مشاهد السجن مازالت عالقة في رواياتي

وليد نشأت

اشتهر بأعماله الواقعية والتقرب من الفقراء عن طريق كتاباته ولد في محافظة الشرقية واستقر به الحال في مدينة المنزلة بالدقهلية حيث تأثر بالواقعية والحياة التي يعيشها أهل المنزلة في تربية الماشية وصيد الأسماك ومن أعماله "مجموعة عالم السجن"، التاجر والنقاش، صخب البحيرة، المهجرون، بيوت وراء الأشجار، فردوس".. وغيرها إنه الروائي الكبير محمد البساطي الذي يعتمد علي الحوار في رواياته القادرة مع تسجيد الواقعية لأشخاص الروايات.. ورغم أنه يدخل "الإيروتيكا" في أعماله ولكنه يستخدمها ليس حبا فيها وانما لاكتمال الرواية. فكان لنا معه هذا الحوا.
ما العوامل الحياتية التي أثرت في تكوين الروائي محمد البساطي؟

لقد عشت حياة عادية جدا إلا أن الذي تميزت به في حياتي هو الانتقال المستمر في الجغرافيا، فقد ولدت في محافظة الشرقية، ثم انتقلت إلي محافظة الدقهلية، وهناك كانت الصدفة السعيدة أن بيتنا كان يطل علي بحيرة المنزلة، فكانت هذه المنطقة تمثل حالة فريدة بالنسبة لي، بسبب جزرها التي تعيش عليها عائلات صغيرها موردها الأساسي تربية الماشية وصيد الأسماك، وكان نمط الحياة بين هؤلاء البشر مليئا بالدفء والحميمية رغم ظروف الحياة الصعبة، بعد ذلك نزحنا إلي القاهرة للتعليم، كان عملي في الجهاز المركزي للمحاسبات، في مجال التفتيش علي الوحدات المالية الحكومية، وهذا أتاح لي أن أجوب كل نواحي مصر، ومن ضمن الأماكن التي كان علي أن أزورها مصلحة السجون، لذلك كتبت مجموعة قصصية عن عالم السجن، تتضمن خمس عشرة قصة، والسجن يوجد في نبض المشاهد من رواياتي، وكتبت أيضا عنه رواية "التاجر والنقاش"، هذا الانتقال المتعدد ساعدني علي وصف الأمكنة والشخوص، خاصة التي من بيئات معينة لا يستطيع الخيال وحده أن يستحضرها.

"صخب البحيرة" عبارة عن منطقة الجزر في روايتك.. كيف تري هذا العالم الآن كما صورته في تلك الرواية؟

رواية "صخب البحيرة" تحكي عزلة الإنسان، فشخوصها يعيشون في عزلة ويحملون سمات الإنسان المعزول، وتوجد حكاية طريفة لم أروها، وهي أن كل شاب يتزوج، ينتقل إلي جزيرة أخري مجاورة ويصبح في عزلة مضاعفة، أما المؤثر الآخر في هذه الرواية هو الحروب التي عاشتها مصر، وكانت بلدنا الخط الثاني في الصدام مع اسرائيل بعد الخط الأول وهو بورسعيد والسويس والاسماعيلية، ولذلك كان الخط الثاني هو الملجأ لنزوح أهالي مدن القناة.
"بيوت وراء الأشجار" رواية كانت تحكي عن المهجرين.. وهذا يثير سؤالا حول دور الواقع المباشر في حياتك؟

واضح من أسئلتك أنك ملم بكل نواحي روايات محمد البساطي ولذلك سوف أجيب عليك بكل شفافية.. في الحقيقة أن الواقع بالنسبة لي هو المثير الأول في الكتابة الروائية، وأنا مازلت أحمل داخلي خزينا من التجارب الإنسانية المتنوعة.

"الإيروتيكا" تمثل هاجسا لشخوص روايتك الأخيرة، هل توافقني هذا الرأي؟
"الإيروتيكا" ليست مقحمة في الرواية وهذا هو المهم فرواية "فردوس" تحكي عن شخصية حقيقية عايشتها في البلد عن قرب، أما "ليال أخري" فهي عن شخصية أعرفها، أصور من خلالها تداعيات فترة سلبية في تاريخ مصر، وهي فترة "السادات" لأنني كرهت هذا العصر أشد الكراهية "الإيروتيكا" هنا ليست لذاتها ولكنها حالة ـ تضيف للنص ـ وتمنحه مجالات ادراك جديدة، وأنا أعتبر عندما تكتب "الإيروتيكا" معزولة لذاتها يتحول الأدب إلي أدب تافه، وهناك نماذج كثيرة علي ذلك، كما هي هناك رويات من الأدب العالمي كانت بها "الإيروتيكا" عالية وكثيقة، وتشعر بأنها ضرورية للعمل الأدبي.

في روايتك الأخيرة نلاحظ أن المرأة تمثل محاو رئيس للصراع.. لماذا؟
كان أول من تناول المرأة هو الأديب الراحل نجيب محفوظ في رواياته، ولكن لدي نجيب محفوظ كان الرمز واضحا وصريحا، واستمر النقاد ينبشون هذه الرموز في أي عمل له، ومن ثم لم تعد المرأة واقعا ملموسا من لحم ودم، بل مجرد رمز تجريدي، ومن السهل أن تكون "حميدة" في زقاق المدق هي مصر، لكن المرأة عندي هي واقع حي مقهور، وهي في حالة شديدة السوء، ثم انها عادة ما تظهر في أعمالي برغم أنني لا أكون واعيا بذلك.

الحوار يمثل قيمة جوهرية في أعمالك منذ رواية "التاجر والنقاش" فيما تتراجع أحيانا مقومات حديثة للسرد.. كيف تري ذلك؟

- الحوار قادر علي تكثيف الجوانب الشخصية أكثر من السرد، خاصة أن الحوار أكثر حيوية وحيادا، كما أنه يعبر عن الأفكار التي يراد لها أن تصل مباشرة إلي القاريء.
باعتبارك متابعا لحركة الكتابة الروائية والقصصية، برأيك هل توجد ملامح كتابة جديدة في مصر؟

- يوجد صوت جديد ولكن ملامحه تحتاج إلي قليل من الصبر، فأغلب المنشور هو الرواية الأولي للكاتب فلننتظر الرواية الثانية والثالثة، إنما في كل الأحوال تختلف الروايات الحالية بالتأكيد عن رواية الستينات التي كانت مهوجة بالهم السياسي والاجتماعي وهو ما تبتعد عنه الأعمال الجديدة بقصدية واعية.

هل توافق علي قول جابر عصفور اننا نعيش زمن الرواية؟

- لا، فالشعر موجود بقوة ويوجد شعراء كبار، ولكن الذي خفتت قوته هو القصة القصيرة، ليس عندنا وحسب، ولكن في كل البلدان، نادرا ما نقرأ الآن قصة قصيرة متميزة، مثل قصص هينفواي وتشيكوف، أو ماركيز أو يوسف ارديس، فالقول أن هذا الزمن زمن الروية فيه مبالغة.
كيف تقيم برأيك سيل الروايات التي تتخذ نقابات المدنية، من فساد سياسي وأخلاقي، محورا للسرد وتسمي عادة بالواقعية القذرة؟

- قرأت الكثير من هذه الأعمال ومعجب بها، أنظر اليها كنوع من الإحتجاج والرفض لما هو قائم، ولكل السلبيات التي نعيشها وقد أصبحت رهيبة، فلو تعاملنا مع هذه الروايات من هذا المنظور ستجدها روايات جيدة ولكن عندما يستقر الأمر ستختفي تلك الأعمال.

البعض أشار إلي روية "صخب البحيرة" باعتبارها رواية غامضة هل تتفق مع هذا الأمر؟

- البعض أشار بأنها غامضة والبعض الآخر لم يعتبرها كذلك. فلكل رواية خصوصية، كما أن الشرح يضر أحيانا بالعمل الأدبي.

روايتك الأخيرة "جوع" هل هي تعبير عن الوضع القائم؟

-                  نحن نعيش حالة انهيار تجسد فيها الجوع بشدة ورأيت أن أفضل ما يكتب للتعبير عن هذه الحالة هو الجوع الذي تعيشه، أسرة مصرية، وكم البؤس الإنساني الذي يغلف حياتها.

من الملاحظ أنك مغرم بحصار الشخوص في أماكن نائية؟


- بالفعل أنا مغرم بحصار الشخصية في بعض الروايات، بسبب رغبتي في معرفة كيف تكتشف العالم حولها وتواجه مصيرها ومأزقها الإنساني في حيز بسيط ومحدود، أحب أن أنوه بأن الغرام بهذا الحصار ليس محض حالة سيكولوجية، وانما هو نتاج طبيعي لعلاقة الشخصية بواقعها، وهذا ما تلاحظه مثلا في رواية "فردوس" فالقصة مستمدة من الواقع، ناهيك عن العزلة التي تكشف عن المخزون الروحي للشخصية فصراعها أساسا يبدو مع ذاتها، وقد انعكس ذلك علي قصصي القصيرة، فالكثير منها غارق في تهاويم شعرية ويغيب الموضوع، ونحن نجد الكثير من القصص العالمية الممتازة بلا مضمون، وتكتفي بلمسة حزن، أو مودة، وأعتقد أن الكثير من قصص تشيكوف هي كذلك.

 

جريدة التعاون