منذ بداية إصدارها، وإعلانها في بيانها الافتتاحي استقلالها الفكري وموقفها النقدي الصلب مما يدور في الواقع العربي من عفن وفساد، وأنها مجلة لحراس الكلمة وليست لكلاب الحراسة ، وقفت (الكلمة) مع التغيير وبشرت بأن عمر ليل الاستبداد والفساد قصير، وأن التغيير حتمي ووشيك. ففي السنوات العشر الأخيرة كان الوضع المتفاقم في مصر، ينطبق عليها التعبير الانجليزي الذي كنت أصف به ما يدور في مصر بعد عودتي من كل زيارة لها، untenable أي لا يمكن الاستمرار فيه، ولا يمكن الدفاع عنه أو حتى عقلنته وفق الطرق المنطقية التقليدية لمناقشة الأمور. لكن كان هناك دائما بصيص من الضوء في النفق المعتم. وكان هذا البصيص يتجسد في الأعمال الإبداعية التي كنت أعود محملا بها من كل زيارة، وكنت كلما قرأتها كلما أدركت أكثر أن الوضع في مصر untenable وأنه لابد وأن يتغير إن عاجلا وإن آجلا. وكان مشروع (الكلمة) نفسه ابن هذا الوعي بضرورة التغيير، وابن الرغبة في فرز خطاب حراس الكلمة من أضاليل كلاب الحراسة المدعومة بسطوة الفساد وجبروته المادي والسلطوي معا. واستمر المشروع بخطى حثيثة، بالرغم من مؤامرات لصوص الفساد وأعداء الكلمة الحرة المستقلة عليه.
لهذا كله كانت سعادة (الكلمة) غامرة حينما اندلعت الثورة في تونس، وخصصت لها ملفا للاحتفاء بها وطرح أفكارها ورؤاها. وها هي تخصص ملفا آخر لأصداء الثورة المصرية، ترصد فيه بعض ما أثارته من أفكار وردود أفعال. وهو ملف ضاف كان بودنا أن نتركه مفتوحا نضيف إليه الكثير، لأن أصداء الثورة، بمختلف تجلياتها وتنوعاتها النصية والفكرية، ستظل تتردد إلى زمن غير قصير على سطح الواقع كما في قيعان بناه التحتية المختلفة. لكن الأمل هو أن استمرار هذه الأصداء سيجد مكانا له على صفحات (الكلمة) بأشكال كثيرة ومتنوعة في أعدادها القادمة.