دائماً تأتي رواياته عن المهمشين الذين يعيشون علي أطراف القري والمدن لتتناول بؤس معيشتهم وهم شاخصون إلي مصائرهم التي لا يتوقعون نهايتها علي نحو جيد بل هم متأكدون أن الخاتمة ربما تأتي أتعس من البدايات ومع ذلك فإن شخوص وأبطال الروائي محمد البساطي يسكنها أو تسكن هي حالة من الرضا، الرضا الذي يتناولونه صباح مساء علي بطون فارغة لا تعرف غير الجوع وشظف العيش حيث لا «عيش» يسد رمقهم، أبطال البساطي يقفون دائماً علي تخوم الحياة ولا يعرفون كيفية تغييرها لصالحهم، مزودون دائماً بحالة من الرضا والقناعة وهي المعين علي الاستمرار في العيش في هذا الواقع، واقع الجوع رغم قسوته ومرارته ليتحول إلي مجرد بطون تبحث عن لقيمات وتدع التغيير ـ إن كانت تعرفه أصلاً ـ لغيرها.
لا يسعي البساطي إلي تثوير رواياته ولا يمكن اعتبارها مقالات أو خطباً سياسية تنادي بالتغيير ونقد الأوضاع البائسة لأبطاله وشخوصه. فبرغم قتامة الحياة التي يحياها أبطاله فإن رواياته لم تجيء علي نحو مليودرامي وإنما فقط ترصد وتدفع القارئ إلي الاشتراك أو استكمال الحكي ليظل عنصراً فاعلاً ومضيفاً للعمل الفني وليس متلقياً له فحسب. أبطال البساطي يضعهم دائماً في مواجهة المحنة حيث تصهرهم في أتونها لكي تمتحن مصائرهم.
بعض النقاد يرون أن البساطي استطاع أن يجعل من عالم القرية الصغير أسطورة ينجذب إليها القاريء ليعيش ويتعايش معها في ذلك العالم الساحر الذي شيده البساطي بمفردات سهلة وممتعة ليحكي عن أشخاص لا يهمهم سطوة السلطة أو تكسب المال أو تغييرات العالم من حولهم بقدر ما يهمهم سد رمقهم بلقيمات. رواية «جوع» المرشحة لجائزة البوكر تدور حول عائلة «زغلول» التي تعيش في بيت صغير واجهته من الطوب الأحمر به فجوات من أثر تساقط بعض حجارته فرقع بالأسمنت والباب من الخشب السميك وكتب علي الحائط باللون الأبيض «ادخلوها بسلام آمنين» لتقع المفارقة بين حالة أهل البيت غير الآمنة وغير السارة ومع ذلك فهم يدعون الداخل إليهم بأن له لديهم سلاماً وأمناً، أهل البيت عندما يصحون ولا يجدون طعاماً يتراصون أمام عتبة البيت جوعي وتدور الزوجة علي نساء القرية لتقترض منهن وهي قد تجد وقد لا تجد فتعود للجلوس مع بقية أفراد أسرتها علي عتبة البيت في انتظار نهار آخر لتستكمل السعي للاقتراض فقط للحصول علي ثمن بعض أرغفة خبز تسد خواء بطون أسرتها.
للبساطي أعمال قصيرة وروائية نالت قدراً كبيراً من تقدير النقاد وصادفت حظاً وقبولاً من القراء وترجمت إلي العديد من اللغات الأجنبية، ومن أعماله المهمة: «صخب البحيرة»، «ليالي أخري»، «الخالدية»، «المقهي الزجاجي»، و«يأتي القطار».