ـ ما سر هذا النعيم؟ ـ تسخر منّي! لو يحمل الرجال، وتجرّب الطلق. حاولت أن أبعد عنها تلك الصور، ولمّا يزل ذلك الصرصور، الذي رأيته في غرفة الفحص يتجوّل أمام عيني. علّق السائق، وهو ينظر إلينا من خلال المرآة التي أمامه: تعترف رواء أنّي كاتب مهمّ وناقد أهمّ. ثمّ جاءت ممرضة، واصطحبت رواء إلى الطابق الثاني. ـ سأرى الطبيب. ـ حرام عليك قتلته! كلّ هذا من أجل ديك؟! استطعت التسلل إلى بوابة قسم الولادة. كانت رواء بانتظاري هذه المرة. تنهّدت عند رؤيتي: ـ لا أرى أهميةّ للجائزة غير تعب البال. ـ لم تطرق الباب؟ لماذا دخلت دون إذن؟ أهذا سلوك طالب في كلية التربية؟! تجاهلت كلامه، ومضيت أحدثه عن المادة التي لم ترد في البرنامج. أجابني وهو يشير إليّ بالخروج: شعرت بارتعاش يدها، وهي تتحسّس جبيني. كرهت أسلوبي في حبّها. نظرت إلى عينيّ.هدأت مخاوفها. ابتسمت: ـ انتقل على السرير حتّى أعدّ لك كأس عصير. وسألت امرأة أخرى رجلاً ربما كان قريبها أو زوجها عن نتائج الثانوية، فأعلمها أنّها ستعلن في الصباح. قطع تفكيري صراخ البوّاب، وهو يدفع رجلاً إلى الخارج: ـ حرام وعيب، هنالك نساء كاشفات الوجوه وعاريات. انتبهت للشاعر باسم طالب ورجل آخر لا أعرفه، كانا يتحدثان بجانبي: صرخ البوّاب منادياً: اندفعت نحوه، وأنا ألوّح بيدي، عندما وصلت إليه قدّم إليّ أوراقاً: ـ إلى بنك الدم. المريضة تحتاج إلى وحدتين قبل إجراء العملية. لم يهتمّ بي، تطوّعت امرأة يبدو أنّها على دراية بما يجري في مثل هذه الحالة. قالت: ـ كالعادة يطلبون الدم ولا يستخدمونه. ـ لا توسع في الرحم، والجنين قاعد في أعلى البطن. لا بدّ من العملية. هذا ما قاله الطبيب. ـ المدير مستاء من التقرير، ويدعوك لمقابلته على الفور. خرج الضيف ودعاني. بادرني بغضب: ـ سلامة روحك. لا أدري من أين تأتي بهذا الكلام! هل كلام النقاد كلّهم معسول مثل كلامك؟ ابتسمت، وقلت في نفسي: كنت مجنوناً عندما سلّمتك الدفتر. انتابني الغرور أن يعرفني محامٍ كبير. سألت: ـ الوجوه تتشابه. هنالك كاتب استدعاءات يشبهك تماما. ـ الأدب الذي لا يلامس الروح ليس أدباً، إنّه كلام لا قيمة له.. وافقته بإعجاب، ورأيت فيه ناقداً في ثوب محام، ثم رحت أشرح له القضية: ثمّ طلب مني التوقيع على ورقة توكّله بتولّي القضيّة، إذا كان كلّ ما هنالك توقيعاً فلم لا أفعل. ـ ستنال الجائزة! ـ الحقّ عليك تكشّفني في الليل. ـ الحمد لله حتى تعرف كيف أقف إلى جانبك! لكني لم أخرج من البيت اليوم! استيقظت على رواء وهي تهزّني، وفي فمي طعم شبح من الذين ابتلعتهم. انتبهت لتلمّظي: ـ وصيّة الطبيب.. ـ من العيب أن تقرأ المرأة في الشارع. ماذا يقول عنّا الناس؟ ـ الناس. الناس! الآن تغير كل شيء يا أميرتي، والبركة بالفضائيات والخلويات.. أذكر مرّة أنّي سألت أبا نعمة مداعباً عن سر معاقرته الخندريس، أجابني: حتّى يرى العالم أكثر جمالاً. جاء المساء، وظهر الفيلم على التلفزيون. قالت عندما استيقظت: ـ قلت لك اركب! ـ كنت في انتظارك. انتابني النعاس، قلت أستريح قبل أن تأتي.. ـ المطبخ! المطبخ! لو أنه رجل لقتلته! ـ من كنت تكلم؟ "بعد التحية ـ إنّها حبيبتي. ـ نعرف أنّ في هذا ظلماً كبيراً لك، ولكن تخطّي اسم كبير في النقد يكون فضيحة على مستوى العالم العربيّ. ـ العدالة غائبة عن كل مكان. نظرت إليها برثاء. أعجب أنّ الأغنياء يريدون أن يحصلوا على كل شيء بأموالهم. قلت بصوت متهدج: ـ أنت حر. كنت أرغب في أن أرزقك. ـ العدالة يا حكومة! ـ ستعودين فراشة. ـ ماذا يحدث في هذا البلد؟ أيّ جريمة اقترفتها حتّى يحاولوا قتلك؟! هل مطالبتك بجائزة جريمة؟ تلبّسني اليأس كعادته في مثل هذه الأحوال قلت: وكزتني حنين. تذمّرت. عنّفتني: استوى على المنصّة رئيس المنتدى وبجانبه مسؤول ثقافيّ كبير. قال عريف الحفل: ـ نحتفي اليوم بعرس من أعراس منتدى الأدب. الآن كلمة المحتفى به الناقد فؤاد توفيق. سرى الضجيج في نهاية القاعة، تأوّهت سيدة في المقعد الأمامي: ـ أكرّر شكري للحاضرين، وأكرّر اعتذاري عن أيّ ضرر ألحقته بغيري. ـ ذكّرتك؟ ـ حجاب أم قصة؟ لا يعلم متى صحا من حلمه. كانت الأوراق لما تزل في حضنه. تركها تتطاير في الحديقة الغناء، ونهض بقوة".
تجيبني:
ـ كلّه منك!
تنتعش روحي. تعرف من أين تؤكل فحولتي.
ـ رجل، ليس مثل رجال اليوم.
ـ ودلفت إلى قسم الولادة.
ـ مرافق المريضة رواء!
علا صوتي:
ـ عملية!!!
قلت بيأس:
ـ عندما يجيء الصبي نصلّي على النبي..
ـ قلت صبي.
ـ لا أدري. أحتاج إلى طبيب.
تتابعت قبلاتي:
ـ أيّ طبيب؟!
صرخت:
ـ قلت لك شكراً!
ـ لم تخرجي من البيت؟
ـ لا. لماذا أخرج؟
ـ صنيع الراقصة جيجي.
ـ لا تستحي يا ولد!
ـ لا تصدّقين؟
ـ شو جاب الطز لمرحبا..
فأرشّح الناقد العربي الكبير غسان جابر لجائزة النقد. وشكراً على هذه الثقة بي.
عدنان عاصم"
ـ زوجتك.
ـ هذي احتياط.
أشرت إلى حضنها، وقلت:
ـ إلاّ هنا.
تدلّهت:
ـ ما أقواك!
ـ الرزق الذي يأتي من هذا الباب لا أريده..
ـ الحرية للسجناء!
ـ الموت ليوشع!
ـ اتركوا مدينة القمر!
ـ صحيح؟! وأنت يا زوج الفراشة؟
ـ أنا الديك. أنا الديك.
ـ إنّهم يحيّونك. لم لا تردّ عليهم؟
ـ هنالك قصة كتبتها زوجتي. صارت تكتب القصص من شدة إحساسها بمعاناة زوجها.
ابتسم.
ـ أرجوك اقرأها، وقل رأيك... ولكن هاتها.
وسحبها من يدي وراح يقرأ:
حُلُم
الجائزة (رواية)