انتفضت مشاعرى كثيرا وأنا فى الميدان أعاين وأختبر هذه الملحمة الجميلة التاريخية لجموع المصريين وغالبيتهم شباب مصر الذى يغير وجهها الآن بفكره وتلاحمه وضميره وبأرواحه. كم هى غالية دماء من ضحوا كم هى ثمينة حياتهم. لقد فرشوا لنا ولأجيال كثيرة من بعدنا الطريق ليس فى مصرنا الحبيبة فقط ولكن لشعوب أخرى كثيرة قلت انتفضت مشاعرى وجرى الدم فى جسدى حارا وسال الدمع من عينى جارفا ليس حزنا وأسى على أرواح كانت تزهق ونفوسا تذل وتنكسر فى النظام المستبد السابق بل سال الدمع فرحا وطربا بكرامة ترفع وهوانا يزال فقد سقط المستكبرون وانحنى المتغطرسون والتحم المصريون الشرفاء فى ملحمة تاريخية لم يعرف العالم مثلها سابقة حتى شهد لها زعماء وأدباء وكتاب وفلاسفة عصرنا الحديث.
انتفضت مشاعرى وجرى الدم فى جسدى حارا فقد رأيت المصريين دون حواجز وفواصل شبابا وشيوخا نساء ورجالا شبابا وشابات مسلمين ومسيحيين محافظين وليبراليين أغنياء وفقراء علماء وسياسيين مثقفين وعمالا وفلاحين فنانين ورجال دين من أقصى جنوب مصر إلى أقصى شمالها رأيت أطفالا محمولين على أكتاف آبائهم وأمهاتهم يهتفون للحرية والعدالة. لا تستطيع أن ترى تعصبا أو تحرشا ولا نزاعا أو غضبا بين المتظاهرين. وكأن ميدان التحرير قد تحول إلى بيت كبير للعائلة المصرية الواحدة. تأكل معا من طبق واحد دون نزاع أو خصام تشرب معا تداوى بعضها وتواسى بعضها البعض تفرح معا وتبكى معا تنادى بصوت واحد للحرية والعدالة وسقوط النظام.
ما هذه الملحمة؟ كيف جاءت؟ كيف نظمت؟ كيف التحمت؟ ما هذه المشاعر والمشاركة الفياضة ؟ إنها تفوق الخيال والإبداع والتصور وكنت لم أكن أصدقها لو قرأتها فى كتب للتاريخ أو شاهدتها بفيلم روائى يحكيها لكننى الآن سأقصها على أحفادى لأن الله العلى منحنى عمرا لاحيا هذه الملحمة التى تفوق الخيال. قلت انتفضت مشاعرى وجرى الدم فى جسدى حارا متسائلا مستغربا أين كل هذه المخاوف التى أحاطنا بها النظام البائد فوضعنا جميعا فى سجن الخوف من بعضنا البعض من الذى أحاطنا بهذه القضبان من الخوف والرهبة والتربص والاستنفار لبعضنا البعض كيف سار بيننا هذا النمط السلوكى من الاستبعاد والكراهية لكل من هو مختلف عنى أو معنى.
فى لحظة يشهد لها التاريخ والأجيال يزول كل هذا وتعود مصر للمصريين وتعود اللحمة المصرية قوية أبية فها هى دور العبادة لم تمس وها هى الشوارع والبيوت والمؤسسات تحمى بيد أبنائها من المصريين الشرفاء فى غيبة تامة للأمن وبدعوة من جيش مصر العظيم، وقفت مع أصدقائى وجيرانى فى هذه الليالى الجميلة نتذكر أيامنا الخوالى ونتسامر ونشد على أيدى الشباب الذى يحمينا وكأن مصرنا تعود لنا جميعاز وكأن كل الخوف والحواجز وفكر الاستبعاد والرفض قد زرعت بيننا بفعل فاعل وهى لم تكن بعد أصيلة فينا فسرعان ما زالت وتبخرت إلى غير رجعة وعادت اللحمة الجميلة الاصيلة فينا فى ميدان التحرير وفى كل بقعة على أرضنا وكأن أرضنا المصرية كلها تتحول جميعها إلى ميدان للتحرير من الظلم والاستبداد من الخوف والرهبة من الكراهية والاستبعاد والرفض لبعضنا البعض. ومازالت مشاعرى تنتفض ويجرى الدم فى جسدى حارا بمصرنا الحديثة وبشبابنا نفتخر وبشهدائنا على أرضها نقف إجلالا وتعظيما كما فعل لهم كبار جيشنا الباسل. ولنتمسك بمكاسب هذه الثورة الشبابية البيضاء النقية ولنجعل هذه المكاسب واقعا ملموسا بفعلنا وجهدنا الجمعي.