الحلقة الأخيرة من المسلسل المصري المثير، المهم، العظيم، انتهى، على غرار نهايات المسلسلات المصرية التقليدية، نهاية سعيدة، حيث يقع المجرمون في قبضة العدالة، بعد أن تنكشف ألاعيبهم، والعشاق الذين تحرمهم المكائد والدسائس من الوصول إلى بعضهم البعض طيلة زمن المسلسل، يلتقون إبان الحلقة الأخيرة في عش الزوجية الجاهز من مجاميعه، والست أم حنفي الشغالة تزغرد، وتأتي بالطعام وتقول للعاشقين.
يا ابني كلوا لكم لقمة، حرام عليكو، دا انتوا يا حبة عيني على لحم بطنكو.
وأما بطل الفيلم، البطل الفرد، الوحيد، الأوحد، الرئيس الأول، الفلاح الأول، الطيار الأول، المقاتل الأول، العامل الأول، الصناعي الأول، التاجر الأول، المثقف الأول، الأمي الأول، المحامي الأول، الطبيب الأول، الشيخ الأول، المفتي الأول، الحداد الأول، النجار الأول .. فقد حول بعض أرصدته المالية - على ذمة عدد من الفضائيات العربية التي تناقلت الخبر- إلى بلاد ما تقشع حدا فيها (كما تغني السيدة فيروز)، بلاد لا تطالها أيدي الشعب المصري الذي طفح به الكيل، فتخلى عن صفة (غلبان)، وثار، وتمرد، وتقدم بصدور ابنائه المكشوفة امام الهجانة والبلطجية وراكبي الكدش والجمال، ليطالب بتنحي الرئيس، هكذا صراحة، من دون لف أو دوران أو مواربة، وبقي واقفاً على ساق واحدة، واصفاً رئيسه بعكس الصفات التي كان رجال المخابرات يجبرونه على وصفه بها (على عكس قناعاته) حتى النهاية.
وحول البعض الآخر من أرصدته، كما أوضحت تلك الأخبار، إلى سبائك ذهبية.. وتقول الأنباء إنه بقي طيلة الأيام السبعة عشر الأولى من عرض المسلسل، أي منذ يوم 25 يناير، وهو يشطّ، ويمط، ويَعِدُ، ويُسَوِّف، ويمثل (باعتباره الممثل الأول أيضاً!)، حتى أصبحت ثروته الهائلة، مصفوفة، ومرتبة، ومرزومة، ومنضودة على رفوف البنوك في تلك البلاد المأمونة، ووقتها خرج معاونه عمر سليمان، بوجه أكثر اضطراباً واكفهراراً من وجه رب الأسرة الذي يتلقى، فجأة، من مراسل مجلس المدينة، إنذاراً بضرورة هدم منزله خلال أسبوع من تاريخه!.. وأعلن أن هذا الرئيس الكبير الأب الحنون، الطيب، المضحي في سبيل بلاده، تخلى عن مهامه الرئاسية التي كان قد اغتصبها، بكد يمينه، وعرق جبينه.. وله في ذلك الأجر والثواب. (هذه العبارة الأخيرة من عندنا، فالسيد عمر سليمان- للإنصاف- لم يقلها).
الاقتصادي الأول:
سألني أحد أصدقائي عن سبب لجوء السيد حسني مبارك إلى تحويل ثروته إلى نقد أجنبي، وسبائك ذهبية. فقلت له إن معلوماتي الاقتصادية الضحلة لا تسمح لي بتحليل موقف بالغ التعقيد كهذا على نحو صائب، ولكنني أعتقد أن مبارك، وبما أنه كان الاقتصادي الأول في مصر خلال ثلاثين سنة، يعرف- أولاً- أن عملات تلك البلاد الاستعمارية قلما تنخفض قيمتها، بسبب الاستقرار الاقتصادي الموجود لديها، على عكس الجنيه المصري الذي كانت قيمته تنخفض تجاه معظم العملات الأجنبية (بحسب نشرات الأخبار الاقتصادية التي كانت تبثها قناة 'العربية') يومياً، بسبب ثورة الشعب المصري، ويعرف- ثانياً- أن الشعب المصري لن يسمح له بالعيش في مصر بقية عمره بأمان، ولا شك أنه سيمضي بقية عمره في البلاد الاستعمارية هو وأسرته، والإنسان تلزمه النقود في البلاد التي يقصدها ليعيش فيها، وليس في البلاد التي تركها إلى غير رجعة. قال لي ذلك الصديق، مبدياً الكثير من السذاجة: إن رقم الأرصدة المالية التي تحدثت عنها الجزيرة والمنار والحوار وغيرها من الفضائيات العربية تنص على أنها تصل إلى نحو سبعين مليار دولار، وهو مبلغ قريب من المبلغ الاجمالي لحرب الخليج الأولى، وعلى كل حال فإن ثلثي المبلغ يكفي لإيفاء ديون مصر الخارجية كلها، فلماذا تلزمه كل هذه الأموال؟
قلت له: أولاً، مبارك، وهو الحكيم الأول في مصر خلال الثلاثين سنة الماضية، يعرف أكثر من غيره ما يلزم له ولأسرته من أموال، خلال السنوات المقبلة. وإن كنت تظن أن أجله قريب وهو في سنة (83) سنة، فأنت واهم بدليل الطرائف التي رويت عنه، وهي كثيرة، دعني أذكرك بأبرزها.
طرائف عن الريس
** ضمن برنامج (إربت تنحل) على قناة نيو تي في أذاع أحد الممثلين نشرة أخبار زعم أنها تبث يوم 9 شباط/ فبراير 2031، وجاء فيها:
تظاهر مئتان وخمسة وخمسون مليون مصري في ميدان التحرير مطالبين برحيل حسني مبارك.
** زعموا أن الرئيس حسني مبارك ألقى في سنة 2040 الكلمة التالية:
- لسه المعارضة بتحكي بصحفها وبين الناس في الشوارع عن التوريث.. وبيقولوا إيه؟ الريس حسني مبارك ح يورث الحكم لابنه جمال مبارك. فلقونا وهم بيحكوا عن التوريث. أدي جمال مبارك مات، ح ورث الحكم لمين بقى؟
** ويحكى أن أحد أصدقاء الرئيس حسني مبارك كان مسافراً في أوروبا، وحينما عاد إلى مصر طرق باب القصر الجمهوري، وبعد السلام على الريس، والتحية، والسؤال عن الأحوال، أعلمه بأنه أحضر له هدية ثمينة، هي عبارة عن ببغاء جميل.
قال مبارك: وإيه هي مواصفات الببغاء ده؟
قال الصديق: ده يا ريس بيعيش مية سنة!
قال مبارك: مش معقول. ببغاء بيعيش مية سنة؟ أهي سمعة جديدة بصحيح. على كل حال سيبه وحنشوف إن كان بيعيش مئة سنة أو لا!
لا لإلغاء قانون الطوارئ
منذ البداية وحتى هذه اللحظة وأنا - محسوبكم الأقل شأنا بينكم - متضامن مع ثورة الشعب المصري التي نعتوها بصفة ثورة الشباب، بينما اعترض الكاتب الشاب خالد الخميسي في لقاء مع قناة دريم، ضمن تغطية خاصة لوقائع الثورة، على التسمية، وقال إنها ثورة الشعب المصري كله، وفي تسميتها (ثورة الشباب) تصغير لها. ولكنَّ لي مأخذاً على أحد الشعارات الذي طُرح أثناءها، وهو شعار إلغاء قانون الطوارئ والأحكام العرفية. يا شباب.. لقد تعلمنا منذ نعومة أظفارنا، والعلم في الصغر كالنقش في الحجر، أن تطبيق هذه القوانين الاستثنائية في البلدان العربية الممتدة من المحيط إلى الخليج، نافعة، وضرورية، ولا غنى للعربان عنها، فهي تمدهم بعوامل القوة والصمود في وجه العدو الإسرائيلي الحقير الذي يتربص بكافة الحكومات العربية - مهما تكن بعيدة في حدودها الجغرافية عن أرض فلسطين المغتصبة - الدوائر.. ولا شك بأن الانتصارات التي حققها العربان على هذا العدو الغاشم منذ أيام حرب الإنقاذ في سنة 1948 حتى الآن حصلت بفضل هذه القوانين.
هذا من حيث المبدأ.. وأما إذا نظرنا إلى ما يسميه القضاة في لغتهم (الحيثيات)، فيمكن للمرء أن يستفيض في تقديم الحجج والبراهين التي تثبت على نحو دامغ أن قوانين الطوارئ والأحكام العرفية ضرورية، ولا مندوحة للعربان عنها مهما كلف الأمر. فلنفرض أن شخصاً منظماً في أحد الأحزاب غير المرغوب بها، في دولة عربية لا على التعيين، سئل عن انتمائه إلى ذلك الحزب، فأنكر. ماذا يفعل (الشباب) بشأنه في تلك الحالة؟ هل يتركونه وشأنه؟ أم يُنزلونه إلى أقبيتهم الرطبة وينزلون به ضرباً وتعذيباً وكهربة حتى يتحدث عما ارتكب وما لم يرتكب من أفعال؟.. هل يستطيعون اعتقاله، أو حتى سؤاله عن جريمته، من دون أحكام عرفية؟ وإذا خطر للشعب العربي في تلك الدولة العربية أن يخرج إلى الشارع في مسيرات احتجاجية على السياسات الحكيمة للزعماء العرب، كيف يمكن لقوات الأمن أن تفرق جموعه، فتقتل من تقتل، وتعتقل من تعتقل، وتُخفي من تُخفي، من دون أحكام عرفية؟
أنصح المتظاهرين المصريين المتحضرين الذين نظفوا أرض ميدان التحرير وعادوا إلى بيوتهم، أن يعودوا إلى ذلك الميدان، ويعلنوا تراجعهم عن المطالبة بإلغاء قانون الطوارئ.. وأقترح عليهم تسميته (قانون الصمود.. والنصر على الأعداء).
قاص وكاتب من سورية
kh.badle@gmail.com