيرتين إلى الساعة المقتولة على الجدار.
تحركت أكرة الباب فجأة.. فانتفض قلبها برجفة مفاجئة وتحركت عيناها الكبيرتان يمنة ويسرة بعد أن سحبت ظهرها من ظهر السرير وتكورت على نفسها في كهف مظلم لا تستطيع رؤية شيء محدد فيه، ولكنه كان أفضل وضع جنيني ممكن لطفلة خائفة تطوقها الوحوش من جميع الجهات، وعليها أن تتلاشى وتعود إلى نقطة البداية في مركز الدائرة الحجرية التي يصنع محيطها الوحوش. في تلك النقطة كان يصعب عليها رؤية الشمس أو التنفس بحرية أو حتى الموت من الخوف، وإنما كانت فقط تسمع ضربات قلبها الذي عليه التمييز سريعاً بين المرأة الساكنة والمرأة التي تنكفئ لكي تنجو.
كانت المرأة سوداء.. عرجاء.. وبلا جذور وتحت العينين الكبيرتين لايوجد وجه، وإذا لم يكن الباب مقفلاً وخرجت إلى الطريق فإن عيناها الكبيرتان تتحولان إلى عين واحدة. العين الواحدة تستطيع أن ترى البشر وتستعرضهم كما تشاء، ثم تشهق من كثرة عوراتهم، بل إن هذه العين لا تستحي من إطالة النظر إلى وجوه الرجال والنساء الجميلة وإلى الأيادي كيف تتشابك وتلتف خلف الظهور وكيف تتحرك القمصان المتدلية فوق سراويلها بإهمال متعمد، وكيف تبدو ربطات العنق المعقودة بعناية فوق الصدور. تنظر هذه العين أيضاً إلى الشعور المصففة بشكل فوضوي جذاب، أو إلى الأصابع التي تمسك بالسجائر وتدخنها بهدوء، بينما العيون تحدق بذهول في وجوه الصبايا اللائي يجلسن أمام العيون.
تظل العين الواحدة المختفية خلف الستارة تهتك الستر عن الأصابع والوجوه، بينما هي متوارية عن الأنظار ولا يراها أحد لأن العين الواحدة تعود إلى كائن أسود متلاشٍ وغير مرئي ولا يتجرأ على النظر إليه أحد.
اكتشف الرجل المقتضب هذه الخاصية المهمة والخطيرة في العين الواحدة، وأنها إذا ما خرجت من الباب المقفل عند انفتاحه، تستطيع أن تستدير بحدقتها في كل الاتجاهات وتشرد بخيالها إلى أبعد الحدود. فظل يمشي رواحاً مجيئاً بين الحجرات، ثم وقف قرب الباب الموارب يحدق في الخارج، وقال لو كان الامر بيده لأغلق فتحة العين الواحدة على مصراعيها وحرم ذلك الكائن الأسود من متعة النظر ، خارج الجدران الأربعة، وجعله يمشي كالخرقة السوداء بلا كوة تجلب له الضوء أو الأذى، فهو ذو رأس صغير لا يعرف كيف يدرأ عن نفسه الأذى.
لن يجد الرجل المقتضب طريقا أسلم لحل هذه المشكلة، وهذا أفضل من أن يشعر بالخجل وهو يعلم انها تنظر الى الرجال وتفكر بهم ملياً، بينما هو جالس في زاوية الدكان الذي يبيع فيه أقمشة النساء، والأفكار تتكون مزعجة في رأسه، ينتظر اللحظة التي يغلق فيها باب الدكان ليفتح باب بيته.
تحركت أكرة الباب يمنة ويسرة.. ودخل الرجل نصف عارٍ إلى الغرفة، وخلع حذاءه على أرض الغرفة، وفاحت منه رائحة العود والعنبر والمسك. وعندما وجد المرأة ملتفة على نفسها كما الجنين، ابتسم وتلا تعويذة كانت تُتلى في الفراش منذ آلاف السنين، قال:
ـ حلال دم الغزال.
فتحولت المرأة السوداء العرجاء ذات العين الواحدة إلى بضّة بيضاء جميلة لها خدود راوية وعينان تشعان بأنوار نجمات هوليود الفاتنات، وقدمان تشرقان بالحناء، ومعصمان مزدانان بالأسورة التي تصهل وتصلصل طالما تمتد وتتحرك حول عنق الرجل الذي كان يلتف حولها كالأفعى وهي تنظر بعينيها الكبيرتين إلى الساعة المقتولة على الجدار.