لا يحتاج محمد البساطي إلي مناسبة للحوار. وإن توفرت الكثير من المناسبات. إذ يمر هذا العام نصف قرن علي مغادرته لقريته الصغيرة (الجمالية) المطلة علي بحيرة المنزلة مهاجرا إلي القاهرة للدراسة والكتابة التي دخلها كتحد مع أصدقاء الجامعة. ليصدر بعد هذا التاريخ بعشر سنوات تقريبا مجموعته القصصية الأولي " الكبار والصغار". يتخلي البساطي في هذه الحكايات عن خجله الريفي ليكشف عن متحدث بارع يخبيء الكثير من الأسرار!
الكتابة لدي محمد البساطي »متعة«... وأيضاً »وسيلة« للحماية! بدلاً من أن يصبح صاحب »صخب البحيرة« زعيم عصابة في قريته الصغيرة المطلّة علي بحيرة المنزلة، أصبح كاتباً في القاهرة حيث أرسلته والدته وهو في الثانية عشرة، ليكمل تعليمه بعدما أُلقي القبض عليه أكثر من مرة بتهمة الشغب وتكسير زجاج قسم الشرطة، والقفز علي أسطح الجيران، وتعكير السلم العام للقرية.
يضحك البساطي وهو يتذكر تلك السنوات التي ما زالت »منبعاً« أساسياً لأدبه، إذ تناولها في العديد من أعماله: "تشبّعت في سنواتي الأولي بجو القرية وناسها، خاصة أنّني كنت رحالة عظيماً، كنت أترك منزلي مدةً طويلة وأستوطن إحدي الجزر، طعامنا السمك الذي نصطاده بأنفسنا، بينما يقوم أحد الصيادين بإمدادنا بالمياة العذبة. كل هذا جعل تجربتي في القرية ثريةً جداً. رأيت نماذج من الناس أحنّ إليهم من حين إلي آخر. تظل شخصياتهم وحكاياتهم تناوشني وأظل أقلبها علي وجوهها المختلفة حتي أتحرّر من سطوتها بالكتابة.
مرات قليلة تلك التي غادر فيها البساطي قريته، مستكشفاً عوالم المدينة: قاهرة الستينيات والسبعينيات حيث الحكايات السرية للمثقفين في »ليال أخري«، والمدينة الأسطورية في »الخالدية«، والمدينة البين بين في »دق الطبول«. روايات المدينة يتعامل معها البساطي باعتبارها »مغامرة فنية«... معها »أبدو مثل شخص يخرج من بيته ليشاهد الدنيا لكنه يعود مرة أخري«. هل يقف البساطي فوق أرضيّة نقديّة مغايرة للطرح السائد حول الرواية، باعتبارها فنّاً مدينياً بامتياز يؤرخ لحياة الطبقة الوسطي؟ يقول: «هذه مقولة مشكوك في صحتها، لا مانع من أن تتناول الرواية حياة الطبقة الوسطي في المدينة، لكن ليس معني هذا أنها تقتصر علي حياة هذه الطبقة أو علي المدينة. وقد يكمن هذا القول في أنّ حياة الطبقة الوسطي في المدينة كثيرة التناقضات، وبالتالي فهي حياة ثرية ومتنوعة وتغري بالكتابة«.
إذاًَ، يبحر البساطي عكس التيار. هوامش القري هي ملعبه المفضل، وشخصياته تبدو كأنّها خارجة لتوها من مستوقد التجارب الإنسانية. هل هذا التزام أخلاقي؟ يجيب: »كلا بالتأكيد. لقد غادرت تماماً فكرة الالتزام الأخلاقي والسياسي«. يشرح: »أنا لا أطرح مشاكل الريف بالمعني الطبقي، مثل العلاقة بين الفلاح والإقطاعي، أو بين المالك والمستأجر، فهذه الأمور استهلكت في الكتابة. أنا أختار نماذج إنسانية أعبّر من خلالها عن الهمّ الإنساني العام، ويكون الاختيار دائماً من الفئات التي تعيش علي أطراف الريف لأنها تعيش عالماً إنسانياً ثرياً من الحكايات والوقائع والثقافة الشعبية«.
لكنّه من جيل اعتبر السياسة التزاماً، فكيف تجاوز ذلك؟ يأتي جوابه قاطعاً: »منذ وقت طويل وأنا أعتبر أن مهمّة الكتابة ليست التثوير أو الحثّ علي الأخلاق الحميدة«. في الستينيات، كتب البساطي قصة »ابتسامة المدينة الرمادية« تحمل نقداً قوياً لعبد الناصر ودكتاتوريته: »كان جيلي ضد الثورة خصوصاً أنّها كانت شديدة البطش. كتبت هذه القصة من هذا المنطلق. ولكن فيما بعد تغيّر موقفنا. وهذا جعلني أرفض تماماً أن ينطلق الإبداع من مفاهيم سياسية، لأنّ مفهوم الإبداع أكبر من ذلك. ولكن في أعمالي الأولي ستجد المنطلق السياسي واضحاً«.
المفترق الحاسم في تغيّر مفهومه للكتابة، كان اكتشافه تشيخوف وتولستوي: »اكتشفت بأنّ كتاباتهما أعمق وأغني بكثير من كتابات الذين جاءوا بعد الثورة الروسية. ومعهما اكتشفت أن المنطلق السياسي يأتي دائماً مع احتساب العمل الفني، وأنّه يمكنك أن تدين اللحظة التي تعيش فيها عبر التركيز علي الهمّ الاجتماعي«. والمفترق الآخر الحاسم في عالم البساطي كان الإقامة في أسوان عندما نُقل ليعمل هناك: »كنت في القاهرة أتهيّب الإقدام علي كتابة الرواية. كانت القصة القصيرة أنسب، لأننا نستطيع من خلالها أن نلاحق الأحداث، كما يمكننا أن نعرف آراء النقاد بشكل أسرع. في أسوان وجدت نفسي في عزلة، لا صحف ولا أصدقاء. قلت لأنتهز هذا الموت الكامل وأكتب رواية. هكذا، كتبت »التاجر والنقاش«، وبعدها أدركتُ أن كتابة الرواية ليست أمراً شاقاً كما كنت أتصور«.
لكنّ »التاجر والنقاش« حملت أيضاً إدانةً لنظام عبد الناصر ولم تكن فناً خالصاً؟ يوضح البساطي : »ظللنا علي خلاف مع ثورة يوليو، حتي جاء السادات إلي الحكم، وقتها فقط قلنا »فينك يا عبدالناصر«. »يضحك قبل أن يواصل:« كان موقفنا من الثورة ينبع من منطلق كيفية تولّي العسكر الحكم. لكن كانت للثورة إنجازات جوهرية تلاقت فيها مع مطالب اليسار من الإصلاح الزراعي، وبناء السد العالي، والاستقلال، وإنجازات أخري كثيرة. أكيد، كان هناك أيضاً طغيان واستبداد واعتماد علي أهل الثقة. وقلنا ربما بالتجربة سيتغير الأمر. وعندما تولي السادات الحكم، ترحّمنا علي عبد الناصر. وبعد أربعين سنة من الفساد والتدهور، لازم نقول أيام عبد الناصر جنة«.
ربما يكون البساطي الكاتب الوحيد في جيل الستينيات الذي لم ينضم إلي أي تنظيم سياسي (فوق الأرض أو تحتها)، علي رغم أواصر الصداقة التي ربطته بمعظم رموز هذا الجيل المسيّس. وهو ما يفسره »أؤمن بأنّ الكاتب ينبغي أن يكون حراً، لا يتقيّد بأفكار ورؤي تنظيم ما«. لكن ألم يحاول أحد من أصدقاء البساطي إقناعه بالانضمام معه إلي أي تنظيم؟ »لم يكن لأي من أصدقائي علاقات بتنظيمات غير شرعية حتي يدعونني إليها«.
بدا البساطي مراوغاً في الحديث عن هذه المنطقة التي خصّص لها روايته »ليال أخري«. ألم يحاول الروائي يحيي الطاهر أحد أقرب الأصدقاء إلي البساطي أن يدعوه إلي أي تنظيم من تنظيماته؟ يضحك »التنظيم الوحيد الذي التحق به يحيي الطاهر هو تنظيم الشارع!«، ويضيف: »عرفت اثنين من »بتوع« التنظيمات. غالب هلسا وإبراهيم فتحي. استفدت منهما في معرفة الكتب التي ينبغي أن أقرأها، فقرأت ماركس وإنجلز وآخرين... أما نقاشاتهما، فكانت تثير الضحك«.
يشرح: " عندما تأسس حزب التجمع عرض عليّ الأصدقاء أن أنضم إليه، ولكني رفضت لأنني أؤمن بأن الكاتب ينبغي أن يكون حرا، وليس مواليا لتيار معين. وهذا ما كنت أعيه عندما بدأت الكتابة، إذ كنت حريصا أن ألتحق بالعمل الحكومي لأعمل ساعات محدودة، حتي أستطيع أن أوفر وقتا لممارسة الكتابة".
للجوائز في حياة البساطي "تاريخ" يستحق أن يروي. عندما بدأ الكتابة، قرأ عن مسابقة " طه حسين للقصة" التي ينظمها " نادي القصة" في مصر، كان ذلك في 1962، فأرسل قصته الأول " الهروب" إلي المسابقة بعد أن أستدان ربع جنية رسوم الاشتراك، ليفاجأ بحصوله علي الجائزة الأول : " ستون جنيها، وميدالية ذهبية (بحجم قرص الطعمية) محفوراً عليها اسم عميد الأدب العربي طه حسين، وفوق ذلك مقابلة جمال عبد الناصر الذي سيسلم الجائزة في احتفال الدولة بعيد العلم الذي سينقله التلفزيون". ثلاث جوائز لم يتوقع أيا منها، واهتمام إعلامي به، وهو لم ينشر بعد أيا من قصصه: " كادت تصيبني لوثة عقلية، حتي أن أحد الصحفيين سألني وقتها قرأت طه حسين فأجبته طه حسين مين؟ ما فيش حد له قيمة في نظري"
يضحك البساطي متذكرا تفاصيل أخري علي هامش الحكاية: " أرسل لي يوسف السباعي وكان رئيسا لنادي القصة سيارته لتقلني إلي الحفل، وأعطاني السائق وشاحاً " علم مصر" لأرتديه فوق ملابسي ثم اتجه إلي السباعي مرة أخري ليحضره، جلست أنا في الأمام بجوار السائق، وجلس هو مع إحسان عبد القدوس في الخلف وفجأة سألني: " من تقرأ من الكتاب"؟ فأجبته ببراءة طفل: نجيب محفوظ ويوسف إدريس و يحي حقي.." فسألني مرة أخري: ومن أيضا؟ فأجبته: " تشيكوف وهيمنجواي"... فعاد بكرسيه إلي الخلف مرة أخري ولم ينطق بكلمة، حتي وصلنا إلي الحفل، ذهب ليجلس في الصف الأول، وأنا خلفه، حتي فوجئ بي فسرت خلفه لأجلس بجواره ولكن فؤجئت به غاضبا يخبرني: " ابحث لك عن مكان تجلس فيه".
عاد البساطي إلي الصفوف الخلفية، وفي الصف العاشر وجد يحي حقي جالسا سلم عليه بحرارة وحدثه عن كتابته وتأثيرها فيه. بعد ثلاثة شهور من هذا الموقف ذهب البساطي إلي مجلة »المجلة« ليترك قصة للنشر، وهناك التقي يحيي حقي:" حاولت أن أذكره بنفسي، فقال لي أنا أتذكرك لأنك الوحيد الذي صافحني في تلك الليلة".
أسأله: هل لاتزال تحتفظ بصورتك مع عبد الناصر؟
يجيب: " لا، احد المصورين حاول أن يبيع لي الصورة بـ 2 جنيه وقتها، ولكن رفضت أن أدفع له... وكنا أيامها مفلسين ".
حكايات البساطي تكشف عن جانب هام من شخصيته: تلك السخرية التي يخبئها دائما خلف خجل ريفي لم يستطع أن يتخلص منه رغم إقامته في القاهرة لأكثر من نصف قرن. يقول: " كنا أيامها مفلسين، وكانت قيمة الجائزة كفيلة أن تصيبنا بالجنون، استطعت بربع قيمتها فقط أن أكوّن مكتبة ضخمة تضم كل أعمال الكتاب الكبار، وقتها استقبلتني أمي بالزغاريد، ونشرت صورتي في كل الجرائد وفتحت لي أبواب المجلات، وربما أكون أنا الكاتب الوحيد الذي لم يعان من مشكلة نشر فيما بعد". ولكن مجموعته الأولي تأخرت في الصدور بعد هذا الحدث ست سنوات كاملة ( صدرت الكبار والصغار عام 1968)؟ يتذكر: لم تكن ستصدر، كادت بعد نشرها أن تفرم. يحكي حكاية أخري أكثر إثارة: " قدمت المجموعة لدار الكاتب التابعة للدولة وكان يرأس إدارتها الناقد محمود أمين العالم، وبعد أن طبعت الرواية ذهبت فوجدتها منشورة وأخبروني أنها ستطرح لدي باعة الجرايد بعد يومين، أخذت أتردد علي بائعة الجرايد لأكثر من أسبوع ولكن لم يحدث شئ، ذهبت مرة أخري إلي الدار فأخبروني هناك أن قرارا صدر ب " فرم" كل الكتب التي تمتدح الصهيونية". صرخ البساطي : " يا نهار أسود.. كتابي يدعو إلي الصهيونية".. حاولت أن ألتقي بالعالم، ولكن لم أستطع، يومها كنت أعرف عبد الفتاح الجمل فجعلني أكتب في الملحق الأدبي لصحيفة المساء مقالا بعنوان : " رسالة إلي وزير الثقافة ثروت عكاشة" وكانت هذه أول وآخر مرة أكتب فيها مقالا. وفوجئت بأمين العالم يستدعيني لمقابلته ويسألني: لماذا لم أخبره بالأمر بدلا من كتابة المقالات في الصحف؟ قلت: " حاولت ولكن رفض الموظفون أن أقابلك. فأخبرني انه قرأ مجموعتي القصصية بنفسه، وليس فيها أي شئ، واعتذر بأننا في حالة طوارئ بسبب الحرب مع إسرائيل".
»إشاعات« هكذا يصف البساطي حكايات أصدقائه التي تقول انه لا يقرأ سوي الروايات فقط. يقول: " انا أقرأ كتب التاريخ ،لا أحب الفلسفة، وكتب النظريات الجافة، قرأت في البنيوية والتفكيكية وتوقفت بعدها عن الكتابة لفترة طويلة ومن يومها قررت ألا أقرأ شيئا منها". القراءة الثانية بالنسبة له أهم بكثير من الأولي، وخاصة في الأعمال التي لاتقدم نفسها له منذ المرة الأولي، مثل دوستويفسكي الذي قرأه أربع مرات، أو تشيكوف، لأن "الغموض الفني الجميل لا يظهر من المرة الأولي"، ولكن ليست هذه قاعدة لأن هناك أعمالا عظيمة أخري لم يستطع قراءتها مرة ثانية مثل " موبي ديك" أو " جسر علي نهر درينا" أو حتي »ألف ليلة وليلة« التي قرأها مرتين ..وليس مستعدا لقراءتها مرة أخري!
ولكن ماذا عن الشعر: " أحب صلاح عبد الصبور، ومحمود درويش وأمل دنقل". والشعر الجديد أيضا له نصيب في قراءات صاحب" صخب البحيرة" : أقرأ أشعار إيمان مرسال، وفاطمة قنديل، وإبراهيم داود والراحل أسامة الدناصوري".
ولأمل دنقل حكاية أخري مع البساطي: " كنت أحب فتاة ولم تكن تعيرني أي اهتمام، وطلبت من أمل أن يكتب لي قصائد فيها، كان يأخذ خمسين قرشا عن كل قصيدة يكتبها بخلاف ثمن كوب الشاي". يضحك: " تصور استجابت لي الفتاة بعد أن قرأت هذه القصائد. يضحك: " استجابت بمعني اننا خرجنا سويا إلي السينما وتناولنا الغداء لا أكثر ولا أقل".
يعشق البساطي موسيقي برامز وبيتهوفن. عندما جاء من قريته، التقي بالروائي الراحل عبد الفتاح الجمل الذي كانت لديه مكتبة موسيقية ضخمة. هناك تعلّم تذوّق الموسيقي واتّضح تأثيرها بقوة في بناء الكثير من أعماله من بينها روايته " جوع". ولكن عندما يبدأ الكتابة لا يستمع إلي أي موسيقي أجنبية، يبحث عن صوت مصري أم كلثوم خاصة في " هلت ليالي القمر"، أو عبد الوهاب وليلي مراد وأسمهان،فيروز بالنسبة له حالة خاصة، لا يمكن أن يستمع إليها أثناء ممارسة الكتابة لأنها " تجبرك علي أن تنتبه لها..وتترك الكتابة".
إذن كيف يبدأ الكتابة؟ » الصفحة الأولي« من العمل هي معركة البساطي الأهم، إذ إنّها الأصعب في الكتابة، ومن خلالها تتحدّد زوايا الرؤية وإيقاع العمل عينه. اللغة ليست معركة كما يقول «لأنها جزء من شخصية الكاتب، والحذف والاختصار أيضاً». لكن ماذا يفعل حين يكتب مشهداً جيداً لكنّه لا يتوافق مع إيقاع العمل، هل يحذفه؟ يضحك: »لا أرمي شيئاً. رواية »جوع« خرج منها بقصتين قصيرتين، خلال مرحلة المراجعة: " اكتشفت مشهدين غير منسجمين مع سياق الرواية فحذفتهما. سأشتغل عليهما فيما بعد كقصص قصيرة«. والأمر ذاته في روايته الأخيرة " أسوار" ما حذفه منها يشغله الآن ليكون _ ربما- روايته القادمة.
في »أسوار« يهتمّ البساطي بكل التفاصيل حول عالم السجن، من خلالها يرسم لوحةً مرعبة عن هذا العالم الرمادي الكئيب. علي لسان الراوي الذي سعي والده إلي تعيينه بديلاً له في السجن، بعد إحالته إلي التقاعد. ورغم أن البساطي يكاد يكون الكاتب الوحيد من جيل الستينيات الذي لم يدخل السجن، إلا أنّ هذه هي المرة الثانية التي يستلهم فيها صاحب »الكبار والصغار« هذا العالم القاسي والصعب، بعد مجموعته القصصية »محابيس«. يوضح الكاتب: »قبل أن أتقاعد، كنتُ أعمل في الجهاز المركزي للمحاسبات، وهو جهاز رقابة علي الأجهزة الحكومية كلها. وبقيت أفتّش عن مصلحة السجون خمس سنوات، وأستطيع القول إنّه لا يوجد سجن في مصر لم أره ولم أزره». مرةً واحدة دخل البساطي السجن »متهماً« وليس »مفتشاً«... يضحك: »كانت مع الكاتب الراحل إبراهيم منصور. قرّر الاحتجاج علي معاهدة كامب ديفيد وزيارة السادات للقدس، فكتب كلمة »لا« علي لوح كبير، وقرر أن يخرج به من مقهي »ريش« في شوارع القاهرة، وكنت أمر به مصادفةً، فقبضوا علينا«.
وللفن التشكيلي نصيب كبير من عالم محمد البساطي، فهو يعشق فان جوخ، وجوجان ، ويشعر بالحيرة أمام لوحات بيكاسو. يمتلك العديد من اللوحات الأصلية لفنانين مصريين. لوحتان لحسن سليمان ومثلهما لعادل السيوي ، وثلاث لوحات لجميل شفيق والعم جودة خليفة..وأيضا لوحات عديدة لفنان مصري هاجر إلي هولندا وترك كل لوحاته مع البساطي. معظم هذه اللوحات "إهداءات" ... يحتفظ بهما البساطي كثروة للزمن إذ "سيعرضهم للبيع قريبا"!
بعد عودته من الإمارات مؤخرا، لتسلم العشرة آلاف دولار قيمة الوصول إلي القائمة النهائية لجائزة البوكر، أعلن البساطي علي الفور " حالة الطوارئ" ، اعتذر عن رحلتين إلي إيطاليا ، وتونس .. وبدأ في المفاضلة بين فكرتين تلحان عليه .. أيهما ستكون روايته القادمة. لا يستطيع أن يحكي عن الفكرة قبل أن يكتبها علي الورق ، لأن الحكي يجعلها " تبرد"! ولكن هل هما عن القرية أم تجوال في عالم المدينة؟ يضحك: " لو عن القرية لم أجد صعوبة في البدء .. الصعوبة عندما أخرج عن القرية". إذن نصف قرن من الزمان لم تغير شيئا في البساطي..لايزال كما هو ابن القرية البار!